السينما السورية.. مكاشفات بلا أقنعة

السينما السورية.. مكاشفات بلا أقنعة

فيصل خرتش *


يستعرض كتاب “السينما السورية.. مكاشفات بلا أقنعة”، لمؤلفه صلاح دهني، في مستهل أبحاثه، تاريخ وحيثيات إنشاء مؤسسة السينما في سوريا، مبينا أنه بعد قيام الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958، أحدثت دائرة صغيرة للسينما والتصوير، تولى هو نفسه، إدارتها بصفة متعاقد، وذلك بعد سبعة أشهر من خروجه من السجن السياسي.

ونشطت هذه الدائرة، فجُهزت بكاميرا “أريفكس”، تلتها طاولة مونتاج، وانطلقت في تصوير الأفلام الوثائقية عن المدن والآثار والطبيعة والناس، في أرجاء البلاد. ومن هنا ولدت فكرة إحداث مؤسسة عامّة للسينما في وزارة الثقافة، فباتت حقيقة واقعة ذات استقلال مالي وإداري، تقوم بإنتاج الأفلام القصيرة والطويلة، وتسعى إلى نشر الثقافة السينمائية، وإلى تأسيس النوادي وإحداث المعاهد.

ويوضح دهني أنه أنتج التلفزيون العربي السوري، في تلك المرحلة، الاسكتش الكوميدي “عقد اللولو”، من بطولة دريد لحام (أستاذ مادة الفيزياء السابق في ثانويات دمشق)، ونهاد قلعي (مدير المسرح القومي سابقا). وينتقل إلى التأكيد على أن الإحصاءات تشير، إلى أنّ عدد دور السينما في دمشق، في بداية السبعينيات من القرن الفائت، كان 25 داراً، وفي حلب 24 داراً.

ومجموع ما كان يوجد منها في سوريا كلها، 103 دور، تحتوي على 58167 مقعداً. ومن ثم جاء المرسوم الصادر في 11- 11 – 1969، الذي حصر استيراد الأفلام وتوزيعها بالمؤسسة العامّة للسينما.

وما ان مرّت الشهور الأولى، حتى بدأت كوادر العمل الإداري تكتمل. ويلفت دهني إلى انه في مرحلة التأسيس، ركزت المؤسسة عملها على إنتاج الأفلام القصيرة، بهدف زيادة خبرة الفنيين الشبان العاملين فيها. وكان من بين أوّل الشروط التي كانت تفرض على كل مخرج، إنجاز ثلاثة أفلام قصيرة، قبل أن تتيح له المؤسسة الدخول في تحقيق فيلم طويل. وعانت الأفلام القصيرة من مشكلة تسويق الفيلم القصير.

كان لا بدّ من التفكير، بعد هذا، حسب دهني، وعقب العدد الكبير من الأفلام الوثائقية والقصيرة، بأعمال روائية.. فكان أن أقدم المخرج محمد شاهين على تصوير فيلم طويل بعنوان “زهرة في المدينة “، غير أن هذا العمل لم ير النور إطلاقاً. ثم أنتج في عام 1968، الفيلم الطويل “سائق الشاحنة”، من بطولة خالد تاجا. والفيلم، بالرغم من بنائه السليم مهنياً، لم يلب كل ما كانت المؤسسة ترجو من إنتاجه، إذ لم يلق في سوق الفيلم، النجاح الذي كانت تتطلع إليه، ولم يضع قدماً على أرض مساحة أوسع في عالم السينما.

وكلف ثلاثة مخرجين، إثرها، هم: مروان مؤذن ونبيل المالح ومحمد شاهين، بإخراج فيلم “رجال تحت الشمس”. وعمل على الفيلم في عام 1970، ثم أرسل إلى مهرجان قرطاج السينمائي، وجاءت المفاجأة حين أعلن أنه أحرز الجائزة الثانية في المهرجان، حينذاك، فدبت روح جديدة في المؤسسة. وباشرت العمل في فيلمها الطويل “السكين”، عن قصة للكاتب غسان كنفاني، ومن إخراج خالد حمّادة.

وذلك في عام 1971م. وبشّر الفيلم بمعالجته للقصة التجريبية. ومن ثم استقدمت المؤسسة، المخرج المصري توفيق صالح، الذي أنجز لحسابها، فيلم “المخدوعون”، وهو أيضاً اقتباس عن رواية أخرى للكاتب غسان كنفاني، ومثّل الفيلم، سوريا، في مهرجان كان السينمائي عام 1972. وعاد فعرض في مهرجان قرطاج السينمائي، وهناك انتزع الجائزة الأولى، وبيع إلى أكثر من دولة.

ويحدد دهني بدايات إنتاج المؤسسة، مع فيلم ” الفهد “، عن رواية حيدر حيدر، ومن إخراج نبيل المالح. وقفز الإنتاج في عام 1974 إلى ستة أفلام، إذ حققها كل من: محمد شاهين، بلال الصابوني، نبيل المالح. وهناك فيلم تولّى إخراجه برهان علوية، بعنوان “كفر قاسم”، وفيلم وثائقي من إخراج عمر أميرالاي “الحياة اليومية في قرية سورية”. ولكن الغريب هو أن نرى إنتاج المؤسسة هبط في السنة التالية، إلى فيلم واحد فقط.

وظل الإنتاج يراوح مكانه، وحتى الإنتاج المحلي الناجح لم يلق صدى لـه من الجمهور، ولم يكن يعرض حتى في التلفزيون المحلي، ليغطي جزءاً من نفقات الإنتاج، حتى إذا أنتج فيلم من إخراج بعض المبدعين، من أمثال: محمد ملص أو ريمون بطرس أو عبد اللطيف عبد الحميد أو سمير ذكرى. ويختم المؤلف مشددا على انه، وعلى الأغلب، ينزوي الفيلم في إحدى الخزائن في المؤسسة، لتعود الخلافات حوله ثانية، حين يتقرر عرضه في مهرجان ما، في بلاد العرب أو غيرها.

الكتاب: السينما السورية “مكاشفات بلا أقنعة”

تأليف: صلاح دهني

الناشر: اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 2011

الصفحات: 120 صفحة

القطع: المتوسط

( البيان )

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *