حسين درويش*
لا يستهين أحد بتحطيم مَعلَم تاريخي أو هدم جدار أثري أو تحطيم تمثال أرسلته لنا الحضارات الغابرة، كما لا نستهين بقطع عنق تمثال أبي العلاء المعري (973 -1057م)، منذ أيام في مدينة معرة النعمان (شمال سوريا) التي ينتسب إليها فيلسوف الشعراء، تلك الرسالة لا تتوقف عند جسد بلا رأس فقط بل تذهب أبعد من ذلك مذكرة العالم بما فعلته حركة طالبان عندما دمرت تماثيل بوذية في بوميان بأفغانستان تعود لآلاف السنين.
رسالة قطع عنق تمثال لشاعر يفهمها الحصيف ويدركها العاقل لأن فيها من التحذير ما يتجاوز المعنى الظاهر للحدث، وخاصة في ظل الفوضى التي ضربت سوريا خلال عامين من الثورة، إذ يمكن لكل من هب أو دب أن يرتدي عباءة الإسلام ليدافع عن الدين أو عبادة الوطنية ليدافع عن بلده أو عباءة الأممية ليقاتل ضد أعداء البشرية.
تلك العباءات الفضفاضة يمر فيها كثير من الهواء الفاسد لأن سوريا لم تكن ذات يوم حاضنة تطرف أو قاعدة فكر متخلف، ولم تكن تربتها تسمح بهذا النوع من الجنون، لكن من ستوجه له أصابع الاتهام في إرهاب الناس والاعتداء على تاريخهم، ذلك التاريخ الذي لا يعونه منهجياً لأنهم يعيشون داخله. وهو يطابق ما قاله أحد الرحالة (في سوريا لا تشاهد التاريخ، في سوريا تعيش التاريخ).
هل قطع عنق تمثال المعري مقدمة لتدمير سوريا تاريخياً بعدما دُمرت اقتصادياً واجتماعياً؟ سؤال سيكبر يوماً بعد يوم والثورة تقترب من عامها الثاني، وخاصة بعد تدمير ونهب متاحف سوريا المنظم، ما يوحي أن عنجهية السلاح لا تحمي الفكر، بل تخيفه وتطرده حتى تخلو من عاقل يفكر في غدها، فتصبح الحياة قاسية وقد خلت من هواء يرطب وحشية البشر.
( البيان )
كاتب وصحفي سوري مقيم في الامارات