خيبة


*نائل العدوان

(ثقافات)
“ماذا نفعل بكل هذه الخيبات ؟ “
“هل نطحنها دقيقاً ونصنع منها خبزاً؟، أم نهديها لحلفائنا في عيد استقلالهم” !
قال الوزير بنبرة ساخرة، ممعناً النظر بكومة سهام أمامه ثم بقائد حرس القلعة الذي أشاح بوجهه إلى الجهة الأخرى.
“أجبني، هل نُفصّل الخيبات أثواباً تستر عوراتنا وتقينا شرور البرد والحر، وتكون حصوننا التي نلوذ بها “.
لا يلتفت قائد الحرس ولا يجيب. يطبق بعدها صمت على الطاولة التي يتحلق حولها عشرة حراس ووزير يحرك مجموعة من السهام بين يديه.
– “هذه خيبة عزيزة على قلبي، ها، لن أفرط بها”، يزيح الوزير أحد السهام جانباً.
كان جرادُ الحرب يسّد أفق السماء في الخارج، يحرق صور الأشجار ويغيّب خضرتها، يعبث بمياه الغيوم ويحبس غيثها.
أحسَّ الوزير بعجز في خفقات قلبه ووجيب يخفت كلما حرك سهماً من سهام الخيبة بين يديه.
“أتذكر هذه الخيبة أيها القائد؟، ما ألذ طعمها…، لا تزال تدغدغ مشاعري؟ ويكسر سهماً بنزق شديد”.
سنة مرت على هذه الحال، في كل يوم كانت تمني القلعة بهزيمة جديدة، ومع كل خيبة كان قائد الحرس يدير ظهره لها، ويدمل الجروح كمن يواري سوءته، سنة بكامل هيبتها حملت مئات الخطايا وذنوبا لا تغتفر.
“الخيبة تجرح يا مولاي” !، انظر، ويكشف قائد الحرس عن ظهره فتظهر عدة جروح وندبات… “ثم، ألا تصفح قط” !
“أصفح، هل أسامح من خان وطنه ! لقد أسلمت رقابنا رخيصة للعدو. أنظر إلى الخارج أيها الأبله”.
“كلامك ثقيل يا مولاي، أنا عبد مأمور من الوالي، الخيبة ليست من صنعي، إني امقتها”.
“بل قل انك لا تستطيع أن تعيش من دونها! لقد أدمنت أنت ومولاك الخطايا والفساد، حتى غدوتما الخيبة ذاتها ! ويكسر الوزير سهماً أخراً على عجل”.
“سيدي، انك تقدح مقام الوالي، وهي جريمة لا تغتفر”.
كانت عينا القائد تتسع كلما كسر الوزير سهماً، تراوح النظر بين الوزير وباقي الحراس الذين أخفوا أياديهم تحت جسد الطاولة، قابضة على السيوف.
“هي سيوفكم التي تتجهز لجريمة جديدة، هل أًمر واليكم بقتلي؟. يا لسذاجته، لقد مت منذ زمن بعيد، عندما ضاعت الكرامة التي لم نحافظ عليها”.
“حاولنا الذود عن القلعة، تعلم ذلك جيداً، ولكن لم تعد لدينا موارد تكفينا”.
“ما هو الوطن يا قائد الحرس، أهو حقيبة تحملها على كتفيك وقتما تشاء، ثم تلوذ فاراً كسارق في جنح الظلام ، من باع ترابه” ؟
“هي اتفاقيات وعهود”.
“هي كذلك !، خيبات ونكوص، خيبة من وراء خيبة، حتى كسرت شوكة القلعة وتركتها نهباً للأعداء”.
يُبعثر الوزير السهام على الطاولة ممسكاً أحدها، ويقوم الحراس من مجالسهم مشهرين سيوفهم بوجهه، بينما يبتعد قائد الحرس نحو الباب مبتسما و ملوحاً للحراس (بإنهاء هذه القصة).
يكسر الوزير السهم بيده ، فيصرخ أحد الحراس :
“سقطت القلعة ، سقطت” .
______
* كاتب من الأردن

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *