عبد الوهاب الملوح *
كأس أخيرةٌ؛
قبل أن تكنسَ الرِّيحُ قهقهاتنا ,
تُلقي بنا في شركِ المسافةِ …
قبل أن تهزمنا قاماتُنا بظلالها العالية ِ …
قبلَ هبوطنا الاضطراري من شرفة
في قصيدةٍ لم تكتملْ.
قبل تونس بعد العلم
لم نَعِدْ أحد ًا بشيء ٍ
مشدودين إلى ما بعدنا
إلى ما قبلنا
إلى ما غيرنا
إلى ما هنا
إلى ماليس هنا
لن يشفعَ لنا الدمُ
مذ قبلنا الدخول إلى مجلس العزاء الأخير للبلدْ..
وحدها امرأة آخر الليل
تعرف ؛
كيف تدرِّب الموجُ على ترتيب شؤون البرزخ!
تنزعُ عن الليلِ عباءةَ الوهم
وتتفاوض مع البحر بشأننا ..
كأس أخيرةٌ ؛
لكي ننقذَ الملائكة من موتها المؤجل عند قعر الكؤوس
نَعْثُرُ على مَمَرَّاتٍ فِي أَسْمَائِنَا تُؤَدِّي إِلَيْنا
نتصالح مع التفَّاح لنُعيد الخطيئة مرات أخرى
كما أخلفنا مواعيد ولادتنا
كل مرة ..
نتدرَّبُ على الحلم وَنَفْشَلُ فِيهِ
كأس أخيرة؛
ثم
نمدُّ خطانا شوارع تُعيدُ النظر في حصّة الأرصفة
من فاكهة الانتظار
وحصتها من دم الوردة
سوف يحتاج الوقت إلى حماقاتنا
وحكمة العشاق الممسوسين بداء الأمل ِ
يصعدون أعالي الشجن
خلف نسَّاجة الضوء
تلك هي أحزاننا المسنة تعافت من عفن فاكهة الحلم
لم تخرج السماء مع أهل الكهف
غير إنها بالكاد تظهر بين أعلام سوداء؛
هي الحرب في عامها قبل الأوَّل
تدشّن بنا الأزمنة القوطية الجديدة
مازال الوقت مبكَّرا للخروج من صرخة إدوارد مينش
بإمكان نسَّاجة الضوء
أن تحرّرنا
من أشباهنا
من أشيائنا
من أشلائنا الممزّقة كأصداء آبار السلالم ؛
كنباتات اللبلاب المتيبسة تجرج جدران الروح .
كأس أخرى ؛
ما من قمر من أجلِنا ؛
سَنَرى المرآة شَيْبَتَنَا
تَرَكَتْنَا نَسَّاجَةُ الضَّوْءِ
على كَرَاسِي الرِّيحِ
تُوقِدُ هُتَافَاتنَا شُمُوعًا في حُشُودْ الظَّلاَمِ
هؤُلاءِ هم أُولئِكَ أَحْفَادُ تيمورلينك
يعودون بصفات الغبار
سوف تكفي فسحة أخرى من الوقت
كيما نتمرد على صورة العاشق عند إليوت
فسحة أخرى من الوقت
كيما نعيد لغيمة لعبتها العاجية
ونردها حيث كانت تنتظرنا
أيها القادمون من ألليل
نحن قادمون من الضوء
شاعر من تونس
* شاعر من تونس
(القدس العربي )