خريف المرأة العربية


د. غسان عبد الخالق *

هناك من يعتقد أن ما أسفرت عنه الانتخابات التشريعية في أقطار الربيع العربي وغيرها من الأقطار العربية، قد مثل أكبر مقلب للمرأة العربية على الاطلاق! فالمؤشرات الأولية لا تشير إلى تراجع نسبة تمثيل المرأة في المغرب وتونس ومصر والكويت فحسب، بل هي تشير أيضاً إلى أن النسبة القليلة جداً من النساء اللواتي حالفهن الحظ وفزن في الانتخابات هن من مرشحات التيار الإسلامي. وهذا يعني أن كل الآمال التي علّقت على تصاعد دور المرأة العربية في الحياة السياسية قد أصبحت في مهب الريح، على الرغم من أن المرأة العربية -ليبرالية وقومية ويسارية وإسلامية- قد اضطلعت بدور حاسم في الربيع العربي، وإلى الحد الذي فشلت معه محاولة علي عبدالله صالح مثلاً لتأليب المجتمع الذكوري اليمني عليها جرّاء اندفاعها بأعداد غير مسبوقة للمشاركة في المسيرات والمظاهرات والاعتصامات ومداواة الجرحى.

وهناك من يعتقد أيضاً بأن ما أسفرت عنه هذه الانتخابات في ضوء الربيع العربي، يمثل المستوى الحقيقي لمدى قناعة المجتمع العربي بدور المرأة العربية في الحياة السياسية، وأن ما كانت تتمتع به المرأة العربية من تمثيل في المغرب وتونس ومصر والكويت ليس إلا تمثيلا مفتعلا جرّاء الكوتا النسوية والضغوط التي مارستها عواصم الغرب لإشراك المرأة العربية في صناعة القرار. وهي ضغوط مبعثها قناعة هذه العواصم بأن إشراك المرأة من شأنه أن يحد من القناعات الإيديولوجية والاجتماعية المتطرفة في المجتمعات العربية.

لكن هناك شبه إجماع بين المعنيين بالدور السياسي للمرأة العربية، على أن النساء اللواتي قيض لهن المشاركة في الحياة السياسية قبل الربيع العربي، ليبراليات أو قوميات أو يساريات أو إسلاميات، قد تناغمن بشكل أو بآخر مع المؤسسة السياسية الرسمية، وتحولن تدريجياً إلى رصيد مضمون وشكل من أشكال تجميل واجهات هذه المؤسسة. وأبرز الأدلة التي يمكن أن تساق على هذا الصعيد تتمثل في الجوقات الكبيرة من النساء (الناشطات!) التي كانت تحيط بكل من ليلى طرابلسي وسوزان مبارك، وتصوير كل ما يقمن به من مبادرات ومشاريع على أنها روافع نهضوية تاريخية للمجتمع والمرأة، ثم تبين لنا لاحقاً أنها ليست إلا امتداداً لكل مشاريع النصب والاحتيال والابتزاز والفساد والبلطجة التي كانت تمارسها عصابة حسني مبارك وعصابة زين العابدين!.

مفارقة أخرى تتصل بواقع المرأة العربية، وتتمثل في تهاوي الاعتقاد بأن هناك علاقة طردية بين تحرر المرأة العربية من تحكم الرجل في الاقتصاد وتصاعد دور المرأة العربية في الحياة العامة إجمالاً والحياة السياسية بوجه خاص؛ إذ علاوة على أن المرأة العربية قد أصبحت تتمتع بحضور اقتصادي لافت إلى الحد الذي انتشرت معه نوادي نساء الأعمال على امتداد الوطن العربي، فإن التقارير الاقتصادية الإقليمية الموثوقة تقدّر ثروات النساء في منطقة الخليج العربي بـ(385 مليار) دولار، كما تؤكد هذه التقارير أن نسبة الزيادة في الأرباح التي تجنيها النساء في منطقة الخليج العربي تقدر بـ(100 ألف) دولار عن كل ربح مماثل تجنيه المرأة في أميركا وأوروبا. والمفارقة الصارخة في هذه الحقيقة تتمثل ببساطة في انعدام أية علاقة بين الوضع الاقتصادي للمرأة العربية وبين دورها المتوقع أو المنشود في الحياة السياسية.

التيار العقلاني النقدي في الحركة النسوية العربية، يميل إلى الاعتقاد بأن من السابق لأوانه الاندفاع باتجاه إطلاق أية أحكام أو تعميمات ايديولوجية أو جندرية في ضوء الفوضى العارمة التي اجتاحت الوطن العربي خلال العام الأول من الربيع. ويفضل أنصار هذا التيار الانتظار ومراقبة الكيفية السياسية التي ستتوازن المجتمعات العربية وفقها خلال السنوات الأربع القادمة، والتي قد تعمق هيمنة الإسلاميين على الحكم أو قد تكشفهم تماماً أمام الرأي العام. وفي الحالين فلا مفر من إعادة بناء الحسابات والتوقعات والاستراتيجيات انطلاقاً من نقطة الصفر وليس من نقطة الفقاعات النسوية المضللة التي أحدثتها ليلى طرابلسي أو سوزان مبارك، فكثير مما كان يبدو حقيقاً وراسخاً، تكفل زلزال الربيع العربي بإذابته وتبخيره كما لو لم يكن شيئاً مذكوراً!.

* ناقد وأكاديمي من الأردن

( الدستور )

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *