بنية القصيدة الطويلة في ديوان ” سكر الوقت ”



كمال عبد الرحمن النعيمي *

(  ثقافات  )

 

الانسان ابن بيئته،وهذه البيئة هي مزيج من الأحاسيس والانفعالات والتجارب الشعورية المختلفة(1) التي يعايشها الشعر قبل غيره لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة، ومن يطلع على التجارب الشعرية العربية في مختلف الأزمنة، يجد شعر هذا العصر هو أكثر أنواع الشعر تأزما في كل المراحل البشرية السابقة،ومن شدة ضيق الحياة في زمننا هذا،يكاد كل شيء يختنق حتى الشعر الذي له ميزة الأبدية والخلود،فانه يعيش أصعب أزمانه في هذا العصر،ونحن نتبنى الرأي القائل ما من قصيدة عظيمة الاّ وكتبت لغاية عظيمة،وقد يكون رأينا هذا لايطابق بعض القصائد الفذة،وقد يختلف معنا في الرأي قليل او كثير ولكن الحقيقة واضحة. لا نص عظيم بدون ألم عظيم كما يقول أدونيس(2) ونرى أن الشاعر العربي يتعامل مع الاحداث وتأزماتها وخطوراتها بإحدى الطريقتين أو كلتيهما:
الأولى: أن يفرغ غضبه وتأزمه واحتراقه الوجداني في مجموعة من القصائد القصيرة أو القصيرة جدا(3) وهذه الطريقة لا تفي ولاتكفي لتفريغ ما في الجعبة من أشجان وتأزمات انسانية(درامية).
الثانية: وهكذا يأتي دور القصيدة الطويلة التي تفتح ذراعيها لضخامة الأزمة وتعقداتها وكثرة تفاصيلها(4)
إن القصيدة الطويلة،هي الإطار المناسب لضخامة التجربة الشعرية الجديدة،بكل ما يكتنفهامن أحاسيس بيئية ووجدانية مختلطة، ولأن هذه القصيدة،لم تكن محض انفعال بالأحداث والهزات التي تواجه الشاعر الحديث، وإنما هي رؤيا شعرية،تلخص موقفا شموليا إزاء الكون والحياة(5)،بكل مفرداتها وظواهرها المتسقة أو المتصارعة التي تزج الشاعر في جدليات لاحدود لها،مثل ظاهرة الزمن ( الأحساس به أو موته) وثنائية الحياة والموت،وإشكالية الجنس والدين، والموقف من المدينة، بوصفها صدمة حضارية تواجه الشاعر العربي الحديث(6)،لكل هذه المعطيات الجديدة أفسحت للقصيدة الطويلة مجالا رحبا وخصبا في الوقت نفسه.
((والحق أن القصيدة الطويلة،هي الكشف الحقيقي في ميدان الشعر العربي الحديث عامة، والاضافة الجديرة بمزيد من الاهتمام في وقتنا الحاضر))(7)
اعتمد الشاعر ابراهيم في عدد من دواوينه الشعرية على اسلوب تشكيلي جديد هو (الديوان ـ القصيدة) ومن ذلك ديوانه( الطريق إلى رأس التل) الذي تشكل من قصيدة واحدة طويلة جدا،وكذلك ديوانه الشعري(سكر الوقت) ،ويمكن ملاحظة أن ديوانه هذا ينبني من العناصر الآتية:
** الثنائيات الضدية
** التكثيف
** المفارقة
** التناص
الثنائيات الضدية
ان اشتغال الشاعر ابراهيم محمد ابراهيم داخل اللغة بالغ الاهمية ،إذ((استطاع ان يشق لنفسه لغة خاصة))(8) والمتتبع لشعره سيلاحظ العلاقات التي يقيمها بين ألفاظه، وهي علاقات تحتاج الوقوف عندها،حيث تكتنز قصيدته الطويلة(سكر الوقت) بالضديات التي تصنع الدراما في القصيدة الطويلة،وفي قصيدته هذه تتضاد الثنائيات لتلتقي وتثير شهوة القراءة(9) وبهذا يتحقق التماس والتداخل والتنافر بين الشيء وضده،فمن تداخل وتنافر الليل والنهار يولد الفجر الذي هو ليس ليلا ولا نهارا(10)
وحين يقول كوهين إن (( الشعر يولد من المنافرة))(11) فإن المنافرة والضديات لها القدرة على صناعة نوع من الدراما المتطورة في النص،حتى يصل تأثيره إلى صناعة الايقاع الداخلي للقصيدة وهي ـ المنافرة ـ شرط من شروط توفر هذا الايقاع:
(( عجبت لصبرك يا فقمة
لاتموت من الحر
وهي ترضع الثلج)) الديوان ـ ص45
وأيضا:
(( هجير الجزيرة
يغزو بلاد الفرنجة،
لولا القليل من المطر المتكاسل
لأحترق الألب
والزرع أمسى هشيما)) الديوان ـص35
ونقرأ:
(( تذكرت شاي بلادي..
مرارته حلوة،
تلمس الروح..
تلك المرارة،
توقظ كل الحواس
وتطلقها في البلاد..)) الديوان ـ ص9 ص10
الراصد والمدقق لمفردات(سكر الوقت) سيستنتج ان القصيدة تتركب من أربع تضادات أو نوعين من التضادات الثنائية، النوع الاول(الحر/ البرد) والثاني(الحلو/ المر)، وتعد بنية التضاد إحدى البنى الاسلوبية،التي تغني النص الشعري بالتوتر والعمق والاثارة(12) وتقوم هذه البنية على الجدل(الديالكتيك) الذي يعني وجود حالة تناقض وصراع وتقابل بين أطراف الصورة الشعرية،وغالبا ما تكون الثنائيات الضدية،هي العنصر الأكثر أهمية بين مكونات النص الشعري،حيث سعى الشاعر الحديث إلى ((مزج المتناقضات في كيان واحد يعانق في إطاره الشيء بنقيضه،ويمتزج به مستمدا منه بعض خصائصه ومضيفا عليه بعض سماته،تعبيرا عن الحالات النفسية والأحاسيس الغامضة التي تتعانق فيها المشاعر المتضادة))(13).
إن التضاد يحدث تحولا عميقا في بنية النص في شعر ابراهيم محمد ابراهيم،إذ يشحنه بالحركة التي تستوعب في صلبها مفارقات الحياة،وكل ما فيه يوحي بحركة الجدل التي تعتمل بالواقع،إن النص الذي يتنامى من خلال مايحمله من تناقضات،هو النص القادر على بلوغ مرحلة الأداء الدرامي،إذ يبقى الموقف الدرامي للنص الشعري هو الأكثر شعرية والأهم:
(( هكذا تكسب الأصدقاء هنا
والكلاب
وود الحمام
والنهر
والغيم
والشمس..
حتى ترى اليوم أقصر
في الصيف.)) الديوان ـ 16
يشتغل الشاعر ابرهيم في اغلب مفاصل قصيدته هذا على اجراء مقارنات ضدية، بين واقعين،الاول الفضاء المكاني (الاصل:حر+صيوف طويلة ثقيلة+ صحراء أنهكها الجدب+ شمس لاتكاد تغيب حتى في الليل لشدة حرارتها)والثاني الفضاء الاخر(المؤقت:برد وثلوج+صيف دافىء قصير+ أنهار وبحيرات لا حصر لها+ شمس خجولة يشتاقها المرء حتى في الصيف لفرط رقتها وعذوبتها)،لذلك يختصر الشاعر القصيدة كلها بخاتمة من الضديات التي تسجل له إبداعه وتميزه في تشكيل البنية الإبداعية لهذه القصيدة:
(( الفرنجة
من كل حدب
بهذا الصباح
ينهمرون على مطعم الفندق
المستفيق من النوم توا..
ترى
كل هذي الجنادب
كانت تنام على الجوع مثلي؟
صباح الجياع إذن
طاب يوم الجنادب
تلك التي لا تحب المطر.)) الديوان ـ ص86 ص87
التكثيف
إن النص الأدبي ،هو كيان لغوي قائم على الانزياح الذي يمنح المفردات حياة جديدة من المعاني والدلالات، بعيدا عن حدودها الضيقة داخل معاجم اللغة، فلغة الشعر مخالفة للغة أي جنس كتابي آخر.
واللغة داخل النص الشعري قائمة على الاختزال والتكثيف وهي أكثر قدرة على البث الشعري في إطار بنيته الجديدة(14)، واللغة الشعرية هي لغة مجاز ،أو مجموعة من المجازات والاستعارات البلاغية، وباختصار هي لغة منزاحة،والشعر هو(لغة داخل لغة)(15)،كما أن الشاعر مطالب بلغة مبتكرة،وهذا ليس معناه ابتكار دلالات لغوية جديدة غير واردة في المعاجم،الاّ ان الابتكار يكون في التشكيل المميز للدالات( ويعد الخطاب الشعري ـ خلق لغة من لغة)(16).
يبدو التكثيف واضحا في قصيدة سكر الوقت التي شكلها التركيز(التكثيف) اللغوي بمهارة عالية،وأول التكثيف الاقتصاد باللغة،وتركيب المفردات تركيبا مزجيا،بلا حشو ولا زوائد في ثنايا النص،بل يصل التكثيف أحيانا إلى تشكيل جملة ذات ايحاء عظيم بكلمتين فقط:
إنهم نائمون
ويمشون
ولا يتوقف التكثيف عند هذا الحد،بل يكون مشكلا معنى كبيرا من مفردة واحدة ذات مغزى ايحائي كبير:
((قرية))
((قرية))
ويشتغل التكثيف في هذا (الديوان ـ القصيدة) على المعطيات الآتية:
أولا: الأسئلة: تكاد قصيدة الشاعر ابراهيم في هذا الديوان وشعره كله أن يقوم على الأسئلة،ليس من أجل أن يقال أن هذه القصيدة أو تلك مملوءة بالأسئلة، بل لأن الشاعر المبدع ابراهيم محمد ابراهيم له القدرة على تصنيع نص إبداعي يقوم على المساءلة عن طريق الأسئلة:
((تراهُ الشتاء تقدم..؟
أم
أنه الصيف
آثر
ألا يبالغ في حرق هذي العصافير
وهي تعمر أعشاشها..؟
لايهم
فسكرتي
تتجلى بكل الأماكن
تملأ هذا الوجود حلاوتها..
مسرح الخلق ينبض شعرا
لقد صار للآن معنى..
أجل
إنني الآن بذرة هذا الوجود
ومرآته..)) الديون ـ ص50 ص51
ثانيا: الأحساس بالزمن:ان المنطق السرد ــ شعري هو الذي يتحكم في صياغة زمنية النص السير ذاتي الشعري،اذ لايوجد الزمن الشعري إلا في شكل نسق أو نظام ترتيب الزمن الواقعي على وفق رؤية آنية،وعلى وفق كيفيات استخدامية النص يكون للغة دورها في رسم هذه الزمنية بعد أن تغادر شكلها الوجودي التجريبي وتدخل انساق خاصة يبنيها المؤلف عبر رؤية شعرية خاصة((تنتمي إلى العالم المتمثل في العمل، والتي ترد هي الأخرى في تسلسل ما،متوقف في النهاية على بناء وسياق الجمل المتضمنة في العمل الأدبي،وهو ما يشكل زمنا باطنيا خاصا بالعمل،ويكون مقدما في اختزالات منظورية،ويحوي فواصل زمنية معينة،وعندما يتعين الزمن وتملأ فواصله فأنه يظهر بوصفه كلا منغلقا على ذاته،وله ديناميته الخاصة(17):
(( ساعة الأربعاء تدق
كأفئدة الراحلين
كأحذية القادمين
وكلي صمت..
توقفت بين الوداع
بين اللقاء
على برزخ الوقت
أشرعت نافذتين
لعيني
والذاكرة
إنها ساعة الأربعاء المراوغ
واللحظة الماكرة.)) الديوان ـص30 ص31
ثالثا: موت الزمن: تشتغل الوقفة الوصفية على تعطيل الزمن، ويمكن أن يموت الزمن نفسيا في حالات التأزم البشري القصوى،حيث يتثاقل الوقت تدريجيا،مما يجعل الناص يختفي بكل مشروعه الشعري الداخل في هذا النوع من الزمن،ويذوب في اللاوقت ـ أي الشعور باللاوقت ـ مع أن الوقت موجود فعلا ولكن الناص لايشعر به فضاء سرديا وجزءا لاينفصم من تشكيل القصيدة:
(( تعلمك السير نحو الأعالي
وبين الغيوم
كوعل الجبال
لتغرز قرنيك في الحلم
تدخل فيه
تعايشه
تغير فيه
تنقحه
تدخل في غيره
وتزاوج ما بين حلمين
تختار ثالثهما
ثم تغفو
على رابع..))الديوان ـ ص64 ص65
المفارقة
لقد صدق غوته عندما وصف المفارقة بأنها))ذرة الملح التي وحدها تجعل الطعام مقبول المذاق)) لذلك لايمكن تصور المفارقة على انها((ليست إلا ومضات تتشكل في التناقض العفوي من حالات تضادية يراد بها الإدهاش وحسب)) (18) بل هي وعي كتابي خاص يتحول الى ابتكارله القدرة على تقديم تشكيلات(صورة/لغوية) تصل احيانا الى حد الصدمة الفكرية لدى المتلقي (19)،وينطوي فكر المفارقة على ((تفاعل جدلي دائم بين الحقيقة والذاتية،وبين الحرية والضرورة،بين مظهر الحياة وحقيقة الفن،بين وجود المؤلف في كل جزء من عمله عنصرا مبدعا منعشا وبين ارتفاعه فوق عمله بوصفه (المتقدم) الموضوعي))(20)كما تحصل المفارقة نتيجة لتوفر بعض الأمور مثل التضاد والثنائيات اللغوية،وهذه الثنائيات هي بصورة ما معطى لغوي،حمل دلالات في الموقف والمضمون،لذا فإن هذه الثنائيات قد تضحكنا من جهة،لكنها تنغرز في جدران أرواحنا تحريضا من جهة أخرى(21):
(( نام أهل المدينة
والتحفوا صمتهم
بعد صمت طويل،
تغيب به الشمس
بعد عناء طويل،
تغيب به الروح عن وعيها..

أنت لست ترى في الشوارع
غير العيون،
تحدق فيك
ولكنها لا تراك.

انهم نائمون
يسوقهم التعب المتراكم
قبل المغيب
إلى حيث لايسكنون..)) الديوان ـ ص11 ص12
وتتميز هذه التقانة في جملة واحدة أو كلمة واحدة في بعض الأحيان على النحو الذي يجعل من النص فكرة أكثر حساسية وخصابة وثراء لدفع المتلقي إلى التعجب والاستنكار والاستغراب(22):
تحدق فيك
ولكنها لاتراك
وأيضا:
يسوقهم
إلى حيث
لايسكنون
وتشتغل أغلب مفاصل آليات النص(الديوان) على المفارقة بأنواعها،ومنها:
مفارقة العنوان: حيث تعد عتبة العنوان(سكر الوقت) ليس اكثر من مفارقة نفسية تجسد حلم زمني(ان يتحول الكثير من الزمن العربي المر الى وقت حلو يتجسد في مخيلة الشاعر على وفق سلسلة من الآمال الكبيرة التي تحول بمعجزة ما زمننا هذا المر الى سكر).
وتعد عتبة العنوان اول مداخل النص اذ يعمل العنوان((على بلورة موضوعيته وتحديد رؤيتها وترميز دلالتها في مفردة او عبارة ذات اجزاء الفاظ مفردة تتعاقب لأداء وظيفة تأسيس( وجهة نظر) من التركيب العام للنص))(23) من هنا فالعنوان اشكالية مهمة وخطيرة..لما لها من حضور تشكيلي وسيميائي يسهم في تكامل العمل لذا تعددت اساليب الادباء في الشغل على هذه العتبة(24)
المفارقة الدرامية: ويستدعي هذا النوع من المفارقة توافر عدد من العناصر في العمل، اهمها:(التوتر):
(( اغلقت شباك بؤسي
ونمت قليلا
فايقظني الحرّ ..
حتى كرهت الشبابيك
والنوم
والصيف..)) الديوان ص38
المفارقة اللفظية: وهي خط كلامي،أو طريقة من طرائق التعبي ريكون المعنى المقصود منها مناقضا أو مخالفا للمعنى الظاهر(25) ولعل عقدة المفارقة وجماليتها تتجلى في كونها تحمل مدلولين لدال واحد الأول حرفي ظاهري وجلي والثاني موحى به خفي،والمفارقة اللفظية تشتمل على علامة توجه انتباه المخاطب نحو التفسير السليم للقول،لذلك فإن حل شفرة المفارقة يستلزم مهارة خاصة لفهم العلامة،وهي مهارة ثقافية وآيدلوجية،يشارك فيها المتكلم والمخاطب(26):
(( سأحاول أن أتعلم
درس البساطة منهم
مساء البساطة
قلت لسيدة
كلبها مثلها
لايسيء إلى أحد..
كم جميل هو الكلب سيدتي قالت
فابتسمت..
سيدي..
أنت اجمل يا سيدي
وابتسمت)) الديوان ص14 ص15
وإلى هنا نتجاوز عددا من انواع المفارقات اختصارا وإيجازا ومنها(مفارقة المفاجأة) و(مفارقة السخرية) و(مفارقة التضاد) و(مفارقة الموقف) و(مفارقة التنافر البسيط) و(مفارقة الأحداث)و(مفارقة خداع النفس) ومفارقات اخرى استغنينا عنها تناسبا مع الحيز المتاح للمفارقة في دراستنا هذه.
التناص
لا شك ان التناص هو اليوم((بمثابة اداة مفهومية بقدر ما هو علامة،رواق ايبستمولوجي يشير الى موقف والى حقل مرجعي،والى اختيار رهانات))(27).
ان التناص تعالق بين النص ونصوص سابقة،فالبحث يثري في نقطة مدى التعالق والتفاعل بينهما،وبتعبير آخر نوعية العلاقة التي تحققت بين النص والنصوص السابقة،هذا ما تناوله عمر أوغان بقوله((يمثل التناص تبادلا، حوارا ،رباطا، اتحادا،تفاعلا بين نصين أو عدة نصوص، في النص تلتقي عدة نصوص،تتصارع،يبطل أحدهما مفعول الاخر ،تتساكن،تلتحم، تتعانق،إذ ينجح في استيعابه للنصوص الأخرى وتدميرها في ذات الوقت،انه اثبات ونفي وتركيب))(28)،ولا يلغي التناص التفرد في شيء بما أنه إنتاج،وفي طرق(التفاعل النصي) يتنج الابداع أيضا خاصة عند درجات الامتصاص(29)كما يحتاج النص الإبداعي إلى زوايا نظر وقراءات متعددة،تحاول أن تقبض على دلالاته(( والكتابة لاتحدث بشكل معزول أو فردي ولكنها نتاج لتفاعل ممتد لعدد لايحصى من النصوص المخزونة في باطن المبدع ويتمخض عن هذه النصوص جنين نشأ في ذهن الشاعر ويتولد عنه العمل الابداعي الذي هو النص))(30)
ومن المعروف أن أول من سجل مصطلح التناص هي الباحثة (جوليا كريستيفا) التي عمقت الميراث النظري الذي تركه(باختين)(31) باستبدال مصطلح الحوار بالتناص.
والتناص((مفتاح لقراءة النص،لفهمه وتحليله،لتفكيكه وإعادة تركيبه،ولمعرفة كيف تم انتاج الخطاب))(32)
إن التناص واضح في قصيدة ( سكر الوقت)،وهو ـ أي التناص ـ فائدة لصالح النص لما تحتويه ذاكرة ابراهيم محمد ابراهيم ومخيلته وثقافته من اتساع في استعمال المفردات المتناصة مع آيات قرانية أو أحداث تاريخية أو مرجعيات تراثية أخرى:
**((يارب
هب لي عيونا ترى
حين أغفو
لأكمل حلمي
وأختمه
مثلما ينبغي)) الديوان ص58
= تناص قرآني =
**(( رب هب لي من الغيم قلبا
تصلي به الكائنات
ويبكي إذا ما بكى فرحا
يبهج الأرض
ينبت فيها الطفولة
والورد)) الديوان ص56
= تناص قرآني =

**فسبحان ربك
رب الغيوم
ورب الجمال
ورب الصنوبر
هل بعد هذا التألق
في مسرح الخلق كفر..؟)) الديوان ص55
= تناص ديني=
وختاما نقول إن تجربة الشاعر المبدع ابراهيم محمد ابراهيم،هي تجربة راسخة وغنية،وتدل على وعيه العالي بضرورة الإفادة من معطيات فن الدراما،وهو يقف بجدارة في طليعة شعراء الحداثة الباحثين دائما عن التجريب في اللغة وتشكيلها في بنية النص الشعري،لتتحول من لغة تعبير إلى لغة خلق وإبداع ،من لغة تنقل الطبيعة إلى لغة تعيد خلق الطبيعة،اللغة تتجاوز الحدود الضيقة لديه لتشير إلى أكثر مما تقول.
إن شعر ابراهيم محمد ابراهيم سهل الكتابة.. صعب القراءة .. والكتابة النقدية عنه أصعب من ذلك بكثير !

* ناقد من العراق
 

 

هوامش والأحالات
بنية القصيدة في شعر عز الدين المناصرة،د.فيصل القصيري:35
شعرية الحدث النثري،محمد العباس :13
الشعر بين نقاد ثلاثة(اليوت،ماكليش،رتشاردز) مقالات في النقد الادبي :56
مملكة الغجر ، علي جعفر العلاق:120
بنية القصيدة في شعر عز الدين المناصرة:35
اتجاهات الشعر العربي المعاصر،احسان عباس:11
الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية،د.عز الدين اسماعيل:27
م.ن:182
شعر ادونيس ، البنية والدلالة،راوية يحياوي:49
جدلية الانسنة والشيئنة في قصة (ابونا) كمال عبد الرحمن النعيمي، جريدة المدى،آذار،2011
بنية اللغة الشعرية ،جون كوهين:129
بنية القصيدة في شعر عز الدين المناصرة :145
عن بناء القصيدة العربية الحديثة،د.علي عشري زايد:184
في معرفة النص، يمنى العيد:105، وانظر: أزمة القصيدة العربية،عبد العزيز المقالح:85
النقد والحداثة،عبد السلام المسدي :57
م.ن: 57
الزمن الروائي،ابراهيم جنداري جمعة،مجلة الموقف الادبي:77
وعي تأسيس المفارقة ،كمال عبد الرحمن النعيمي،جريدة القادسية:6
م.ن:6
المفارقة:سي ميوميك، ت: عبد الواحد لؤلؤة:122
القصة القصيرة جدا،احمد جاسم الحسين:44
م.ن:44
ثريا النص(مدخل لدراسة العنوان القصصي):محمود عبد الوهاب:10
شعرية المفارقة في (غورنيكا عراقية)،د.محمد جواد البدراني:140
المفارقة ةالادب:د.خالد سليمان:260
شعرية المفارقة في (غورنيكا عراقية):145
في اصول الخطاب النقدي،تودوروف،رولان بارت،امبرتو ايكو،مارك انجينو،ت: احمد المديني:155
لذة النص او مغامرة الكتابة عند بارت، عمر اوغان:29
شعر ادونيس ،راوية يحياوي:183
الخطيئة والتكفير ،عبد الله محمد الغذامي:30
في اصول الخطاب النقدي :98
م.ن:155

المصادر والمراجع

ازمة القصيدة العربية (مشروع تسآؤل) ،عبد العزيز المقالح، دار الاداب،ط1،بيروت،1985
اتجاهات الشعر العربي المعاصر،د. احسان عباس ،سلسلة عالم الفكر، الكويت،1987
بنية اللغة الشعرية،جان كوهين،ت:محمد الولي وزميله،دار توبقال للنشر،الدار البيضاء،ط1، ـ 1986
بنية القصيدة في شعر عز الدين المناصرة،د.فيصل القصيري،وزارة الثقافة ـ عمان ـ الاردن،2006
5.ثريا النص ـ مدخل لدراسة العنوان القصصي ـ محمود عبد الوهاب،سلسلة
الموسوعة الصغيرة(396) دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد،1990
6.الخطيئة والتكفير،عبد الله محمد الغذامي،النادي الادبي والثقافي،المملكة العربية السعودية،1985
7الزمن الروائي، ابراهيم جنداري جمعة،مجلة الموقف الادبي ،دار الشؤون الثقافية العامة،بغداد، العدد 37، لسنة2002
8 شعرية الحدث النثري ، محمد العباس ،ب ت

9 الشعر بين نقاد ثلاثة(اليوت وزميليه)،مقالات في النقد الادبي،اختارها وترجمها وقدم لها:منح الخوري،دار الثقافة،بيروت،1965
10الشعر العربي المعاصر،قضاياه وظواهره الفنية،د. عز الدين اسماعيل،دار العودة ودار الثقافة،بيروت،1966
11.شعر ادونيس ، البنية والدلالة،راوية يحياوي،منشورات اتحاد الكتاب العرب ،سلسلة دراسات(1)،2008
12. شعرية المفارقة في (غورنيكا عراقية)د. محمد جواد البدراني،منشورة ضمن كتاب نقدي مشترك،دار الحوار ،سورية،2011
13.عن بناء القصيدة العربية الحديثة،د. علي عشري زايد،دار الفصحى للطباعة والنشر، القاهرة،1978
14. في معرفة النص،دراسات في النقد الادبي ،د.يمنى العيد،دار الافاق الجديدة،ط1،بيروت،1983
15. في اصول الخطاب النقدي الجديد،تسفتيان تودوروف وآخرون،ترجمة وتقديم: احمد المديني،دار الشؤون الثقافية العامة،بغداد،1987
16. القصة القصيرة جدا،احمد جاسم الحسين،دار عكرمة للطباعة والنشر،دمشق،1997
17. لذة النص او مغامرة الكتابة عند بارت،عمر اوغان،دار افريقيا للنشر،المغرب،1991
18.مملكة الغجر،علي جعفر العلاق،دار الرشيد للنشر ، بغداد،1981
19.النقد والحداثة،عبد السلام المسدي،دار الطليعةللطباعة والنشر،ط1،بيروت،ديسمبر،1983
20.وعي تأسيس المفارقة في (غزالة الصبا)،كمال عبد الرحمن النعيمي،جريدة القادسية،بغداد،8 آذار،لسنة2003

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *