آرنست همنغواي وكتبُه .. استعادةٌ في الذكرى 52 لانتحارِه

آرنست همنغواي وكتبُه .. استعادةٌ في الذكرى 52 لانتحارِه

*ليندا واغنر

*ترجمة: صادق باخان 

عاش آرنست همنغواي حياته مثلما شاء، أما أعماله فإنها لامست قلوب الملايين وكانت جمله قصيرة لكن رواياته كانت قوية ولا تنسى، كتب حول ما كان يشعر به للكتابة عنه، ولد في 21 من تموز من العام 1899 وانتحر في العام 1961.

كانت البلدة التي ولد فيها صغيرة تسمى أوك تاون تقع في ولاية الينوي وكان والده طبيباً وعلمه في ما بعد كيف يصطاد الحيوانات والأسماك، وكانت أمه من جهة أخرى تتمنى أن يصبح موسيقاراً محترفاً، لم يكن همنغواي يحب أمه وعندما كبر كان يسميها بالعجوز الشمطاء ونشأ في بيئة دينية بعض الشيء ودخل مدرسة ثانوية في أوك بارك حيث إدرك موهبته في الكتابة، والى جانب الكتابة فان بقية النشاطات التي أحبها كانت السباحة والملاكمة.

وداع الدموع

عندما بلغ الثامنة عشرة من عمره أصبح لديه قرار في غاية الأهمية لاتخاذه، انه إما أن ينتقل إلى مدينة كنساس التي كانت تنمو كل يوم وإما أن يلتحق بالكلية وكان خياره الأخير أن ينتقل إلى مدينة كنساس حيث حصل على وظيفة بصفة مراسل لصحيفة كنساس سيتي ستار، وعند محطة القطار فان والده الذي انتحر وهو عمل اشمأز منه همنغواي قبّل والده مودعاً له بعينين دامعتين فأصبحت هذه اللحظة غاية جوهرية لرواية سيعنونها لمن تقرع الأجراس.

ونرى أن واحداً من الأسباب لماذا كتب تلك الرواية هو انه شعر بانه أكبر عمراً من والده في حينها بحيث انه كاد لا يتحمل مثل هذا الشعور، وفي حين كان في كنساس سيتي أصبح يدرك بأنه لم يحتمل الإقامة هناك فاعتكف لبعض الوقت ومر في صدمة ثقافية بالنظر إلى أن كنساس سيتي كانت أكثر تعقيداً من بلدة اوك هيل وبذلك فان أسلوبه في الكتابة قدمته صحيفة كنساس سيتي ستار.

كانت جمله وجيزة لذا فإن كتاباته يجب أن تصبح مثلها في حينها لأنه كان كاتباً للأخبار، لكنه سينقل ذلك الأسلوب إلى فن الرواية عندما حان الوقت لذلك، وفي شهر آيار من العام 1928 شاء همنغواي أن ينتسب إلى الجيش، غير انه لم يتمكن نظراً لضعف نظر عينه اليسرى وهو ضعف ورثه من أمه وبدلاً من الانضمام إلى الجيش فانه انضم إلى الصليب الأحمر وفي السنوات اللاحقة أصبح برتبة ملازم أول في الصليب الأحمر.

وفي حين كان يسرب السجائر والشوكولاته بين الجنود أصيب في ساقه بطلقة من مدفع رشاش نمساوي كما انتشرت مئات الشظايا في جسده وبرغم انه كان يعاني من آلام مبرحة تمكن من أن يحمل جندياً مجروحاً إلى مكان آمن يبتعد مئة ياردة، وبالنظر إلى أعماله الشجاعة فقد نال ميدالية الشجاعة الايطالية ثم أمضى كل وقت شفائه في مستشفى الصليب الأحمر الأميركي في ميلانو وكانت إقامته في ايطاليا مكاناً مثالياً لروايته «وداعاً للسلاح».

وفي حينها سمح له بالعودة إلى منزله بعد إقامته في المستشفى الأميركي في ايطاليا وعاد إلى بلدة أوك سيتي من دون أن يطلق شكاية وعاش مع أمه حتى بعد رفضه أن ينال وظيفة فقد طرد من المنزل وانتقل بعد ذلك إلى شيكاغو حيث حصل على وظيفة للكتابة في صحيفة تورنتو ستار وأصبح شريكاً في تدريب الملاكمة وكان في شيكاغو حيث التقى امرأة بالغة الحسن تدعى إليزابيث هادلي ريتشردسن وأراد همنغواي الزواج منها لكنه واجه مشكلة المال لذلك قاما بالانتقال إلى باريس ولأنه أصبح له طفل وهو في طريقه ولم يصدر له كتاب فقد قرر الانتقال إلى كندا وهناك ولد ابنه جون هادلي همنغواي في العام 1923 وعندما اشترك همنغواي في الحرب الاسبانية حارب بالطريقة التي رغب المحاربة فيها ومن بعدها راح يحضر حفلات العشاء المقامة في لندن.

كانت تلك الحفلات بعيدة عن خطوط القتال وعقب حفل للسكر اشترك في مناقشة بشأن الصيد وصيد الأسماك ومصارعة الثيران تعرض بعدها إلى حادث سيارة ادخل على إثرها إلى المستشفى وبعد وصول زوجته إلى هناك فإنها لم تواسِه بكلمات لطيفة بل انها سخرت من وضعه المحزن وهو يستلقي في المستشفى وفي لمحة بصر تخلص منها وبعد ذلك نال جائزة نوبل للآداب لرواية جديدة له هي الشيخ والبحر، وخلال رحلة جوية تحطمت الطائرة تاركة إياه مصاباً بارتجاج في الدماغ وشلل في العضلة العامرة وحروق في وجهه وذراعه ورأسه وظل يعاني مدة من الزمن من آلام في كبده وكليته وتم نقله إلى المستشفى وقبل ذلك كان قد أقام حفلاً كبيراً بمناسبة عيد ميلاده استغرق إعداده شهرين تخللت الحفل اطلاق ألعاب نارية ورقص الفلامنغو وأحضر سقاة وطباخين من جميع أنحاء العالم واستغرق الحفل 24 ساعة وحضر الحفل ضيوف من واشنطن وباريس وايطاليا والهند، وبعد انتهاء الحفل قال همنغواي بان أشد ما استمتع به بشأن الحفل هو أن أصدقاءه كانوا ما يزالون يولون اهتماماً بالمجيء إلى الحفل من أماكن نائية وبان الشيء بشأن الأصدقاء القدماء هو أن ثمة الآن القليل منهم.

صدمة موت الصديق

واجهته صدمات مؤلمة في حياته وكانت واحدة منها موت أعز صديق له بمرض السرطان والأخرى كانت عندما أجبر على الانتقال من منزله الوحيد الحقيقي أثناء قيام الثورة الكوبية والصدمة الأخيرة كانت عندما مات كلبه الأسود الذي كان رفيقه الحقيقي إذ كان يستلقي عند قدميه عندما كان يكتب، حاول همنغواي أن ينتحر في العام 1961 وذلك بتصويب بندقية إلى رأسه وفي الثاني من شهر تموز 1961 سمعت زوجته ماري انطلاق رصاصة من بندقيته في الغرفة الأخرى فأسرعت باتجاه صوت الرصاصة فرأت في أسفل السلم همنغواي وهو بقرب رف البندقية وبيده بندقيته المفضلة المطلية بالفضة إذ كانت بندقية الصيد تلك معدة له وحده.

بعدما تجاوزت ماري صدمتها توجهت نحو منزل جيرانها وأبلغتهم بالاتصال بالصحافة وعندما وصل الصحافيون أعلنت بان السيد همنغواي أطلق النار بشكل عرضي على نفسه وهو يتولى تنظيف بندقية صباح أمس ولم يحدد موعد لإقامة قداس الجنازة الذي سيكون خاصاً، وبعد ذلك الإعلان قال ابن همنغواي بان ماري ارتكبت خطأ في قولها بانه كان يتولى تنظيف بندقية للصيد علماً ان موسم الصيـد كـان قـد انتهى في حينها.

الشيخ والبحر وحكايات من كوبا

كان للكثير من كتب آرنست همنغواي معانٍ مختلفة وأجمعها كان يمكن ترجمتها بطريقة مختلفة ولكن لم يكتب الكثير عن بقية رواياته، ومع ذلك فان رواية الشيخ والبحر نالت حصة كبيرة من الكتابة عنها أكثر من أي رواية أخرى، فالشيخ والبحر كتاب يمكن ترجمته بالعديد من الطرق.

يمكن النظر إلى رواية الشيخ والبحر بالعديد من وجهات النظر إذ اعتقد جميع النقاد بان أسلوبه في كتابتها كان واضحاً جداً، ففي العام 1944 ذهب همنغواي إلى هافانا عاصمة كوبا ومن هناك كتب رسالة إلى ماكسويل بيركنس ذكر فيها بان له فكرة لكتابة رواية عنوانها الشيخ والبحر، وقد حصل همنغواي على الفكرة من الحكايات التي سمعها في بلدات لصيادي الأسماك في كوبا رواها رجل يدعى كالروس غويتيرث وكان همنغواي قد تعرف على هذا الرجل لنحو عشرين عاماً وتعرف على حكايات مقاتلة أسماك القرش.

ومن يومها جاء همنغواي بفكرة كتابة الشيخ والبحر وهي قصة حول رجل عجوز يدعى سانتياغو الذي كان عليه أن ينتصر على قوى الطبيعة العظيمة لكن الأمور انقلبت ضده بعدما اصطاد سمكة ضخمة راحت أسماك القرش تلتهمها ولم يبق من السمكة سوى هيكلها العظمي، وعندما وضع همنغواي تفاصيل الرواية أمامه أدرك في حينها بانه صار يكتب حول كفاح إنسان مع الطبيعة وأحب همنغواي هذه الفكرة وقرر أن يوظفها في مشهد الكفاح مع سمكة المارلين.

كتب الناقد ماغل يقول بان الرواية يمكن النظر إليها بوصفها حكاية خرافية لروح الإنسان التي لا تغلب، لكائن إنساني قادر على أن يختطف انتصارات روحية من ظروف الدمار والهزيمة المادية واشعر بان سانتياغو يلعب دوراً ضخماً في الرواية لكونه قادراً على عدم الاستسلام إلى عنصر الطبيعة وبأنه سيتغلب على الطبيعة في النهاية، وبان الشيخ والبحر هي سليلة لرواية موبي ديك للروائي هرمان ملفبل وبان الصراع بين سانتياغو وسمكة المارلين هو شبيه بصراع الحوت مع بطل رواية موبي ديك.

فقد رأى الكثير من النقاد الأميركيين بان رواية الشيخ والبحر كتبت حول حياة آرنست همنغواي نفسه ولكن الحقيقة هي انها كتبت حول رجل كوبي اسمه كارلوس غويتيرث ومع ذلك فان أجزاء من الرواية ترتبط بجوانب من حياة آرنست همنغواي وخاض في تجاربها.

______________

*(الصباح الجديد)

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *