ألا يستحق المفكر طه عبد الرحمن تكريماً؟


عبد الرحيم الخصار *

خلال الأيام القليلة الماضية طالب عدد من النشطاء على «فايسبوك» بتكريم المفكر المغربي طه عبد الرحمان والانتباه إليه، بدل ممارسة هذا النوع المقصود من التهميش والإهمال لأحد أبرز رموز الفكر في المغرب وأحد الأسماء المهمة المساهمة في إثراء النقاش المعرفي، لا سيما الوجودي والمنطقي، في العالمين العربي والإسلامي.
وجاءت هذه المطالبة بعد تعرضه لوعكة صحية صعبة، وخروجه من المستشفى بعد أن أجريت له عملية جراحة في القلب، وذلك في ظل صمت مريب للإعلام الرسمي في البلاد، وطه عبد الرحمان ينتمي إلى تلك الفئة التي لا تولي أهمية لمكبرات الصوت والصورة، هو المعروف أصلا بتصوفه وزهده.
حضور الرجل في القنوات التلفزية المغربية يكاد يكون معدوما، ويبدو أن الإعلام المغربي المرئي قد حسم باكرا مع الفكر والثقافة وأعطى الأولوية للأنشطة السياسية، وخصص ساعات الذروة لوجوه شعبوية تكاد تكون أسوأ الأسماء في تاريخ السياسة المغربية، إضافة إلى انشغاله كمعظم التلفزيونات العربية – بخلق نجوم وهمية في مجال الغناء.
مرض مفكر وحتى موته أمر لا يعني للتلفزيون المغربي أي شيء، وعلى العكس تهتم نشرات الأخبار الرئيسة بأوضاع الرياضيين والممثلين من درجة ثالثة، بينما تغض الطرف عن رجالات الفكر والفلسفة. وليس غريبا على التلفزيون المغربي أن يضع الثقافة في آخر اهتماماته، فالمفكر الكبير محمد عابد الجابري مثلا ظهر مرة واحدة في برنامج تلفزيوني قبل سنوات. هذا التغييب يطال أيضا عددا من الأسماء الكبيرة في تاريخ الفكر الحديث بالمغرب، فالإعلام الرسمي يريد الفكاهة ولا يريد العقل.
ورغم حالته الصحية واصل الاشتغال من داخل المستشفى على كتابه الجديد: «الحوار أفقاً للفكر» الذي سيصدر قريبا، وهو استمرار لمساره المعرفي الذي بناه على فكرة أساسية ترى أن «الأصلَ في تجديد الأمة هو تجديدُ الإنسان، وتجعل الأصلَ في تجديد الإنسان هو تجديدُ الروح». لذلك تركز مختلف أعمال المفكر طه عبد الرحمان على تجديد الداخل الإنساني وتغييره، حتى أنه مع قيام الربيع العربي هنا وهناك رأى أن المهم ليس هو تغيير الحاكم بل تغيير الإنسان فيه.
وقد أصدر منذ بداية السبعينيات عددا من المؤلفات التي تتمحور في غالبيتها حول هذه الفكرة كما تناقش قضايا المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق من بينها: في أصول الحوار وتجديد علم الكلام – العمل الديني وتجديد العقل – سؤال الأخلاق: مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية – الحق العربي في الاختلاف الفلسفي – سؤال العمل: بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم…
يشار إلى أن طه عبد الرحمان من مواليد مدينة الجديدة سنة 1944، درس بالدار البيضاء والرباط وحصل على دكتوراه دولة من جامعة السوربون عن أطروحته «رسالة في الاستدلال الحِجَاجي والطبيعي»، درَّس المنطق وفلسفة اللغة في جامعة محمد الخامس بالرباط منذ 1970 إلى 2005 وهو عضو في «الجمعية العالمية للدراسات الحِجَاجية» وممثلها في المغرب، وعضو في «المركز الأوروبي للحِجَاج»، ورئيس منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين في المغرب. حاز جائزة المغرب للكتاب مرتين، ثم جائزة الإسيسكو في الفكر الإسلامي والفلسفة عام 2006.

 

( السفير )

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *