أبعد من الكونغ فو..الفيلم الصيني يعبر الحدود




*ليو تونغ

تعزز صناعة السينما الصينية منذ بدء سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين، وخاصة منذ تسعينات القرن الماضي، تبادلاتها مع السينما العالمية. خلال تلك الفترة، تمتع رواد السينما في الصين بفرص أكبر لمشاهدة الأفلام العالمية، كما تمتع رواد السينما في العالم بفرص أوسع لمشاهدة الأفلام الصينية. حاليا، تعرض العديد من دور السينما الصينية الكثير من الأفلام من كل أنحاء العالم بشكل غير مسبوق. ويتمع العديد من صنّاع الأفلام في الصين بعلاقات إبداعية تعاونية مع نظرائهم الأجانب، وينتجون العديد من الأفلام المشتركة. هذا التعاون مفيد للسينما الصينية، وبفضل قوة التواصل السينمائي، بات بالإمكان تعريف العالم أكثر بالواقع الاجتماعي والثقافي بالصين.

دفع التفاهم عبر التعاون

شاهد عشاق السينما في العالم الأفلام الصينية في مهرجانات السينما العالمية. في عام 1935، كان فيلم ((أغنية الصيادين))، أول عمل سينمائي صيني يعرض خارج البلاد، وقد فاز بجائزة في مهرجان موسكو السينمائي الدولي. وخلال عشرات السنين بعد تأسيس الصين الجديدة، ظل الوصول إلى قاعات العرض العالمية حلم أجيال من صنّاع السينما في الصين. كان أملهم هو أن تتيح الأفلام الصينية الفرصة لرواد السينما والمتفرجين في أرجاء العالم، لرؤية ومعرفة الصين، التي كانت آنذاك مجهولة بالنسبة للغرب.

في عام 1982، نظمت الصين مهرجانا للأفلام في إيطاليا، عرض خلاله 135 فيلما صينيا، وتكلل بالنجاح. ومنذ ذلك الحين، تم تنظيم المزيد من مهرجانات الأفلام الصينية في العالم، سواء برعاية حكومية أو برعاية من منظمات غير حكومية، مما وفر نافذة للعالم للتعرف أكثر على الصين. لكن حضور تلك المهرجانات كانوا في الغالب متخصصين أو باحثين في مجال الأفلام والسينما. ومن أجل وصول الأفلام الصينية إلى شرائح متنوعة من المشاهدين، كان لزاما عليها أن تدخل إلى المهرجانات السينمائية الدولية.

في عام 1988، حصل فيلم ((الذرة الحمراء الرفيعة)) للمخرج تشانغ يي مو، على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي. وخلال العقد التالي، حصلت العديد من الأفلام الصينية المتميزة على جوائز عالمية، وساهم نجاحها في رفع سمعة الأفلام الصينية بين المتفرجين الأجانب.

في عام 1996، أقامت المجموعة الصينية للسينما أول مهرجان من نوعه بعنوان “عروض بكين”، دعت إليه مجموعة من موزعي الأفلام من أنحاء العالم، لمشاهدة 18 فيلما صينيا في بكين. كان مهرجان”عروض بكين”، منصة تربط منتجي الأفلام بموزعيها. وعبر التواصل والتعاون المباشرين، من خلالها وصلت مجموعة من الأفلام الصينية الجيدة إلى دور العرض العالمية.

في عام 2011، بدأت بكين في إقامة المهرجان السينمائي الدولي، لتعزيز التعاون في هذا المجال، وأصبح نشاط “عروض بكين” جزءا من هذا المهرجان. في عام 2012، أقيمت الدورة الثانية لمهرجان بكين السينمائي الدولي بمشاركة ستمائة منطقة للسينما والتلفزيون من الصين والخارج وألفى شخص من الأوساط السينمائية والتلفزيونية وأكثر، وتم خلاله إبرام اتفاقيات قيمتها خمسة مليارات ومائتان وثلاثة وسبعون مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6 يوانات). وخلال هذه الدورة، تم لأول مرة إطلاق برنامج الإبداع والاستثمار في قطاع السينما الصيني. وتنافست أفلام من اثنتي عشرة دولة ومنطقة، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية، على هذه الفرصة الاستثمارية الثمينة. ووصل واحد وعشرون فيلما إلى جولة الاختيار النهائية.
سينما لنعرف بعضنا بعضا

خلال عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، كان الصينيون، وخاصة أبناء شانغهاي، يتمتعون بمشاهدة الأفلام الأجنبية، وفي مقدمتها أفلام هوليوود. في عام 1933 فقط، دخل الصين 433 فيلما أجنبيا، منها 353 أمريكية. في ذلك الوقت، كانت دور السينما الصينية تعرض فيلما أمريكيا يوميا تقريبا. وكان صنّاع الأفلام الصينيون يتعلمون علوم التصوير السينمائي الغربية من خلال مشاهدة أفلام هوليوود، يسجلون ملاحظاتهم للأفلام في الضوء الخافت من المصباح اليدوي في قاعة العرض.

في الفترة من تأسيس جمهورية الصين الشعبية وحتى انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح، لم تتوقف الصين عن عرض الأفلام الأجنبية، ولكن معظمها كان يأتي من دول اشتراكية. في ذلك الحين، كان موزعو الأفلام المحليون يحصلون على حقوق عرض الأفلام السوفيتية المتميزة، مقابل عشرين ألف دولار أمريكي للفيلم.
في عام 1979، بدأت هوليوود المفاوضات مع الصين لتوزيع أفلامها في الصين. وفي عام 1994، بدأت الصين تطبيق آلية لتقاسم عوائد عرض الأفلام الأمريكية في الصين. في تلك السنة، عرضت شاشات السينما الصينية تسعة أفلام أمريكية وفقا لهذه الآلية، كان أولها فيلم ((الهارب))، الذي حقق نجاحا كبيرا.

في عام 1998، بلغ إجمالي عوائد شباك التذاكر للأفلام السينمائية في الصين مليارا وأربعمائة مليون يوان، كان نصيب الأفلام الأمريكية منه سبعمائة وخمسة وثمانين مليون يوان، بنسبة 54%. وبلغت عائدات فيلم ((تايتانك)) وحده، ثلاثمائة وستين مليون يوان.

بعد انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية، توصلت إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، تستورد الصين بمقتضاه عشرين فيلما أمريكيا في السنة، ثم ازداد الرقم إلى أربعة وثلاثين فيلما في عام 2012. كان لأفلام هوليوود نصيب الأسد في السوق الصينية خلال السنوات الأخيرة. في عام 2012، كان من بين العشرة أفلام التي حققت أعلى دخل شباك ثلاثة أفلام صينية فقط،. حقق فيلم ((تايتانك)) الذي عرض بتقنية الأبعاد الثلاثية تسعمائة وسبعين مليون يوان، وحقق فيلم ((المهمة المستحيلة لشبح البروتوكول)) ستمائة وأربعين مليون يوان، بينما حقق فيلم ((حياة بي)) خمسمائة وواحد وسبعين مليون يوان. من هذه الأرقام، أدرك صنّاع الأفلام في العالم الإمكانيات الكبيرة في السوق الصينية وازدادت رغبتهم في الاستفادة منها.

في الحقيقة، لم تتمكن الأفلام الصينية من تحقيق نجاح في الأسواق الخارجية عندما تضارع نجاح أفلام هوليوود في الصين. خلال السنوات العشر الماضية، زادت عوائد شباك التذاكر في الخارج للأفلام الصينية من خمسمائة مليون يوان في عام 2002، إلى ثلاثة مليارات وخمسمائة وسبعة عشر مليون يوان في عام 2010، وهو رقم قياسي.

في عام 2011، انخفضت عوائد شباك التذاكر العالمية للأفلام الصينية. في ذلك العام، تم بيع خمسة وخمسين فيلما روائيا صينيا لاثنتين وعشرين دولة ومنطقة وحققت عوائد بلغت مليارين وستة وأربعين مليون يوان، بانخفاض قدره 40% عن سنة 2010.

رغم أن العائد المادي لعرض الأفلام الصينية في الخارج مازال متواضعا، لكن التأثير الثقافي لها يتوسع. في عام 2011، عرضت الأفلام الصينية في خمسة وسبعين مهرجانا وفي أربعة وأربعين مهرجانا في أربع وأربعين دولة، إضافة إلى هونغ كونغ وماكاو وتايوان. وبلغ عدد مرات العرض أربعمائة وخمس وثمانية مرات. وعرضت الأفلام الصينية أيضا 292 مرة في 82 مهرجانا سينمائيا في 28 دولة وفي هونغ كونغ وماكاو وتايوان.

وحصلت الأفلام الصينية على اثنتين وثمانين جائزة في ثمانية عشر مهرجانا سينمائيا.

الأفلام الصينية التي تحقق أعلى نسبة مشاهدة في الخارج هي أفلام الكونغ فو، والفنون القتالية. وقد حقق فيلم ((البطل)) الذي بدأ عرضه في عام 2000، دخلا كبيرا بلغ مليارا ومائة مليون يوان من عرضه في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكوريا الجنوبية، وأوروبا، ودول جنوب شرقي آسيا. بلغ عائد الشباك من العروض الخارجية لهذا الفيلم خمسة أضعاف عائد الشباك لعرضه في الصين. وحقق فيلم ((منزل الخناجر الطائرة))، الذي بدأ عرضه عام 2004، نجاحا كبيرا هو الآخر، إذ حقق أكثر من خمسمائة مليون يوان في أسواق العرض الخارجية.

قال جيسون ريد، نائب الرئيس التنفيذي لاستوديوهات والت ديزني، إن التبادلات السينمائية الواسعة بين الدول تعني إمكانية أن يطلع كل منا على ما لدى الآخر من قصص وحكايات، والإسهام في تعزيز التفاهم بين الأمم من مختلف المِلل والنِحَل. ومن خلال الأفلام السينمائية، تتمكن جماهير المشاهدين من الوصول إلى ثقافات الآخرين وتفهمها، وتجنب سوء الفهم والخلافات. وعلق ريد أيضا على سوق السينما الصينية قائلا، إن الأفلام الصينية لم تكن أبدا بمثل هذه الأهمية الحالية، على ضوء النهوض الاقتصادي للصين، الأمر الذي يعني أن عولمة صناعة الأفلام فيها، وسيلة هامة يمكن للصين من خلالها أن تعبر عن نفسها ثقافيا.
اتفاقيات إنتاج مشترك

تشير الإحصاءات إلى أن الأفلام المحلية الإنتاج حققت تقدما ملموسا، لكنها ما زالت غير قادرة على منافسة الأفلام الأجنبية حتى داخل السوق الصينية، منذ أن فتحت الصين دور عرضها أمام أفلام هوليوود في تسعينيات القرن الماضي. الطريق الوحيد لدفع ازدهار السينما المحلية هو تعزيز التعاون الصيني- الأجنبي في مجال الإنتاج المشترك، إضافة إلى التعاون بين بر الصين الرئيسي وهونغ كونغ وتايوان.

خلال الفترة من 2001 حتى يونيو 2012، وصل عدد الأفلام التي أنتجت بتعاون مشترك إلى أربعمائة وسبعة عشر فيلما. وحتى الآن، وقعت الصين اتفاقيات حكومية للتعاون السينمائي مع سبع دول هي إيطاليا، أستراليا، نيوزلندا، فرنسا، كندا، بلجيكا وسنغافورة، وجاري بحث توقيع اتفاقيات مماثلة مع المملكة المتحدة والهند وروسيا وكوريا الجنوبية. لقد بدأ نموذج التعاون المشترك في عام 1958، عندما تعاونت الصين وفرنسا في إنتاج فيلم ((سحر الطائرة الورقية))، وكان هذا التعاون خبرا كبيرا في الغرب. في عام 1982، ظهر فيلم ((معبد شاولين)) من إنتاج مشترك بين بر الصين الرئيسي وهونغ كونغ، التي أصبحت لاحقا منطقة إدارية خاصة في الصين. صار هذا الفيلم من كلاسيكيات السينما الصينية. وفي عام 1987، جاء إلى الصين المخرج الإيطالي الشهير برناردو بيرتولوتشي، لتصوير فيلم ((الإمبراطور الأخير))، الذي حصل لاحقا على تسع جوائز أوسكار. وعلى ضوء هذه الإنجازات والنتائج، أصبح نموذج التعاون والإنتاج المشترك أسلوبا مفضلا لدى المخرجين الصينيين، فظهرت مجموعة من أفلام الإنتاج المشترك مثل فيلمي ((الجودو)) و((تعليق المصابيح الحمراء)) للمخرج تشانغ يي مو، وفيلمي ((وداعا محظيتي)) و ((القمر الفتّان)) للمخرج تشن كاي قه، وحصلت على عدة جوائز عالمية.

إضافة إلى ذلك، واصل المخرجون من هونغ كونغ، تعزيز تعاونهم مع صنّاع السينما في بر الصين الرئيسي. وأنتجت هونغ كونغ في عام 2000 فيلم ((النمر الرابض والتنين الخفي))، وهو ثمرة جهود مشتركة مع بر الصين الرئيسي وتايوان، وحقق نجاحا كبيرا وحصل على أربع جوائز أوسكار. بعد ذلك، ازداد التعاون بين بر الصين الرئيسي وهونغ كونغ. في البداية، اقتصر التعاون على رأس المال والموارد البشرية. ولكن بعد سنوات من التعاون، بدأ صناع السينما في بر الصين الرئيسي البحث عن سبل مقبولة لدى الطرفين لسرد القصص والتعبير عن المفاهيم العاطفية. ومن أمثلة ذلك فيلم ((الحياة الجميلة)) للمخرج ليو وي تشانغ، من هونغ كونغ، والذي يروي حكاية سيدة انتقلت من هونغ كونغ إلى بر الصين الرئيسي. وفيلم ((لا ترحل وتحطم قلبي)) للمخرج دو تشي فنغ، من تايوان، والذي يتحدث عن سيدة غادرت بر الصين الرئيسي إلى هونغ كونغ. وقد ساهم صناع الأفلام في بر الصين الرئيسي وهونغ كونغ وتايوان في خلق وإبداع المزيد من الأفلام المميزة الناطقة باللغة الصينية، حيث نجحوا في الاستفادة من السوق الآسيوية الكبيرة التي يتمتع جمهورها بنفس الخلفية الثقافية.

أما بالنسبة للتعاون في صناعة السينما بين الصين والغرب، فهناك نوعان من النماذج الرئيسية. في النموذج الأول، تقوم المؤسسات الغربية بالإنتاج والتكاليف المادية فيما يقوم المخرجون الصينيون بإخراج الأفلام بأسلوب محلي أصلي، ومن ذلك فيلم ((الجنازة الكبيرة)) و((الهاتف الخليوي)) و((كهكهشيلي: دورية الجبل)).

وفي النموذج الثاني، يلجأ صناع الأفلام الغربيون إلى إقامة علاقات تعاون مع نظرائهم الصينيين في مجال الموارد البشرية ورأس المال من أجل تيسير دخولهم للسوق الصينية. ومع ذلك، فإن الأفلام التي يقدمونها تحمل القيم الغربية. ومن أمثلة ذلك، ((المومياء: قبر الإمبراطور التنين)) و((العقّاد والبطاقات البريدية الثلاث والثلاثون)).

لقد أثر التعاون بين صناعة السينما الصينية والغربية على ثقافة الأفلام الصينية الأصلية. وحسب رأي رن تشونغ لون، رئيس مجموعة شانغهاي السينمائية، فإن التعاون قد تجاوز حدود التمويل والمواقع والتراخيص ليشمل مزيدا من العلاقات التعاونية الإبداعية الضخمة. على سبيل المثال، عندما أخرج الأمريكي ستيفن سبيلبيرغ فيلمه ((إمبراطورية الشمس)) عام 1987، كان شريكه الصيني مسؤولا فقط عن توفير الأماكن والمرافق. ولكن في عام 2008، وخلال إنتاج فيلم ((المومياء: قبر الإمبراطور التنين))، أصبح الشريك الصيني أكثر انخراطا في العمل الإنتاجي.

رغم هذا، يبقى المجال واسعا لمزيد من التعاون وتعميق الجهود في هذا الصدد، بما يخدم السينما في الصين، ويسمح لصنّاع الأفلام فيها بالوصول إلى منصات ودور العرض العالمية، حيث يتم عرض الثقافة والتراث الصينيين الفريدين أمام المشاهدين من عشاق السينما في العالم.
____________
*محاضر في قسم السينما والآداب لمعهد العلوم الاجتماعية والهندسية التطبيقية التابع لجامعة الاتحاد ببكين.
* المصدر: ” الصين اليوم”.

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *