( ثقافات )
صدر للشاعر العراقي سلام سرحان مجموعته الشعرية الثالثة، التي جاء عنوانها لافتا، حيث حملت عنوان “سلام سرحان” أي أن عنوان المجموعة هو ذاته اسم الشاعر، لتعبر عن أن الشاعر غير معني سوى بعالمه الشخصي حيث يتمحور الكتاب حول حدود اشتباك حواسه مع العالم. المجموعة هي الكتاب الثالث للشاعر المقيم في لندن منذ أكثر من عشرين عاما بعد مجموعته الاولى التي صدرت في بغداد نهاية الثمانينات بعنوان “في هدم الاسئلة” ومجموعته الثانية التي صدرت عام 1997 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر وحملت عنوان “فضاء الرغبة”. قصائد المجموعة جاءت مكثفة الى حد بعيد وهي عبارة عن لقطات وجودية، بلغة خافتة شخصية وبأقل عدد من الكلمات. وهو بذلك لم يضع في المجموعة أي كلمة زائدة. ويمكن لأولى قصائد المجموعة أن تعبر عن عالم النصوص: وحيد وجاف
بلا اتجاه أو ملامح أدفع عن رصاصتي جثة العالم.
يقول الشاعر والكاتب فاروق يوسف عن أجواء المجموعة بأن “لدى سلام سرحان ما يؤنسه في اللغة، وحشة تحولها كثافةُ المعنى الى نوع من العلاقة الاليفة، حيث يمكن لعزلة الكلمات أن تكتفي بتنوع صورها من غير أن تستعين بدلالة بعينها.” ويضيف بأن كلماته “يمكنها أن تكون موجودة بقوة هوائهاالشخصي الذي يتقدمها الى معنى هي خالقته، ولم يكن في حاجة الى ما يجعلها وحيدة مثله… شعر سلام سرحان ينحرف باللغة من خلال شهوة الكلمة ويقيم بها في فضاء شعري خالص، متعفف، يرتد بالمعنى الذي تنطوي عليه الكلمات الى حالة اللغة الجنينية، يوم كانت الكلمات مجرد لعثمات.” يتكون الجزء الأكبر من المجموعة من نحو 90 قصيدة قصيرة، عبارة عن طرائد وجودية لم يسبق اقتناصها من قبل. حيث يتقشف الشاعر في الكلمات والصور، التي تلتقط قفزاته الوجودية الخاصة. تلك القصائد القصيرة الجديدة غطت ثلاثة أرباع الكتاب. وخصص الشاعر الربع الأخير، الذي يبدو ككتاب قصير منفصل، لنصوص سبق أن عرف بها الشاعر، ووضع لها عنوانا هو: “سلام سرحان… آخر” ويبدو أنها إعادة كتابة منقحة ومشذبة لأفضل ما كتبه قبل هذه المجموعة ويبدو أنه اشتغل عليها لتحديثها واعطائها لمسته ومهاراته الشعرية الحالية. تبحث نصوص المجموعة عن احتمالات لن يقدمها هذا العالم: يخطئني الرصاص
فأبحث عن بوصلة واتجاه آخر. يقول الشاعر أسعد الجبوري عن الكتاب “يرتقي الشاعر سلام سرحان بالشعر إلى المراتب الأشد وعورة وخطراً وكثافة. فهو شاعرٌ يجترحُ للشعر بلاغةً خاصة، لم تتوفر في أرتال شعرية سبقته إلى الكتابة. ربما لأن سلام سرحان أدرك كيف يمكن الصيد في اللغة، وبذلك المكر الذي تحتاجه القصيدة المضغوطة. قصيدة النانو التي تلعب على أعصاب اللغة، دون أن تكون تراثاً لأحد ينام في القاموس أو لأحد يتكئ على مفرداته.” ويمضي ليقول إن “سلام سرحان الذي تجاسر بجرأته، فسمى كتابه على اسمه ((سلام سرحان)) أراد أن يطهر نصوصه من غبار الآخرين ومعادنهم، التي لم تعد تحتوي على أي فلز نافع يقوي من شكيمة النص، ويجعل الشعر بطولة تمتد بآثارها من اللغوي إلى الحياتي.” ويضيف أسعد الجبوري في موقع الامبراطور: “من هنا فهذا الشاعر الذي تجاوز الهايكو الزراعي، وغادر علبة السرد، سيرفع من معدل البهجة الشعرية لدى القارئ الذكي، دون أن يتخلى عن التوتر العالي لكهربائيات المخيلة. يقول الشاعر في قصيدة بعنوان “خلاص”: بحواسَ نائية وجسدٍ غامض ألمسُـكِ فتنبثقُ ملامحي وينسحبُ اسمي بعـد نباحٍ طـويـل. الكتاب صدر ضمن سلسلة شعراء عن دار الشؤون الثقافية في بغداد.