رمضان سليم *
يحدّثنا الناقد السينمائي ناجح حسن في كتابه «عتبات البهجة»، عن السينما في الأردن، ويتوقف طويلاً عن إنتاج الأفلام القصيرة والوثائقية والطويلة، ويهتم بالتطورات الحديثة التي لازمت التجديد التقني على وجه التحديد، من خلال ما يقدمه الشباب وشركات الإنتاج ومساعدة الداخل ودعم الخارج.
لا شك أن القفزة الواضحة في كمية الإنتاج، وربما نوعيته في الأردن، هي المبرر الرئيس لإصدار هذا الكتاب، أو جمع مقالاته المتعددة في إطار موحد يعطي فكرة للقارئ حول مستجدات السينما الأردنية في عقودها الأخيرة.
لا يهتم الناقد ناجح حسن ببدايات السينما الأردنية، فقد سبق أن عالجها في كتب سابقه. وهو يركز على الحراك السينمائي الجديد، اعتماداً على الشباب والتقنية الحديثة ودعم مؤسسات مهمة مثل وزارة الثقافة والهيئة الملكية للأفلام ومعاهد ومؤسسات خارجية أسهمت في تحريك الواقع السنيمائي الأردني.
ناجح حسن ناقد سينمائي مخلص للسينما، تجده في أكثر من مهرجان سينمائي، هادئ المحيا، بسيط السلوك والمظهر، مهتم بالشأن الثقافي عموماً، تقترب منه أكثر فتجده صاخباً من الداخل، لكنه يحافظ على لباقته وقدرته على التوازن مع معرفة بشؤون السينما وتواضع نادر الوجود.
أصدر الناقد ناجح حسن في ما سبق العديد من الكتب السينمائية ومن ذلك: «الآن على الشاشة البيضاء» (1986)، و «السينما والثقافة السينمائية في الأردن» (1990)، و «شاشات النور» (2003)، بالإضافة إلى كتاب جماعي بعنوان «متابعات سينمائية» (1993).
في كل كتب هذا الناقد تجده مهتماً بحقل السينما من خلال تقديم معلومات حول الأفلام المقترحة للنقد، والتركيز على الموضوع ومراجعة مجمل الأفلام المتشابهة في الموضوع، والتذكير بأهم أعمال المخرج، مع إضافة فنية تتناول الاعتبارات السينمائية وتستعرض الملامح الفنية التي تستحق الذكر.
ناجح حسن من النقاد الذين يتصفون بالشمولية في التعامل مع الأفلام، ويفرضون أنفسهم مع مرور الزمن ورسوخ التجربة، خصوصاً أن الحقل السينمائي يمتد إلى آفاق أوسع لا علاقة لها بالسينما العالمية والعربية وبأنواع مختلفة من السينما التجارية وغير التجارية.
ونجد الناقد متمرساً في العمل الصحفي، والعلاقة بين النقد السينمائي والصحافة هي المجال الذي أفرز لنا الكثير من النقاد السينمائيين العرب. يشارك الناقد ناجح حسن الروائي إبراهيم عبد المجيد في العنوان، حيث أنهما اختارا عنوان «عتبات البهجة» معاً، وأظن أن العنوان مغرٍ للاختيار لأنه يحتوي على مدلول غير حسي، لا يكون إلا بوسائل وأدوات شديدة الحساسية، والقصد تلك الإشراقات التي توحي بالغبطة ومن خلال بادرة أولى، فنحن لسنا في قلب المتعة، لكننا على حافة البهجة. عند ناجح حسن الأفلام هي التي تدفع نحو حفيف البهجة، ومن هنا جاء تسليط الأضواء على عدد من الأفلام الأردنية، المختارة أو غير المختارة، فنحن إزاء ما أنتجه الأردن في سنوات أخيرة في دائرة إنتاجية متداخلة ومتشابكة، تسمح للأردن بأن يتواجد على الساحة العربية السينمائية، وضمن المجموعة الثانية تقريباً.
من المعلوم أن مصر هي الدولة الأولى عربياً من حيث الإنتاج، ففيها تكتمل دائرة الإنتاج والتسويق. المغرب استطاع أن يرفع معدل إنتاجه ويصبح متضرراً أيضاً، ولكن على مستوى الإنتاج فقط وليس التوزيع. هناك دول أخرى يصل معدل إنتاجها إلى فيلمين في السنة الواحدة وأحياناً فليم واحد مثل سورية والعراق وتونس والجزائر ولبنان وفلسطين، واستطاع الأردن أن يدخل باحتشام في هذه الدائرة، خصوصاً على مستوى إنتاج الأفلام القصيرة الوثائقية في العام 2012.
صدر الكتاب العام 2012 مشتركاً بين وزارة الثقافة الأردنية ودار فضاءات، وفي حجم متوسط وبعدد صفحات يصل إلى 400 صفحة. يتضمن الغلاف لوحة مركبة بالصور تحتوي على خمسة أشكال وشريط علوي به عنوان جانبي: «قراءات في أفلام أردنية»، ثم شكل فني، وهو عبارة عن شريط سينما يدور على آلة عرض. والقسم الثالث فاصل بين شكلين، وفي القسم الرابع باب مفتوح تعبيراً عن معنى العتبات، والشكل الخامس كتابة اسم الكاتب والعنوان مع شعار دارَي النشر. بالطبع جاء الغلاف أقرب إلى السواد، وهو ما يتعارض مع معنى البهجة، لكنه غلاف ملفت للنظر، خصوصاً بالنسبة للغلاف الخلفي. المحتويات تسلسلت وفق العناوين التي تجاوز عددها 60 عنواناً، تنوعت بين المقالات النقدية السينمائية وقراءات في كتب ومقابلات صحفية.
من خلال الاستهلال، يرى الناقد أن حركية سينمائية واضحة شهدها الأردن، خصوصاً في ما يتعلق بإبداعات الشباب اعتماداً على الورشات والمعاهد الحديثة التي تتواصل مع بعض المعاهد والكليات في الخارج من ناحية، ومن ناحية أخرى عودة عدد من السينمائيين الأردنيين ممن عملوا في أميركا وأوروبا وغيرها إلى الأردن واستنئاف نشاطهم المحلي، وكل ذلك أسهم في تجديد ورسم معالم متطورة في الإنتاج السينمائي. يذكر المؤلف الكثير من الأسماء والمؤسسات في الاستهلال، ويتوسع بعد ذلك في موضوعات تالية.
يقسم المؤلف كتابه إلى فصول عدة، لكن الفهرس لا يوضح ذلك، ومن الفصول: «رهانات على مستقبل صناعة الأفلام»، و «حوارات في صناعة الأفلام»، و «رحلة مع صناعة الأفلام»، وهنا نلاحظ أن استخدام مصطلح «صناعة» فيه الكثير من التجاوز، وربما تصدّر به العمل في مهد صناعة الأفلام، ذلك أن حضور صناعة السينما يبدو بعيد المنال في بلد مثل الأردن. وبشكل تطبيقي، يؤكد المؤلف على فكرته حول انتعاش وضعية إنتاج الأفلام ويقدم أدلة على ذلك من خلال تسميه الكثير من الأفلام.
من المؤسسات التي دعمت عملية الإنتاج: مؤسسه طيف، وشركة برايم، والمركز العربي، وشركة الرواد، وشركة ألبير حداد، وشركة حكايا، ومؤسسة الشروق، وتعاونية عمّان.
والحق أن السينما في الأردن اعتمدت كثيراً على القطاع الخاص، بما في ذلك إنتاج أوائل الأفلام مثل «صراع في جرش» وفيلم «وطني حبيبي».
أما الجهاز الأهم الذي ساعد على إنتاج الأفلام في الأردن، فهو الهيئة الملكية للأفلام من خلال «بيت السينما»، فهذا الجهاز ينتج الأفلام عن طريق الدعم الجزئي، كما ينظم الورشات والملتقيات والمسابقات السينمائية، وكل ذلك يخدم الاتجاه نحو إنتاج الأفلام.
يمتاز الكتاب ببساطة طرح الأفكار وبلا ادعاء، كما أن اللغة الصحفية السهلة المستدامة تفيد كثيراً في توصيل المعلومات والأفكار، لكن كل ذلك لا يعني الموافقة التامة على منهجية الكتاب، لأن الأفلام المهمة والجيدة تستحق من الناقد اهتماماً أكبر وتركيزاً أكثر، وهو أمر تراوح في حضوره بين المد والجزر. وربما أن الكتابة للصحافة كانت الطابع المسيطر على الأسلوب وطريقة الشرح فضلاً عن سيطرة طابع التعريف بالأفراد أو المؤسسات أو الأنشطة، ولذلك إيجابيات كثيرة ينبغي وضعها في الحسبان.
تتيح فصول الكتاب وما تحتويه من عناوين، التعرف على أفلام كثيرة تعرّض لها المؤلف بالمتابعة والنقد، ومن ذلك: «كابتن أبو رائد» للمخرج أمين مطالقة، و «إعادة خلق» لمحمود المساد، و «الشراكسة» للمخرج محي الدين قندور، و «مدن الترانزيت» لمحمد الحشكي، و «بهية ومحمود» لزيد أبو حمدان، و «عندما كنت ميتاً» لمحمود المساد.
ومن الأفلام الروائية الطويلة التي يتناولها ناجح حسن بالنقد: الفيلم المعروف «الجمعة الأخيرة» للمخرج يحيى العبد الله، و «سمك فوق سطح البحر» لحازم البيطار، بالإضافة إلى أفلام حول مدينة عمّان، وأفلام أخرى حول مدينة القدس. ولقد شكلت الأفلام القصيرة الجزء الرئيسي من الكتاب لارتباطها بعمل الشباب وإقبالهم على صنع الأفلام بتقنية حديثة ومتطورة وبالتعاون مع أطراف متعددة ومتنوعة.
يتعرض الناقد ناجح حسن إلى ما نشره الكاتب محمود الزواوي من كتب حول السينما، خصوصاً خماسيته حول الأفلام الأميركية، كما أن هناك مقالة حول التوسع في بناء القاعات السينمائية بالأردن.
تبدو قراءة الكتاب ممتعة وشيقة، وأقرب إلى الرحلة في المشهد السينمائي بالأردن. لكن الصور المتضمَّنة في الكتاب لم تقدّم أو تؤخّر في المستوى الفني والتقني رغم أهميتها وأهمية أن تكون هناك صور لشخصيات و «بوسترات».
* ناقد وباحث سينمائي في صحيفة «فبراير» الليبية