قصائد للشاعر النيكاراغوي المنتحر فرانسيسكو أوذيل ( 1 )



ترجمة وتقديم : غدير أبو سنينة *

( ثقافات )


 


فرانسيسكو رويس أوذيل
Francisco Ruiz Udiel

فرانسيسكو رويس أوذيل (استالي-1977)، شاعر نيكاراغوي، تَبَنَّت موهبته الشعرية الشاعرة النيكرونسية كلاريبل أليجريا التي تتلمذت على يد الاسباني خوان رامون خيمينس. حصل ديوانه “أحدهم يراني أبكي في الحلم” على جائزة إرنستو كاردينال للشعراء الشباب 2005، نشر ” صورة لشاعر شاب مخطئ”، وهي عبارة عن أنطولوجيا للشعر النيكرونسي لشعراء جيله كتبت مقدمتها الشاعرة النيكرونسية جيوكندا بيللي، نُشر عدد من قصائده في أنطولوجيات شعرية منها: أنطولوجيا القرن العشرين في نيكاراغوا: أبناء الميناتاور (1950-2008)، (مجلة تريلسه، 2009) وأنطولوجيا الملتقى الخامس للشعر كارلوس بييسير (تريلسه، فياارموسا، 2008) للناطقين بالإسبانية في أمريكا. كما نشرت له قصائد في مجلة ” كارافان” (السويد، 2006). مجلة أوليفيريو (الأرجنتين، 2005)، مجلة ماجا (بنما، 2005)، مجلة ليتشتونتن (ألمانيا، 2009 )، مجلة نوماذا التي يديرها خورخه بوكانيرا ( الأرجنتين، 2008)، مجلة بروميتيو (ميديين، كولومبيا، 2008)، وفي المذكرات الشعرية للملتقى ” دوار الهواء”.

حضر العديد من المهرجانات والفعاليات الشعرية في نيكاراغوا وخارجها، منها الدورة الخامسة لمهرجان “الشعر يمتلك الكلمة”، كاسا دي أميريكا (مدريد، اسبانيا، 2005)، الدورة الرابعة للمهرجان العالمي للشعر في السلفادور(سان سلفادور، 2005)، الدورة الثانية والعشرون للمهرجان الشعري العالمي لا هابانا (كوبا، 2007)، الدورة الثامنة عشرة لمهرجان مديين للشعر العالمي (كولومبيا، 2008)، الحفل الأدبي لبورتو دي غالينهاس (البرازيل، 2007)، الملتقى الرابع للشعر كارلوس بييسير للناطقين بالإسبانية (المكسيك، 2008)، المهرجان العالمي للشعر في كوستاريكا (سان خوسيه، 2009)، مهرجان الشعر العالمي في غرناذا (نيكاراغوا، 2010).
في ليلة رأس السنة 31 من ديسمبر 2011، وفي تمام الساعة الحادية عشرة ليلا، قرر فرانسيسكو أن ينهي حياته بتعليق مشنقته في بيته في مناغوا، بعد أن أخبر أصدقاءه أنه لا يرغب بالاحتفال معهم تلك الليلة.



هُناكَ ليالٍ لا أرغبُ فيها بِمعرفةِ أيِّ شيءٍ




هُناك ليالٍ لا أَرْغبُ فيها بمعرفةِ أيَّ شيءٍ
ولا سماعِ أيِّ شيءٍ
لا أَوَدُّ سِوى الجُلوسِ
في شارعٍ ناءٍ
ورُؤيةِ كَلبٍ يُدرِكُ ما يُريدُ
حَتَّى في لَحَظاتٍ صَمْتِهِ
أَوَدُّ لو أَمكثُ وحيداً،
يُحادِثُني الكَلبُ بِعينيهِ،
وَعِندها يَطرقُ فَيصمتُ.

لِرَجُلٍ أضاعَ سَكِينَتَهُ،
سأقرأُ قصيدةً،
كي يموتَ بِسلامٍ.

في الَّلحْظةِ الَّتي أُفَكِّرُ فيها بذلك
يَجثو ظِلٌّ على صدري
يُمَسِّدُ بِيَدَيهِ جَبْهَتي
فأصمتُ

لا الليلُ
لا الشارع
لا الكلبُ
قادرون على إطفاءِ لَوعةِ هذا الغيابِ.




قَصيدةٌ تُبقيكَ في مأمَنٍ




فِي أَصَابِعي
أَحمِلُ قُضباناً،
سِجْناً مِن الرِّياحِ يَقُولُ لَكَ:
إِلمِسني كَيْ أَتَحَرَّرَ.
ليلاً، تَتَّسِعُ عينايَ أكثر
وَتَتَّسِعُ هُوَّةٌ تَفْصلُ ما بين جسدي وجسدٍ آخرٍ
أبقوا علي سِجْني
أربعةَ ملايين عام
هواءٌ مُجَوَّفٌ في جانبي
يكفي لإعادتي
مع حُرِّيَّتي المَذعورةِ
إلى الأرضِ
في الَّلحظةِ الأخيرةِ.

لستُ أعرفني
في الصَّباحاتِ الخائِنةِ،
في ورقةٍ كَسَتْها رائحةُ أمواتي
صدأً،
في لُبٍّ باردٍ لِأشجارٍ تَقِفُ انتظاراً.


أَتُراني اعْتَدتُ أَن أُدْفَنَ
في العيونِ،
في مساءٍ مُرٍّ،

في ثُقبَيْنِ في السَّماءِ؟
تُرى ما الَّذي يُمكِن أن يُؤْذِيَني أكثر؟



علامةٌ تتلاشى في رُكْنٍ من أركانِ المَحَطَّةِ



هَذِهِ المَحطَّةُ لن تُصبِحَ مُجَرَّدَ مَحطَّةٍ،
ستبقى فقط علامتي المتلاشيةُ في غُبارِ إحدى النَّوافِذِ،
هذا إن كانت هُناكَ نوافذُ،
هذا إن قَرَّرتُ أن أَتْرُكَ ورائي
علامةً في إحدى المَحَطَّاتِ.
سأنتظرُ بِجانبِ أَكشاكِ التِّلفون
تَلاشي السَّاعاتِ في زُرْقَةِ سيجارةٍ مُشْتَعِلَةٍ
في نظراتٍ حزينةٍ راكعةٍ.

سَيَرونني ضاغطاً على فَكِّي
أَلْقُمُ الهواءَ
كَطيورٍ مُهاجِرَةٍ من بُقْعةٍ لِأخرى
لا تَعرفُ ماذا بانْتِظارِها.
ها قد أصبحَ الهواءُ مُراًّ
ومعَ ذلكَ
فإنًّني لا أعرفُ في أيِّ المَحَطَّاتِ
سَتَمتَطي وِحدتي جسداً آخرَ.




كُلُّ أربع سنوات تولد شاعرة منتحرة

الى سكستون- بلاث – اليخاندرا بيزارنيك
مواليد 1928-1932-1936

كُلُّ أربعِ سنواتٍ
يُديرُ الموتُ مفتاحَ فرنِ الغازِ في المطبخِ
وَيَستلقي على الأَريكةِ يُدَخِّنُ سيجارتهُ
وينتظرُ،

أحياناً أُخرى يُديرُ مُحَرِّكَ سيَّارةٍ مركونةٍ في كراجٍ صادحاً بأغنيةِ
”كرسي في السماء”
مُعتقداً أنَّ قليلاً من الجازِ لن يوقظَ العرائسَ التي فَرَغَتْ من زينتها للتَّوِّ

كلُّ أربعِ سنواتٍ
يتناولُ الموتُ حُبوبَ المُهدِّئاتِ
ويحدثُ أن يزيدَ الجُرعةَ قليلاً فلا يستيقظُ بَعدها أبداً،
ينامُ دونَ حُزْنٍ أو وجعٍ أو تَشَنُّجٍ.

بعدَ أربعِ سنواتٍ يستيقظُ الموتُ في عينيه حُزنٌ مُعتَّقٌ،
يَرقُبُ المساءاتِ الحمراءَ من النَّافذةِ،
ويتمتمُ: أحدٌ ما يناديني،
يُغلق عينيه بِمرارةٍ.

أُشفقُ على الموتِ
تقاسيمُ وجههِ النَّحيلِ الأبيضِ المُتعبِ تَفضحُ مَلَلَهُ من الشَّاعراتِ المنتحراتِ خنقاً.

أعرفهُ قليلاً،
يصعبُ أن أمحوَ من ذاكرتي
جنازَتَهُ الرَّسميَّةَ
وقد شوهِدَ مُؤخراً يَستنشقُ هواءً مُنتحراً.

كُلُّ أربعِ سنواتٍ تَحمرُّ عيناهُ
كان قد بكى، نعلم ذلك ونصمتُ
نعلمُ أيضاً أنَّهُ لم يُولَد من رَحْمٍ ولم يَكن من لَحمٍ ودمٍ
كان يُفَتِّشُ في الأرحامِ
وتَنْقَضُّ أصابِعُهُ الباردةُ النَّحيلةُ على أوَّلِ حَبْلِ سُرَّةٍ يراهُ،
ولذلك تولد كُلُّ أربعِ سنواتٍ طفلةٌ ميِّتةٌ.


* مترجمة من الأردن

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *