نصر الله: أكتب عن الموت لأني عشت داخله


*نزار الفراوي-الدار البيضاء

يقدم الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله متعا سردية لقارئه، لكنها متع قاسية ومعذبة من حيث قضاياها التي تحوم حول الفقد والموت والحرمان. خاصية يعترف بها الكاتب وإن كان يعتبر حضورها بقوة في متنه الروائي طبيعيا، نظرا إلى تجربته كفلسطيني عاش المأساة الجماعية لشعب “كتب عليه أن يعيش داخل الموت”.

وكناية عن تقمصه لهذه المعاناة الجماعية التي ينفصل فيها المصير الشخصي عن الهاجس الأدبي، يقول إبراهيم نصر الله -الذي حل ضيفا على المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء- إنه يحاول “إعادة بناء القرية التي هدموها..، حتى لا يهدموها من جديد”، في إشارة منه إلى دور الأدب كتوثيق إبداعي للذاكرة.
ويحرص مبدع “الملهاة الفلسطينية” على تأكيد أن عوالم العنف والموت والبؤس التي صورتها رواياته ليست شطحا تخيليا، بل إن مرارات الواقع تفوق ما احتواه مشروعه السردي، ويضيف “لم أبالغ في تقديم معاناة مضاعفة لما شهده واقع أعرفه..، لقد عشت تحت سقف تتصارع فيه الأفاعي والجرذان”.
مشروع ضخم
وقد بدأ مشروع “الملهاة الفلسطينية” عام 1985. وكانت نية نصر الله أن يكتب رواية وحيدة، فإذا بالحكاية تتناسل لتفرز سبع روايات ضمن مشروعه الأدبي الوطني. أمر طبيعي في نظره، فالقضية الفلسطينية -بتشعباتها وانعطافاتها وملاحمها- أكبر من رواية وحيدة مهما كانت درجة تكثيفها وشموليتها.
ويضم المشروع روايات “طيور الحذر”، و”طفل الممحاة”، و”زيتون الشوارع”، و”أعراس آمنة”، و”تحت شمس الضحى”، و”زمن الخيول البيضاء” (اللائحة القصيرة لجائزة البوكر العربية عام 2009)، و”قناديل ملك الجليل”.
وبغض النظر عن طبيعة المضامين التي يتناولها الروائي الفلسطيني، فإن إبراهيم نصر الله يؤكد أن ابتكار الشكل يشكل المتعة الكبرى للكتابة الأدبية، والوعي بالأشكال يتساوى لديه مع الوعي بالمضامين. فالشكل ليس وعاء جاهزا، بل تحدده طبيعة الفضاءات والشخصيات.
ويشدد الكاتب على العناية بالشكل لأنه لا تكفي المراهنة على الموضوع وتقديم تنازل ما على مستوى العنصر الإبداعي، أسلوبا ولغة وتركيبا. وفي هذا السياق، يرى نصر الله أن “القضايا الكبيرة بحاجة إلى إبداع كبير، لأن ما دون ذلك يسيء إليها”.
وعلى غرار مقولة الشاعر الراحل محمود درويش “ارحمونا من هذا الحب القاسي”، في إشارة إلى المجاملات التي يحظى بها الأدب الفلسطيني تكريما لنضاله ونبل قضيته، يرفض إبراهيم نصر الله تقييم المبدع الفلسطيني من زاوية ارتباطه حصرا بقضية شعبه. ويقول “ينبغي محاورة التجربة الإبداعية الفلسطينية بكل قسوة، لا إسباغ عشق لا مشروط عليها”.
إيمان بالنص
المتلقي لا وجود له لحظة الكتابة لدى إبراهيم نصر الله، لكنه يحرص على أن يرضي نفسه كقارئ وأن يؤمن بنصه. حينئذ لا يهمه رأي معارض أو مشكك.
ونموذج رواية “براري الحمى” مثال بارز على ذلك، إذ يذكر إبراهيم نصر الله أنها وجهت إليها انتقادات كثيرة لدى إصدارها، لكن بعد ذلك بسنوات انتزعت ترحيبا متأخرا واسعا، علما بأن صحيفة “ذي غارديان” البريطانية اعتبرتها واحدة من أفضل عشر روايات في العالم العربي.
وبين إبراهيم نصر الله والسينما علاقة عشق خاصة يقول عنها “كانت السينما وسيلتنا في الإطلالة على العالم حين لم تكن لنا استطاعة لمغادرة المخيم أبعد من بضعة كيلومترات”.
ومع التلفزيون، كان ممكنا أن تتحول روايته “زمن الخيول البيضاء” (جزء من مشروع الملهاة الفلسطينية) التي رشحت لجائزة البوكر العربية إلى دراما لولا أن المشروع اصطدم بعدة عراقيل، في مقدمتها حساسية بعض الفضائيات العربية تجاه القضية الفلسطينية.
_________
(الجزيرة) 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *