بيان مجموعة من المثقفين والكتاب الليبيين




( ثقافات )

 

وصلنا البيان التالي عبر الايميل من مجموعة من الأدباء والمثقفين الليبيين ننشره كما ورد :

 
تستوجب هذه الأيام الحاسمة التي يمر بها وطننا ليبيا وقفة صادقة وحاسمة من كافة المخلصين من أبنائه ، لتقييم التطورات الأخيرة التي أصبحت تهدد مستقبل ثورة 17 فبراير المجيدة ، بعد أن أفلحت في الإطاحة بالنظام الدكتاتوري المفلس، وأعطت الأمل في تأسيس نظام ديمقراطي مؤسساتي يضمن حقوق المواطنة وشرعية الاختلاف والمساواة القانونية لكل الليبيين، رجالاً ونساء، مواطني الداخل والمنفيين والمهاجرين إبان النظام الدكتاتوري. لقد نجحت ثورتنا في مرحلتها الأولى لتوافر عناصر مجتمعية ( داخلية ) ودولية (خارجية) هامة : منها تضامن غالبية الليبيين والليبيات على أهداف مشتركة لمقاومة الاستبداد والطغيان، والاتفاق على بناء الدولة الحديثة المؤجلة حتى الآن، وبسبب شجاعة وبسالة الثوار من ناحية، وبروز قيادات متحالفة ضمت كل الشرائح الوطنية، سواء منها القيادات التي برزت في ساحة المواجهة المدنية والمسلحة داخل ليبيا، أو تلك التي انشقت عن النظام السابق ، ومع أن الثورة الليبية لم تنزلق حتى الآن في المأزق العراقي والصومالي، إلا أن الأخطار لازالت محدقة بهذه الثورة من قوى انتهازية في الداخل، وأطماع قوى إقليمية ودولية أيضا، فضلاً عن أنه ليس كل من أيد ثورة 17 فبراير وعارض النظام الشمولي يؤيد التحول الديمقراطى .
حقاً إن المسألة الأمنية وانتشار السلاح وتوظيفه لأهداف قبلية وجهوية وتعصبية هو أول الأخطار، لكن الأخطر منه هو غياب الوعي وافتقاد القيادات الرشيدة الوطنية المتسامية على المصالح الأنانية والمناصب، والقادرة على العطاء من خلال تفعيل المصالحة والوفاق الوطني الذي يجمع كل الليبيين . إننا نعتقد بأن تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية بشكل جدى ومؤسساتي، والتوافق على بناء أسس الدولة الدستورية الحديثة، يشكلان هدفين متكاملين لشعبنا في هذه المرحلة الدقيقة والشائكة من تاريخه المعاصر، وما لم يتحقق ذلك فإن الوطن سوف ينزلق للتطاحن الأهلي الدموي من خلال شيوع روح الانتقام والثأر وتأجيج الضغائن القديمة والحديثة ، الأمر الذي من شأنه أن يأكل الأخضر واليابس ويؤدي إلى تشرذم الوطن وضرب الوحدة الوطنية في الصميم وبالتالي اختفاء ما تبقى من مظاهر الدولة نفسها
أن الغياب المؤسساتي والأمني، وافتقاد القيادة الواعية بمشروع الوطن وبناء الدولة، وعدم استيعاب الأهمية القصوى للمصالحة الوطنية، سوف يؤدي إلى طمع الكثير من الدول وقوى إقليمية وعالمية في ليبيا، ويعرضها للنهب والاستتباع وبذلك تسرق الثورة المجيدة التي دفع ثمنها آلآف الشباب والشابات دماءهم ثمنا لها من أجل الحرية والكرامة وبناء الدولة الحديثة القائمة على القانون واحترام حقوق الإنسان والمساواة في الفرص.
كما أن التخبط القيادي والإعلامي في معالجة القضايا الأساسية والتحديات الكبرى التي تواجهها البلاد ينذر بالخطر ويفسر حالة اليأس والإحباط التي بدأت تنتاب ملايين الليبيين الذين لازالوا يأملون في بناء دولة حديثة ديمقراطية تضمن للجميع الأمن والمساواة وسيادة القانون والحريات العامة وتحفظ الكرامة الإنسانية ، وتوفر فرص العمل ومناخات الإبداع في دولة صغيرة مثل وطننا تتمتع بثروة كبيرة وشعب هو الأكثر تعلما في القارة الأفريقية .
ما هو المخرج من هذا المأزق التاريخي ؟ نقول بأنه لابد من الاستفادة من تجارب بناء الدولة الليبية في تاريخنا الحديث ، مع الانفتاح على إيجابيات التجارب الإنسانية ، لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بعد تفعيل العدالة وإنجاز المصالحة الوطنية . أجل .. إن الأهم هو أن يحاكم كل المجرمين واللصوص والقتلة الجلادين، وأن تتولى هيئة مصالحة وطنية تسجيل وتوثيق ونشر كل الاعترافات والحقائق المخفية، بحيث يتحدد كل الذين أجرموا في حق الشعب الليبي ، ويتم تمكين من لم يشارك في هذه الجرائم ، سواء من هم في داخل ليبيا أو خارجها ، من الإسهام في عملية بناء الدولة والتحول الديمقراطي . يجب أن نتفق – نحن الليبيين- على أساسيات مهمة مثل إعادة تأسيس دولة ديمقراطية بناءً على المعايير التاريخية الليبية والدولية، والإسلام كمرجعية دينية وتاريخية، والسيادة الوطنية والاستقلال السياسي عن الأجندات التي تتناقض مع مصلحة ليبيا وشعبها، فضلاً عن مدنية الدولة وحرية الرأي في المجتمع بكل تعدديته وتنوعه، من خلال لا مركزية إدارية تضمن للناس والشعب إدارة شؤونهم المحلية بحرية وبشكل قانوني، وبناء شرطة وجيش وطني، بما في ذلك الاستفادة من كل الضباط والجنود ورجال الشرطة الذين لم يتورطوا في أعمال إجرامية وأخلاقية. إن الوطن في مرحلة خطرة وحرجة، وأي استخفاف أو انتهازية أو تساهل في هذه المرحلة سوف يؤدي إلى سرقة الثورة من الداخل والخارج . ولا ينبغي أن يغيب عن البال أن كل من يتعامل مع الشأن الليبي العام ، وفق منطق الإقصاء وثقافة العنف وإدعاء امتلاك الحقيقة المطلقة وفرضها على الآخرين بالقوة والقهر ، لا يفعل أكثر من إعادة إنتاج نظام الاستبداد القذافي الأسود تحت مسميات وشعارات أخرى .
البداية للخروج من المأزق هي التركيز على ما يجمعنا والبناء على المشترك بيننا، وعلى المصالحة واحترام شرعية الاختلاف وتبني منهج الحوار والتوافق في حل الإشكاليات التي تواجه شعبنا . إن الوطن في خطر ، فدعونا نتصالح ونتوافق بمختلف اجتهاداتنا وآرائنا من أجل إنقاذه من المخاطر التي تتربص به في الداخل والخارج .

الموقعون على البيان

1) د. علي عبد اللطيف حميده
2) محمد الفقيه صالح
3) جمعة بوكليب
4) عمر أبو القاسم الككلي
5) بشير زعبية
6) د. محمود أبو صوة
7) عاشور الطويبي
8) د. عقيل البربار
9) محمود شمام
10) د. محمد الحفيان
11) السنوسي حبيب
12) علي العباني
13) محمد العريشية
14) محمد الأصفر
15) محمد بو صاع الزنتاني
16) حسين المزداوي
17) إبراهيم الكوني
18) رزان نعيم المغربي
19) عائشة إبراهيم
20) عز الدين عبد الكريم
21) خالد نجم
22) منى حنيش
23) إنعام شرف الدين
24) نعيمة أبو شاقور
25) علي محمد اللافي
26) علي حمر بطان الصادق
27) عبد السلام الزغبي
28) علي الجواشي
29) عبد الوهاب غرينقو
30) سالم الكبتي
31) إبراهيم حميدان
32) عبد الباسط أبو بكر محمد
33) د. أحمد علي الأطرش
34) د. موسى الكيلاني

( الصور : محمد الفقيه صالح، رزان المغربي، جمعة بوكليب )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *