حاورته : إسراء عبد التواب – القاهرة
( ثقافات )
ساعتان لتفريغ الغضب الذى كان مفعمأ بالقلق والشك والإرتياب من القادم ، لكن كانت هناك مسحة من أمل تعلو على جبينه وهو يضحك ويقاوم الواقع السياسي الملتهب بالإبتسام والتطلع للإصلاح لتنتصر الثورة التى دفع فيها شبابها النبيل حياتهم كى تتحقق الديمقراطية .خمسة عشر عاما قضاها بعيدأ عن الوطن ولكن حينما هاجمه الحنين لبى النداء ولم يعتذر قال فى ذاته “مصر أغلى عندي من كل الإغراءات المادية ” يعرف أنه صار مريضأ بحب مصر عاد إليها ليجدها متعثرة فى ديكتاتورية مبارك وحينما قامت الثورة حاول الإخوان أن يسرقوها قال لنا فى حواره إن الثورة لن يختطفها أحد بل أنها ستعري الكل ستفضخ الإخوان وجميع القوى السياسية الإنتهازية .مازال لديه أمل فى التغيير حاول أن يطمئن الجميع أن مصر لن تكون أبدأ جزائر ثانية لأن فكرة الأم فى الوعي المصري هى الأم المتسامحة التى لا تدخل فى حرب مع أبنائها .إعترف لنا الشاعر والمفكر علاء عبد الهادي أن الرئيس مرسي لا يقرأ مظالم الشعب المصري ويعتمد على حكومة فاشلة ولا يسمع أحدا وهو ما أدى إلى تنامي الصراع بينه وبين القوى المدنية بعد الإعلان الدستوري الذى رفضه.والذى يتنافى مع مطالب الثوار وأهداف الثورة التى لن تقبل برئيس لا يمتلك سلوك ديمقراطي فى ترسيخ دولة القانون…..لنا معه هذا الحوار :
ـ كيف ترى المشهد السياسي الآن؟ وهل يمكنك قراءته حقا أم أن المشهد صار يعبر عن فوضى تمنع من أى قراءة ممكنة للأحداث القادمة ؟
بداية, في أوقات الثورات تكون حركة المتغيرات سريعة جدا, إلى الدرجة التي تجعل أحكام المحللين مهما اجتهدوا أحكاما وقتية, لأن الواقع يسير بمعادلات تفاضلية لا ثوابت فيها, وأرى أنه لم يكن هناك أي مشهد سياسي حقيقي يذكر قبل الثورة -أتكلم هنا عن الأحزاب- كي نتوقع وجوده بعدها, الأحزاب لا تخلقها النخب, بل تخلقها الجماهير, ومعظم هذه الأحزاب فاسد بالمعنى العلمي للفساد لو نظرنا إليها بصفتها أنظمة يُنتظر منها أداءات محددة وفق أيديولوجياتها, هذه الأحزاب كانت إفرازا سياسيا لنظام سياسي فاسد, فنمت بشقيها موالين ومعارضة تحت جنح النظام البائد, وبمباركته, وكانت -ربما- دون استثناء واحد, واجهات له, تختلف معه ولكن في إطار الشرعية, وهذا يفسر ظهور حركات شعبية مثل كفاية, والمثقفون المستقلون, وجبهة الثقافة الوطنية و”6″ إبريل وغيرها, لأن الأشكال الحزبية السياسية القائمة آنذاك لم تستطع استيعاب طموحهم الثوري, وهذا يفسر أيضًا لماذا سبقت الثورة جميع الأحزاب السياسية القائمة في حراكها؛ بناءً على هذه الرؤية لن يستطيع أي حزب قديم, بكوادره وأفكاره والقائمين عليه أن يكون له أي تأثير تاريخي يذكر في السنوات القادمة, كما يجيب هذا التحليل الموجز عن سؤال؛ لماذا شهدنا عمرو موسى مع مبارك مؤيدا لاستمراره في فترة, ثم مع قوميين, ومع ماركسيين وشيوعيين قدامى, ومع فلول من الحزب الوطني, وأحزاب ما كان يسمى بالمعارضة في النظام السابق, معا, في ميدان عابدين, والتحرير, والغرف المغلقة, فيما يسمى التيار الشعبي! وفي الغرف المغلقة قبل ذلك أيضا. لأن المعارضة في رأيي كانت وجها من وجوه النظام في سياقها الاعتباري, لا الفردي, فهناك مناضلون في هذه الأحزاب ضحوا بصمت من أجل أفكارهم, دون أن يطلبوا شيئا, ويجب احترام تاريخهم, لكنهم الاستثناء هنا. أرى أن هناك احتمالين الآن الأول هو تحويل الثورة إلى حركة إصلاحية, وهذا يعد خيانة لها, لأن النخب السياسية القديمة ستعود ثانية إلى سدة المشهد لتلعب الأدوار ذواتها التي كانت تلعبها من قبل بكل أشكالها العقيمة والفاسدة, وهذا ما لم يدركه د. مرسي حتى الآن, الثورة تختصر الزمن والمراحل, بل إنها في ذاتها محاولة تاريخية للحاق بالزمن, وهذا ما لن يقوم دون ثورة ثقافية رديفة تعدُّ وعي الناس الجمعي للالتفاف حول مشروع قومي ونهضوي, حول رؤية مستقبلية لإحياء حضاري جديد, لكن د. مرسي أحضر حكومة فاشلة بكل المقاييس, وأهمل الثقافة بمعناها الواسع, فأتى النيل من الثورة في الوعي العام عبر الملف الثقافي “بالذات” -على المستوى الإعلامي بخاصة- وهذا ما نبهنا إليه في حوارات سابقة مرارا, ولكن لا حياة لمن تنادي, أما الاحتمال الثاني, فهو أن يسفر هذا الحراك الشعبي عن انحياز الشعب إلى ثورته على نحو قاطع يؤدي إلى تطهير المؤسسات كلها من البنية العميقة لدولة مبارك وهي بنية ثقافية في أساسها, وهذا ما أتوقعه, لأن مصر الآن في لحاقها بالتاريخ عبر ثورة يناير المجيدة لا تملك ترف التخلي عن ثورتها. وأؤكد هنا أهمية أت تلتفت مؤسسة الرئاسة -أيا كان نوعها, أو انتماؤها- إلى ضرورة خلق سياق ثورة قومية ثقافية شاملة تقطع الطريق على مخططات داخلية وخارجية لوأد الثورة وأفقها الممتد الذي نتشوفه.
ـ كيف ترى قرارت مرسي الأخيرة, وهل تعتبرها كما ردد البعض مسمار نعش فى جسد النظام بعد أن رفض القضاة الإشراف على الاستفتاء؟
هناك أسئلة مضيئة أطرحها هنا لأنها قد تجيب هذا السؤال؛ فيجب أن نسأل أولا, ما السبب المباشر من وراء القرارات التي اتخذها مرسي؟ وثانيا هل كان يوجد مخرج آخر؟ وماذا لو حكمت المحكمة الدستورية بحل التأسيسة ومجلس الشورى والإعلانين المكملين, ألا يرجعنا هذا للإعلان الدستوري المكمل للمجلس العسكري, ويعيد العسكر ثانية إلى السلطة؟ وأين كانت هذه المحكمة حين حصن إعلان المجلس العسكري نفسه, بل حصن أعضاءه أنفسهم في سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ الحياة السياسية الحديثة؟ ألا يثير صمت المحكمة التساؤلات؟ وقبل كل ذلك هل كان من حق المجلس العسكري وفق الدستور أن يصدر إعلانات دستورية؟ لماذا لم تعترض المحكمة الدستورية آنذاك وتسقط هذا الإعلان؟ وقبل كل هذا, على أي أساس تقوم أحكام المحكمة الدستورية فيما تقوم به من أعمال بعد أن تم تعطيل الدستور السابق؟ الأساس الوحيد المقبول –خارج نظرية الموظف العام- يقوم على المواد التسعة التي استُفتى الشعب عليها فقط, ذلك دون الستين ونيف مادة التي أصدرها دون حق المجلس العسكري؟ لماذا قرر نادي القضاة وقف العمل بالمحاكم, هذا رغم غياب شرعية هذا القرار, لأن فيه تعطيل للعدالة, والقضاة هم آخر فصيل مجتمعي يحق لها الاقتراب من شبهة مخالفة القانون, وذلك في جمعية عمومية يشوبها البطلان لأنها لم تكن خالصة لرجال القضاء فحسب؟ ولماذا لم يقوموا بذلك بعد الإعلان الدستور للمجلس العسكري مثلا؟ على المستوى التاريخي القريب, لماذا نزل القضاة برموزهم وأشرفوا على استفتاء 2005 في ظل نظام فاسد, والتي قُضي فيه بالبطلان والتزوير؟ لماذا لم يرفض قضاة الدستورية مثلا المادة 76 من الدستور التي كانت تقنن التوريث؟ تشير هذه التساؤلات إلى حقيقة مهمة وهي أن النظام البائد قد نجح في تسييس جزء من مؤسسة القضاء, وخلق أتباع له منها, ولا يمكن أن نغض الطرف في هذا الصدد عن دور التوظيف السياسي لحق رئيس الجمهورية آنذاك في تعيين قضاة الدستورية العليا, والنائب العام..إلخ. هذا فضلا عن الحدود الإدارية والقانونية المختلطة في العلاقة الممتدة بين وزارة العدل والمؤسسة القضائية! ورأيي أن شأن الإشراف على أي استفتاء هو شأن مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الإدارية, فندب القضاة شأن المجالس الخاصة, ولا علاقة للأندية به, أما الإعلان الدستور الثاني, فأنا مع عزل النائب العام السابق, وإعادة محاكمة مبارك ورموز النظام السابق, ولكنني لست مع تحصين قرارات الرئيس, وأرفض المادة السادسة مما يسمى الإعلان الدستوري المكمل. وأراه قرارًا إداريًّا لا ينطبق عليه من المنظور الفقهي وصف الإعلان الدستوري. لقد كانت هناك بدائل, لكن الرئيس لا ينصت لأحد, ولا يقرأ ما يرسل إليه من اقتراحات, وهي اقتراحات كانت كفيلة بإنقاذ موقفه, لو لم يتركها في أيدي موظفين لا تنقصهم الجهالة. الرئيس يعتمد على جهاز وظيفي فاشل, أما المصريون فيستحقون ديمقراطية أفضل, ورئيسًا ديمقراطي السلوك, يكون أكثر انتباهًا لنبض الشارع, وأكثر إنصاتًا لمفكريه. كان من الممكن -بدلا من هذه القرارت- أن يعرض الرئيس تخوفاته كلها على الشعب المصري, ويناشده حماية ديمقراطيته, والمحافظة على شرعية مؤسسة الرئاسة, وإلا سيعلن استقالته, لكنه ترك نفسه لقوى سياسية معارضة له قامت بالتوظيف السياسي لشكل الإعلان ولإجراءات التأسيسية من أجل النيل منه, وهو سلوك سياسي غير حصيف. ولكن, وإنصافا للموضوعية أقول إن الأخوان جزء لا يتجزأ من الإرادة الشعبية, أما السؤال عن انتصار أي فصيل سياسي فيجب أن يكون انتصارنا للشرعية ولدولة القانون فحسب, وليس لفصيل سياسي على فصيل آخر.
ـ إذن, كيف تقيم الصراع الآن مع القضاة وهل سينجحون فى معركتهم ؟
أؤكد ثانية هنا أن هناك من القضاة من سيسوا القضاء, وقد كنا نتمنى من القضاة المستقلين أن يدفعوا المؤسسة القضائية -بعد الثورة- إلى سياق قضاء مستقل, وأن يطهروا مؤسساتهم بأنفسهم, دون تدخل أية سلطة أخرى في ذلك, خصوصا ما يرتبط بنواديهم, لكن ما حدث هو مزيد من تورط القضاة في اللعبة السياسية التي كان يجب أن يبتعدوا عنها تماما, ذلك كيلا تتكرر مآسي النظام السابق في استغلاله لهم! فمازال النظام السابق موجودًا من خلال رموز قانونية تعاونت معه, ونشأت على الولاء لأفكاره, وما تزال تنتمي إليه حتى الآن. وهي قوى لها تأثير بسبب مواقعها, ولا يجب الاستهانة بتأثيرها. المحكمة الدستورية كلها معينة على سبيل المثال, ويجب أن تكون منتخبة, وهناك رجال قانون توغلوا في مساعدة النظام السابق على احتكار السلطة, وقننوا فسادها, وعلى الجانب الآخر هناك قضاة دفعوا ثمن عدلهم, وانحيازهم إلى القانون, ورفضهم التزوير, مثل البسطاويسي ونهي الزين وغيرهما. أنا مع عزل النائب العام السابق, ومع إعادة محاكمات رموز النظام القديم, ومع تشكيل محاكم ثورة, فليس في التاريخ ثورة حاكمت من سرقوا عقودا من تاريخ شعوبهم بمحاكم عادية, لا يصح محاكمة رؤوس نظام فاسد في ظل وجود نائب عام عينه من تمت الثورة عليه! النائب العام ليس أكثر تحصينًا من رئيس الجمهورية, كان هذا سلوكا ثوريا عجيبا, لكنني أرفض تحصين قرارات الرئيس. حتى لو كان ثمن ذلك هو حل المحكمة الدستورية للتأسيسية ولمجلس الشورى..
ـ تتهم النخب السياسية دائمًا أنها المسئولة عن توغل الإسلام السياسى لبعدها عن شرائح العامة لمركزيتها وإعتمادها فقط على الإعلام وعدم النزول للشارع, ما ردك على هذا الإتهام ؟
لقد حنّط النظام السابق كل القوى السياسية, وهذا أثر سلبيا بوعي الشارع السياسي المصري بخاصة, هكذا كانت فرص الأكثر تنظيما أعلى كثيرا من فرص الأكثر وعيا وفكرا! النخب في داخل الأحزاب ينقصها الإدراك الثقافي الكافي لحراك حزبي يمكنه أن يربط ما بين الوعيين التنظيمي والأيديولوجي, والفائز في أية معركة ليس بالضرورة من كان أكثر وعيا, يفوز في الغالب من كان أكثر تنظيما, هذا رغم أني أرى أن الوعي التنظيمي جزءًا لا يتجزأ من الوعي السياسي, ولا ينفصل عنه. هذا الوعي التنظيمي هو ما يفسر نجاح الإخوان في انتخابات الرئاسة, وإن كنت أرى أن اختلال المعادلة عندهم ينصب في وعيهم الحضاري بالزمان والمكان ومتغيراتهما, لم تقم أحزاب المعارضة بأي حراك يذكر في تغيير الواقع السياسي إبان حكم مبارك سوى العراك حول تمثيلها أو عدد نوابها في البرلمان؟ ستتخطاهم جميعًا ثورة يناير المجيدة, مثلما سبقتهم –من قبل- إلى تغيير التاريخ, وسيكتشف الشعب المصري خلال هذا الحراك المثمر -الذي لا يقلقني- كل الانتهازيين, الذين ركبوا الثورة لصالحهم, فهذه النخب السياسية الحزبية القديمة لا تستطيع حشد عدة آلاف في أي ميدان, وأحزابها دون استثناء واحد انتهت في حراكها إلى أن تكون واجهات للنظام البائد؛ تمثل وجه العملة الآخر له, بل كان من المفروض أن تسقط بسقوطه, وهذا ما يفسر تحالف جميع أحزاب معارضة النظام السابق مع مليشيات الحزب الوطني, وفلوله وأزلامه, هذا واضح للمتأمل, قامت الثورة على أكتاف الشباب ومن حقهم أن يقودوا مصر الآن, وأن ينحوا جانبا كل هذه النخب الحزبية السياسية البائدة, بكل رموزها. مشكلة الثورة المصرية من البداية تكمن في هذا الحضور القوي لأحزاب لا قيمة حقيقية لها في الشارع المصري قبل الثورة وبعدها, ولا قواعد شعبية حقيقية لها, ركبت الثورة, واستفادت من نجاحها, وهي أحزاب لا تستطيع إن اتحدت أن تجمع تنظيميا عشرة آلاف متظاهر, وهذا ما كنا نواجهه في أثناء مظاهراتنا في كفاية وفي غيرها من حركات سياسية, كان المتظاهرون يشبهون عائلة أو فريق لقلتهم, يعرف كل فرد فيهم الآخر, كم عدد المشتركين فعليا في حركة التيار الشعبي لمن حضر, بكل أحزابه ورموزه؟ هذا على مستوى الكم, أما الكيف فالمضحك أن يجتمع الفلول مع الراديكاليين مع الشيوعيين مع الحركات القومية في صف واحد, لتتلون الشعارات وفق المصالح والأهداف التكتيكية بينهم. وليتأمل من يريد في قوائم الإخوان في الانتخابات البرلمانية التي امتلأت بقيادات الأحزاب القومية والليبرالية في انتخابات مجلسي الشعب والشورى, كي يتضح مباشرة قصدي من هذه الأمثلة..
ـ ما تعليقك على تكرار كوارث مبارك فى الحكومة الجديدة ـ حادث أسيوط مثال ـ هل تراها أخفقت فى الإختبارت التى وضعها فيها المواطن المصرى؟
في الحقيقة نحن ما زلنا في عهد مبارك لأن نظامه بالمعنى العلمي للنظام لم يزل قائما, والنظام أقوى من مجموع مكوناته أو أجزائه أو انتماءاتهم, ما تغير هو وجه النظام أما النظام نفسه فلم يتغير, د.مرسي لا يقرأ ما يرسل إليه من أفكار من مفكرين وسياسيين وغيرهم, هو مسئول عن بقاء نظام ثقافي يمثل البنية العميقة لمؤسسات فاسدة إداريا هي نتاج ثلاثة عقود من التخريب, والأمر يحتاج إلى عمليتين الأولى هي إعادة البناء في هياكل إدارية جديدة يحدث من خلالها تطهير مؤسسات الدولة من ثقافة بائدة, والثاني وضع رؤية تقوم على إدارة استراتيجية, تحددها الأهداف الجديدة, فلن تستطيع مؤسسات خربة وفاسدة أن تخدم أهدافا جديدة! لأنها هي من تسببت فيه وكانت مسئولة عن وجوده! وهذا ما يقتضي تغيير بنية هذذه المؤسسات وفق الأهداف لا العكس, ذلك لأن هذه المؤسسات بأجهزتها الإدارية القائمة لم تخلق لتحقيق أهداف ثورية أصلاً! بل خلقت لحماية نظام فاسد واستيعاب معارضيه. تقويمي لأداء حكومة د. قنديل سلبي في الحقيقة, وأرى أن الفشل ينتظرها, حكومة قنديل تسير إلى الآن بسياسات مبارك المتمثلة في سياسات “رد الفعل”, والحلول الوقتية المهدئة.
