قصص عن الأصدقاء والغرباء


باولو كويلو

 
«بدلاً من الشكوى كان هؤلاء الرواد يؤلفون الأغاني ويلقون النكات حول مغامراتهم.. بهذه الطريقة أبعدوا الاكتئاب والانزعاج عنهم.. وأنا أحاول اليوم.. بينما بلغت الثامنة والثمانين أن أتصرف بالطريقة ذاتها»

الأديب دبليو فريزر

المتقاعد الذي لم يتوقف

تعرفت في لوس أنجليس في الولايات المتحدة، إلى الأديب دبليو فريزر، الذي أمضى طوال عمره، عاكفا على الكتابة عن الغرب الأميركي، وكان أعظم ما يعتز به، أن يشتمل موجز حياته المهنية، على معلومة أنه كاتب سيناريو فيلم، قام ببطولته النجم السينمائي الشهير جاري كوبر.

ويقول فريزر: “نادرا ما يزعجني أي شيء لأني تعلمت الكثير من رواد أميركا، وهم حاربوا الهنود الحمر، وعبروا الصحاري وبحثوا عن الماء والغذاء في مناطق نائية. وكل سجلات تلك الأيام، تشترك في خاصية مثيرة للفضول، وهي أن الرواد لم يكتبوا أو يتحدثوا، إلا عن الأمور الجيدة”.

ويضيف: “.. بدلا من الشكوى، كان هؤلاء الرواد يؤلفون الأغاني ويلقون النكات حول مغامراتهم، بهذه الطريقة نجحوا في إبعاد الاكتئاب والانزعاج عنهم، وأنا أحاول اليوم، بينما بلغت الثامنة والثمانين من العمر، أن أتصرف بالطريقة ذاتها، وأنا اشعر أن الحياة تتدفق بقوة في عروقي”

الطفل الذي التهم الكتب

كنت عاكفا على توقيع الكتب لقراء في مينابولس في الولايات المتحدة الاميركية، عندما طلب مني أحد القراء، أن أكتب إهداء لابنه البالغ من العمر 16 عاما.

فسألته ضاحكا: ” ألا تعتقد أن الوقت مبكر قليلا بالنسبة له في هذا الصدد؟”. ورد الرجل: ” لا، فهو يحب الكتب حبا جما، وعادة ما يلتهمها كلها”.

وفي وقت لاحق، وعندما علقت على هذا مع بعض الأصدقاء، اكتشفت أن هذا الرجل لم يكن يأخذ الأمر على محمل الفكاهة، فالآباء في الولايات المتحدة يعرّفون أطفالهم بالحضور المرتبط بالكتب، في مرحلة مبكرة من العمر.

وعندما يدلف الصغار إلى أسرتهم، فإن كتابا لا بد أن يكون موجودا إلى جوار دمية الدب الشهيرة، ووقت الاستحمام تجد كتابا بلاستيكيا، جنبا إلى جنب، مع اللعب التي تأخذ شكل المراكب والسفن في حوض الاستحمام مع الصغار. وشيئا فشيئا، يعتاد الأطفال ذلك، وينتهي بهم الأمر إلى قبول الكتب، باعتبارها جزءا مهما لا يتجزأ من حياتهم.

طاقة هائلة على التجاوز

في الثانية عشرة من عمر ميلتون إريكسون، وقع ضحية لشلل الأطفال، وبعد عشرة شهور على إصابته بالمرض، سمع الطبيب يقول لأبويه: “لن تمتد حياة ابنكما إلى ما يتجاوز هذه الليلة”.

وتبين إريكسون انخراط أمه في البكاء، فحدث نفسه: ” ربما لو أنني عشت إلى ما بعد هذه الليلة، فإن أمي لن تعاني كثيرا”. وهكذا قرر أن لا يغفو حتى انبلاج الفجر.. وفي الصباح هتف إريكسون: ” أماه، إنني لا أزال على قيد الحياة”.

عمت سعادة بالغة الدار، إذ إن أريكسون قرر أنه من الآن فصاعدا، سيقاوم على الدوام، ليحيا ليلة أخرى، كي يخفف المعاناة عن أبويه.. توفي إريكسون في عام 1990، عن 75 عاما تاركا وراءه سلسلة من الكتب المهمة عن الطاقة الهائلة الموجودة لدى البشر، والتي تتيح لهم التغلب على أوجه القصور التي يعانون منها.

إصلاح الشبكة

كنت أحتسي شاي الأصيل في نيويورك، مع فنانة غير عادية، وكانت تعمل في أحد مصارف وول ستريت، ولكنها ذات يوم، راودها حلم بالمضي إلى 12 مكانا على امتداد العالم، لتبدع لوحة أو تمثالا، باستخدام عناصر الطبيعة نفسها. وكانت قد أفلحت، حتى ذلك الوقت، في إنجاز أربعة من هذه الأعمال.

وأطلعتني على صور لأحد هذه الأعمال الفنية، وهو تمثال لهندي أحمر، أنجزته في كهف في كاليفورنيا. وبينما كانت تنتظر الإشارات عبر الأحلام، كانت تواصل العمل في المصرف، وأفلحت بذلك، في الحصول على التمثال اللازم للسفر، وإنجاز مهمتها.

سألتها عن سبب قيامها بذلك، فردت قائلة: “لكي أبقي على العالم في حالة توازن، وربما يبدو هذا التصور سخيفا، ولكن يوجد شيء هش يجمعنا كلنا، ويمكننا أن نجعل هذا الوضع أفضل أو أسوأ، من خلال تصرفاتنا، فنحن بمقدورنا إنقاذ أو تدمير الكثيرـ بإيماءة بسيطة غالبا ما تبدو بلا فائدة إطلاقا”.

وتابعت: ” ربما كانت أحلامي سخيفة، ولكنني لا أريد خوض مغامرة عدم متابعة هذه الأحلام. فبالنسبة لي تعد العلاقات بين البشر شبيهة بشبكة عنكبوت هائلة، وأنا أحاول من خلال عملي إصلاح جزء من تلك الشبكة

 

( البيان )

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *