نضال برقان *
إذن، أنتَ، الآنَ، في فضاءِ الأربعين، القصيدةُ أصبحتْ أكثرَ هدوءاً، وروحُـكَ كذلك، أما الأصدقاءُ فأصبحوا حقيقيين أكثرَ، وجميلينَ أكثرَ، فليهنأ قلبُـكَ إذنْ، الآنَ، في فضاءِ الأربعين، تستطيعُ أن تقولَ لتلك الوردة: أحبُـكِ، من دون أن تخدش عينيكَ/ مرآةَ زوجتِـكَ، الآن، تستطيع أن تكون أباً لأبنائك الستة، من دون أن تخسرَ (حصانَ النشيد)، أيتها الحياةُ، أيتها الحقيقةُ، أيها الأصدقاءُ، أيتها الوردةُ: شكراً.
‘ ‘ ‘
الآن، تستطيعُ أن تكتبَ نصّـكَ دفعةً واحدةً، فالتوريةُ، الآنَ، شاختْ، والحقيقةُ، كما ينبغي لها أن تكون، لم تعد في حاجةٍ إلا إلى ذاتها. الميادينُ مزدحمةٌ بالناس، والحمولاتُ الزائدةُ لم يعد ثمة متسعٌ لها، الآن، تستطيع أن تنفض قلبَـكَ، كما تنفضُ سيدةٌ سجادةَ صلاةٍ، ورثتها عن جدتها لأمها، وقد تركتها وقفاً للغبارِ أربعينَ سنةً، ثُـمَّ، فجأةً، تقررُ استخدامها في شيءٍ مفيدٍ، فتنفضُها، لتجلسَ عليها، بينما تراقبُ عشاقاً مزدحمين بالياسمين، في حديقةٍ عامةٍ.
‘ ‘ ‘
في قلبي يتفتَّـحُ ياسمينٌ، وتمطرُ سحبٌ مسراتٍ وأعياداً، والعصافيرُ تتزاوجُ، وتفرِّخُ، وتطيرُ في قلبي.
‘ ‘ ‘
أريدُكِ، لا أريدُ سواكِ، أريد كلامَكِ، لا أريدُ كلامَ سواكِ، وأريدُ سلامَكِ، سلامُ سواكِ يقتلُني، والكونُ، أقصدُ كونَ سواكِ، هل يصلح أن يكونَ سوى قبرٍ، ضيّـقٍ، وموغلٍ في الظلام؟
‘ ‘ ‘
حديقتُكِ خرجت، نهاراً، إلى الشارعِ، وراحتْ تتمشى بين الأزقّةِ، ثمّ عرّجتْ على السوقِ، وابتاعت الكثير من الهدايا، من أجلِ الصغارِ، والكبارِ، ثمّ عادت أدراجَها، وقبلَ أن تنام كانت أعطت كلَّ واحدٍ من أهلِ القريةِ هديةً، الطرقاتُ اخضرتْ، والميادينُ كذلك، حتى السماءُ أصبحت خضراءَ، ثمّ نامَ كلُّ واحدٍ، من أهلِ القرية، وفي بيتِهِ ربيعٌ كاملٌ.
‘ ‘ ‘
سلاحُكِ قلبُكِ، وسلاحي يقيني أنَّـكِ أنتِ، وأنني أنا، كما تشائين. الآن أستطيعُ الذهابَ إلى المعركةِ، حيث يموتُ الناسُ من أجلِ أسبابٍ غامضةٍ؛ غامضةٍ بالنسبة لي على الأقلّ، سأجتهد، في المعركةِ، لأوجه الموتَ، رجلاً لرجلٍ، وأعدُكِ أن أضعَ حداً لتصرفاتِهِ الخرقاءِ، وكما تعلمينَ لنْ أموتَ، فأنتِ إلى جواري، أو أنا إلى جوارِكِ، والعصافيرُ تتزاوجُ، وتفرِّخُ، وتطيرُ في قلبي.
‘ ‘ ‘
نجمتي، كما تعلمينَ، لم تعد تصدِّقُ شيئاًً مما يقوله الرفاقُ، أقصدُ (الفوارسُ الجوفُ)، حتى السماءُ، التي كانت تؤمنُ بزرقتِها، باتت تعتقدُ أنها سماءً مجرمةً. الحقيقةُ ليست ملكَ يدي، لأخبّـئها في الخزانةِ، نزولاً عند رغبةِ أحدهمْ. الحقيقةُ، الآنَ، ملكٌ لمن يريدُها، ونجمتي، كما تعلمينَ، وهبتْ نفسها لأمرين: الحقيقةِ وأنتِ.
‘ ‘ ‘
في الصباح، أفتحُ شبابيك البيت، أجعلُ بابَ القصيدةِ من دون متراسٍ، وأقول: أحبّـكِ، أسمعُ كلَّ شيءٍ يرددُ: ‘أحبّـكِ’؛ النباتاتُ، الجدرانُ، الكتبُ، الشراشفُ، العصافيرُ، كلُّ شيءٍ يردّدُ: أحبّـكِ، فأحار، كيف أقولُ ‘أحبّـكِ’، من دون أن يقولها معي، في الوقت نفسه، غيري، كأنّـكِ تعلمينَ، ربما هكذا هو الحبُّ، أن أقول ‘أحبُّـكِ’، وتشاركني فيها الحياةْ.
( القدس العربي )