* ضحى عبد الرؤوف
حكاية تراثية مكتوبة بخطوط لونية سردية ذات هندسة وصفية.
تتعمق الفنانة «دعد ابي صعب» في استخراج الفكرة لوضعها ضمن تقاطع زمني، لتروي حكايا تراثية ترتبط بالذاكرة الفطرية، ومثيراتها الجمالية المنسجمة مع تكرارانطبع في ذاكرة لوحة مجردة بشمولية تخزينية ترميزية، لأماكن تراثية ربما! لما تحمله في تقاطعها من قيمة فنية، ونشوة تشكيلية لها بصمات هندسية وصفية التصفت باللون، والحركة العامودية والأفقية، لتظهر الجهات الاربعة بزوايا فارغة تاركة للمستقبل رؤية تتسع فضاءاتها، وتتغير بتغيير الخطوط وابعادها وتقاطعها ومسارت اللون المختلفة فيها، فامتداد اللون مع الخط الافقي اغرق المتلقي بتساؤلات ارتبطت بفلسفة الخط الافقي الزمني، الذي يوحد الانسان مع الارض، كما توحدت «دعد ابي صعب» مع الخط الزمني في افقية تلتصق بالارض والواقعية التجريدية كغوامض تخاف منها، مما يجعلها تحافظ على النسق التجريدية في لوحاتها.
كولاج اختلط بقوة مع القماش قبل أن يمنحه اللون حيوية ترتبط بابنية تتهاوى وتتلاشى، ليرتفع الخط العامودي اكثر، كلما حاولنا اكتشاف الملامح القديمة والجديدة في منمنمات تظلل الشوارع ، وتترجم ازمنة جديدة تنطلق نحو طبيعة زرقاء تتكون فيها صورا متعددة ما زالت تلتصق بذاكرة الأمكنة التي تتوازى مع حالتها النفسية الصافية، ومن ثم تأخذنا معها في جولة افقية لها ارهاصاتها ورؤيتها المرئية، في سرد تتشابك فيه التجريدية والواقعية مع الهندسة الوصفية، وضمن علاقة مشتركة بصرياً تختبىء في اعماقها ابنية ما زالت شاخصة في ذاكرتها، لتؤكد ان الحالة الفنية الخلاقة ترتبط بريشة حركية توزع الزمن، فتعيد الماضي وتجدد الحاضر قبل ان تترك لخط الافق سكونه الزمني، والغامض حيث رؤية المخيلة تختلف عند كل متلقي يتذوق اللون وبهجة الحركة الراقصة والمتناغمة مع الخطوط.
تجاور لوني له تضاده وانعكساته المختلفة على الخط والحركة، والكتلة، والفراغ، والمساحة، والابعاد، لتترك في النفس دهشة قبل ان تضىء على المكان والزمان فلسفة افتراضية تجعلنا نغوص في اعماق اللوحة، لنستخرج المحاكاة الحقيقية لازمنة فرضتها بالشكل واللون ومن خلال حقيقة متوترة وقلقة بخوف من تقاطع الزمن، وكأنها تريد البقاء في زمن احبته ولا يفارق ذاكرتها بل العودة الى الماضي، وما يحمله من قيم جمالية اصطدمت مع الواقع، فجردتها من حياة تركت شخوصها غارقة في لون كثفته عند نقطة تقاطع الخطوط، فتكاملت اللوحة مع الفكرة افقيا وعاموديا. الا انها في اللاوعي تركت المساحات الفراغية منهمكة في جدلية لونية منحت اللوحة حالة كسرت الجمود الفني، والتقليدية الكلاسيكية لمنظور اللون، ومنحته ايقاعا نغميا يزاحم ايقاع الابنية وانعكاساتها داخل المساحة، وكأنها تتغزل بالزمن لتعيده اليها وضمن لوحة تراتيبية تحمل ابعادا تتعدد فيها الرؤى الجمالية ، فالأزرق يغلب على لوحاتها، وفعالية الكولاج ترتبط بواقع الصور المرئية، مما يجعلها تشاكس الخط وتوزعه ضمن الوان تزدحم العناصر والوحدات الفنية فيها، فهي تجمع البحر والزوارق مع الشرفات القديمة، والقناطر ذات النقوش الملونة مع زخرفات الحديد القديم، مما يجعل الاحجام والاشكال تتصارع في اعمالها، وتكتظ الدلالات والايحاءات وتعطي مفهوما متجددا يظهر بروز الكتل، وكانها تتأرجح بتناقض وتوافق، واغتراب زمني مقترن بزرقة زينتها بفراغات بيضاء شفافة. او بحمرة وصفرة تتداخل فيها مستويات متضاربة تشكيلية تعكس ميتافيزيقية الخلفية المرتبطة بفضاءات ممتدة طولياً وافقيا، فتتألق الألوان وتسترسل الريشة في مد اللون وتشابكه. وفق الابعاد الرمزية للزمن والهوية التراثية، لحكاية مرتبطة بالذاكرة ومدى احتفاظها بتفاصيل دقيقة خرجت من باطن اللاوعي الحسي وانطبعت على اللوحة.
ابعاد محدودة رغم تعددها، والوان مكثفة بسماكة تختلف باختلاف المساحة والضوء المنثور عليها، وشفافية رؤية تتخطى الاشكال الهندسية وتترك النظر يصطدم مع الاشكال وكثافتها قبل ان يتشتت بين اسقاطات الخطوط الطولية والافقية، والنقطة المحورية الممغنطة التي تجعلك تشعر بانجذاب الكتل نحوها، وكانها ستلتصق ببؤرة ذات جاذبية تضم كل متحرك اليها، بل وتحاصر الزمن بديناميكية حسية، مما يحقق ترجمة هواجس فنية متمسكة بالتراث والواقع الاجتماعي. لاماكن شعبية ذات نظم خارجية ايقاعية تتألق فيها الخصائص التكوينية والمنمنمة، لصور دمجتها بمفهوم فن الكولاج مع الخط والمساحة واللون، لصياغة حكاية تراثية نقرأهافي لوحة تعتمد على توظيف التراث والذاكرة في خدمة الفن التشكيلي المتميز بتقاطع خطوط عامودية وافقية مع الرؤيا الجمالية المنظمة والمتباينة بسبب ارتباطها بمكان محدد جغرافيا جعلتنا نراه تلقائيا في حكاية تراثية مكتوبة بخطوط لونية سردية ذات هندسة وصفية.
__________
*عن (اللواء)