باولو كويلو
“هكذا يمكننا التمييز بين الأشرار والطيبين.. فهذا الخباز قادر على إنفاق عشر قطع ذهبية على وليمة لي كوني مشهوراً لكنه يعجز عن منح متسول جائع كسرة خبز”
منح ما نملكه
وصل رجل حكيم إلى مدينة أكبر في الهند، فلم يعره الناس اهتماماً يذكر، ورغم تمكنه جمع قلة من الشباب حوله، إلا أن المواطنين المتبقين، مضوا يسخرون من أعماله. وبينما كان يسير إلى جانب بعض مريديه، عبر الشارع الرئيسي في المدينة، بدأت مجموعة من الرجال والنساء، في توجيه الإهانات إليه، وبدلاً من التظاهر بأنه غافل عن ما يجري، أغدق في الدعاء لهم. وعندما انفض الناس وتركوه ومريديه لشأنهم، قال له أحد المريدين: “يقولون أموراً رهيبة، وأنت تجيبهم بكلمات جميلة”. فأجابه الرجل الحكيم: “كل منا بإمكانه أن يعطي ما يملكه فقط”.
ما الترف الأعظم؟
كان يعيش بالقرب من دير إيباك، صوفي حكيم. وهذا الصوفي كان رجل أعمال ناجحاً، تمكن من مراكمة ثروة هائلة. وفي أحد الأيام، رأى أحد زوار الدير ما ترتب على أعمال إعادة ترميم المعبد، من نفقة باهظة، فقال بصوت عال: “انظروا كيف تصبح مسارات الحكمة، الطريق إلى الوهم. وجدت شخصا يقول إنه يعمل في سبيل البحث عن الحقيقة، لكنه مع ذلك غني جدا!”.
وصلت هذه الكلمات، مسمع الرجل الحكيم. وعندما سئل عن ما لديه ليقوله لهذا الرجل، رد: “اعتقدت أن لدي كل شيء.. وتبين لي الآن، أنني كنت أفتقر إلى شيء ما. كما بت أدرك أنني فعلا، رجل غني لأنني تمكنت من الحصول على أقصى أشكال الترف تطورا وروعة”. فأراد واحد من أتباعه معرفة ماهية ذاك الترف، فسأله: “وما هو أعظم أشكاله تطورا وروعة؟”. وحينها، أجابه: “رؤية من يحسدك”.
وقت القرار
وصل بائع إبل، قرية يبتغي أن بيع فيها جماله الرائعة، بأسعار ممتازة. فاشترى سكانها تلك الإبل لديه، باستثناء السيد هوسيب. وفي وقت لاحق، زار القرية بائع ثان، يملك أيضا، جمالا رائعة، لكن أسعارها كانت مرتفعة كثيرا. وفي هذه المرة اشترى هوسيب بعضاً منها.
فانتقده أصدقاؤه، وقالوا له: “امتنعت عن شراء الجمال التي كانت مجانية تقريبا، والآن تقوم بشراء غيرها، بضعف الثمن؟”. فشرح دوافع تصرفه: “تلك الجمال الرخيصة كانت مرتفعة الثمن عندئذ، لأنني في تلك الفترة لم أكن أملك إلا قليلا من المال، وهذه، وربما تبدو أكثر غلاء، هي بالنسبة لي، أرخص ثمنا، لأنني أملك أكثر من ما يكفي لشرائها”.
بين الصالح والطالح
أراد خباز أن يلتقي “أويس” الذي كان قد ذهب متنكرا بثوب متسول إلى مخبزه. تناول كسرة خبز وبدأ بأكلها. فضربه الأول، وطرده إلى الشارع. وحينذاك، قال أحد أتباع أويس، الذي تصادف وصوله إلى المكان، للخباز: “هل أنت مجنون! ألا تعي أنك طردت لتوك المعلم الذي أردت لقياه؟”.
توجه الخباز، نادما على فعلته، إلى الشارع. وسأل أويس عن ما يمكن فعله كي يسامحه على فعلته، فطلب الأخير منه، أن يدعوه وأتباعه لتناول الطعام.
وفور ذاك، اصطحبه الخباز إلى أحد المطاعم الرائعة، وبادر في طلب الأطباق الأغلى ثمنا. ولحظتذاك، خاطب “أويس” أتباعه على طاولة الغداء: “هكذا يمكننا أن نميز بين الأشرار والطيبين، فهذا الخباز قادر على إنفاق عشر قطع ذهبية على وليمة لأنني مشهور، لكنه غير قادر على منح متسول جائع كسرة خبز لإطعامه”.