ـ ما هو رد فعلك كمثقف على تلك القرارت وقبلها تم إستبعادكم كمثقفين من اللجنة التأسيسية للدستور وهو ما أجبرك على تقديم طعن ضدها؟
الثقافة هي المحور الغائب في كامل الحراك السياسي في مصر منذ أيام السادات. وقد رُشِّحْتُ من جانب نادي القلم المصري أنا وبهاء طاهر لعضوية التأسيسية ولم يؤخذ بالترشيح. ولمن قالوا إن الدستور جيد نقول له بالنسبة إلى من, ومقارنة بما! الدستور قد يكون جيدا مقارنة بدساتير سابقة منقولة أو مفصلة, ربما, وهذا فيه شك, ولكن هناك خيالا دستوريًّا وممكنا آخر, يعرفه المفكرون, وعدد قليل من أهل التخصص كان من الممكن إنجازه. ولكي نقترب من الحقيقة أكثر يجب علينا أن نضع أيدينا مباشرة على أصل المشكلة, والمشكلة ليست الآن في نصوص, ولكن في الشكل المشوه الذي أنشأ اللجنة التأسيسية, والمنهج الكسيح الذي اعتمدته.
– هل هذا هو سبب دعوتك في المحكمة الإدارية ضد تأسيسية الدستور؟
في كل الأحوال كنت سأختلف مع منهج وضعه, وفلسفته هذا لو كنت في داخل اللجنة من البداية, أما ما دفعني إلى رفع دعوى في المحكمة الإدارية لحل اللجنة التأسيسية فكان غياب مفهوم عن هوية مصر الثقافية في فكر القائمين عليه, وكان توقعي صحيحا, الدستور مفرغ من الروح المصرية الصميمة المرتبطة بتاريخها الممتد, وأنماط إنتاجها الثابتة والمتحولة, وما فرضته هذه الأنماط من سمات ثقافية ودينية على هذا الشعب, مصر تحتاج إلى هوية يجب إذكاؤها بصفتها متخيلاً مدروسًا, قادرًا على دعم الروح الوطنية في تحديها الثقافي والمعرفي الحديث.
ـ لماذا ترفض الدستور بالشكل الذي أتي عليه؟
على المستوى الشخصي, أرفض الدستور المعدل على النحو الذي أُنجَزَ به, ولكنني أحترم الشرعية المنتخبة, واستفتاء الناس عليها, ليست المشكلة في الامتناع عن التصويت, بل في التصويت بما يقتنع به كل فرد من أجل مصلحة مصر, وهذا ما لن يتسنى حدوثه دون حركة اجتماعية ونقابية وحزبية شاملة تعرف الناس وتثقفهم عن حقوقهم السياسية والدستورية, وهي مهمة ثقافية غائبة؛ لن أتكلم في هذا الحوار عن تفصيلات فيه, أو عن مادة هنا, أو فقرة هناك, فهذا متاح في غير هذا المقام, ولكنني أتكلم عن فلسفة كتابته من البدء. الدستور في رأيي هو قانون السياسة, وسياسة القانون, وما يقلقني هو منهج وضع الدستور نفسه, وهو منهج خاطيء لأن التفاته كان في الأساس إلى الاهتمام المبالغ فيه بقضايا محددة, بسبب ضغط تيار الإسلام السياسي من جهة, والخوف من مشكلات الواقع السياسي البائد من جهة أخرى, فوطأة الظلم الاجتماعي والسياسي, والخوف من إعادة النظام البائد, جعل البحث عن ضمانات كافية تمنع تكرار هذه الفترة التاريخية البغيضة واحدة من عيوب منهج وضع الدستور, الذي خَلطَ على نحو معيب بين فلسفة وضع الدستور/ الروح, وفلسفة وضع القانون/ الجسد, فظهر مرقعًا, ذا صياغة قانونية سيئة, يعتمد فكر دساتير سابقة, أخطر ما فيها هو الخلط بين نظامين سياسيين, هما الرئاسي والبرلماني, وهذا ما يجعلنا نعاني من عيوب النظامين معا, أقول هذا لمن يريد القول إننا أخذنا فوائد النظامين, أما الدستور الفرنسي الذي يُحْتَج به دائما فيغير نفسه باستمرار نحو نظام برلماني, وهذا الخلط هو السبب الرئيس لرفضي للدستور, أنا مع النظام البرلماني, ومسودة الدستور الحالية كُتِبَتْ دون أساس منهجي وفلسفي حديث تقوم عليه, فهو دستور مفصل على مقاس أزمة, بل إنه دستور أزمة في الواقع, ويمكن لمن يريد الاستئناس بمثال أن يرجع إلى رؤية مفكر دستوري فرنسي كميشيل مياي في العلاقة الواجبة بين دستور أي دولة ونمط إنتاجها, على سبيل المثال لا الحصر.
– ما أهم العيوب التي تراها في عمل اللجنة التأسيسية ومسودة الدستور الجديد؟
ويمكنني أن أحصر أربعة عيوب أساسية تنال من سلامة هذا الدستور وملاءمته لدولة بحجم مصر؛ العيب الأول يكمن في طبيعة التشكيل وعيوب منهج إدارته, فقد أُعيد تشكيل اللجنة على المنوال نفسه الذي كان سببا في حلها المرة الأولى. بل إن هذا التشكيل قد قام على مباديء غير دستورية. وأطاح بالمعايير الوطنية اللازمة لأي توافق وطني, فضلا عن استيلاء الأحزاب على نحو مختل النسب في اللجنة التأسيسية وهي محاصصة غير عادلة لا تمثل كل فئات الشعب, وفيها أحزاب ورقية, ضئيلة العدد والقيمة, وقد أدى هذا إلى تهميش عدد كبير من أطياف الشعب, وقد حذرنا في بيان جبهة المثقفين المستقلين الثاني إلى الخطأ الفادح من إقصاء الكتاب والمبدعين المصريين والمؤرخين والتشكيليين عن المشاركة في وضع الدستور, ذلك لأنهم الأولى بالتعبير عن روح الأمة المصرية, وتاريخها الممتد, كما حذرت جبهة المثقفين المستقلين -آنذاك- من خطورة تكرار أخطاء ثورات مصرية وعربية سابقة غضت الطرف عن إسهام الكتاب والمبدعين من شعراء وروائيين وتشكيليين ومسرحيين وأدباء, وغيرهم, مكتفين بالناشطين السياسيين في وضع معالم المرحلة القادمة, وذلك في ضوء الأهمية التي باتت تحتلها الثقافة الآن, لكن الرئيس لا يسمع, ولا يهتم بالثقافة ولا بالمثقفين, بالإضافة إلى أن التشكيل يشغله عدد يزيد على خُمس اللجنة جاءوا من السلطة التنفيذية ومستشاري الرئيس. فضلا عن أن مبدأ الاختيار ذاته قد شابه طابع طائفي.أما العيب الثاني فقد وضحناه من قبل وتمثل في طبيعة الرؤية الحاكمة لكتابة الدستور, والعيب الثالث يرتبط بالناخب في ظل ثقافته القانونية الحالية التي تزداد سوءًا يوما بعد آخر بسبب فساد جزء من الخطابين الثقافي والإعلامي الموجهين, وغياب حيدتهما, أما العيب الرابع فيتصل بإجراءات العملية الانتخابية المنتظرة ذاتها.
– وهل لديك إقتراح محدد للخروج من الأزمة؟
بداية أعتقد أن حكم الدستورية لو ترك لها إمكانية اتخاذه قبل محاصرتها من قبل قوى مدنية تنتمي إلى تيار الإسلام السياسي -بعد الإعلان الدستوري الأخير- سيكون حكمًا بحل اللجنة التأسيسية مرة ثانية, وهكذا.., وأرى أن الحل الأمثل لهذه الأزمة في حالة رفض المصريين للدستور في الاستفتاء القادم أو تراجع د. مرسي حقنا لهذا الاحتراب المكجتمعي القائم, يكمن في كتابة الدستور على مرحلتين, الأولى بوضع دستور انتقالي لمدة سنتين مثلا, ويمكن أن يكون الدستور الحالي مع تغيير مادة فيه تسمح له بذلك, أما المرحلة الثانية فتبدأ بإنشاء لجنة كبرى موسعة من مجالس إدارات كل النقابات المصرية المنتخبة, مهنيةً وغير ذلك, وهذه كتلة تمثل 40% من الكتلة التصويتية في مصر تقريبا, فإذا أضفنا إليها رؤساء اتحادات طلاب الجامعات المصرية, والمعاهد.. إلخ, وهذه كتلة أخرى ترفع نسبة التمثيل الديمقراطي إلى ما يقترب من 50% إلى60% من الكتلة التصويتية. فضلا عن ممثلين للأزهر والكنائس المصرية, وممثلا عن العقائد الأخرى, فإذا ما ضممنا إلى ذلك أعضاء مجلس القضاء الأعلى, وعددًا مختارًا من الشخصيات العامة, وعددًا متخصصًا من فقهاء الفكر الدستوري الحديث والمقارن بخاصة, فضلا عن رؤساء الأحزاب والحركات السياسية القائمة, فستتكون كتلة منتخبة من القاعدة, كتلة كبيرة وممثلة لأغلب فئات الشعب المصري وطبقاته وأطيافه تقريبا, يمكنها أن تضع الأفكار الأساسية التي يتفق عليها جماع هذه النخب المنتخبة,
ـ ألا ترى أن العدد حينها سيكون كبيرا جدا؟
لا لأنه من خلال هذه الكتلة نفسها يمكن انتخاب خمسين عضوًا منها مثلاً, لإكمال صوغ الدستور في شكله النهائي, وعرضه مرة ثانية على لجنته التأسيسة الموسعة, قبل طرحه للناقش في النقابات المصرية كلها, والاتحادات والأحزاب, وذلك للاستفتاء عليه من خلال توافق وطني شامل قائم تمثيله على قاعدة لم تستبعد فئة أو طبقة أو حزبا أو فصيلاً. في استطاعة د. مرسي أن يصدر تعديلاً ثانيا بهذا المعنى, فإذا كان التحصين في وجهة نظر مؤسسة الرئاسة ضروريا لرؤيتها أن هناك مخططا ما لتفريغ الدولة من مؤسساتها, كمجلس الشورى, واللجنة التأسيسية -بعد حل مجلس الشعب- فإنه قد كان من الممكن آنذاك أن يضاف تعديل دستوري جديد بإضافة عدد كبير من الأعضاء المنتخبين في نقاباتهم واتحاداتهم وأحزابهم, وفق اقتراحي السابق, دون تدخل أية جهة بما فيهم الرئيس نفسه, لأنهم منتخبون من قواعد سياسية وشعبية وطلابية ونقابية وسياسية, وهذا كفيل في حد ذاته بالمحافظة على ما أنجزته اللجنة التأسيسية من جهة, فضلا عن مشاركة قوى ممثلة لكتل انتخابية حقيقية تجاوز 70 – 80% من أعداد الناخبين الفعليين من جهة أخرى, دون المرور بخطر هذا الانقسام الذي أحدثه د. مرسي بإعلانه الدستوري, وبدعوته للاستفتاء التي تشهد معارضة متنامية من قوى سياسية كثيرة لأسباب شخصية وموضوعية, ومنها قوى فلول ومفاصل نظام قديم, وهي قوى متربصة على الدوام, لها أذرع إعلامية مؤثرة, بل تملك أهم خمس قنوات فضائية يراها المصريون الآن.
ـ هل تتوقع حدوث حرب أهلية بين المصريين بعد الدماء التى أريقت أمام قصر الإتحادية؟
لا أتوقع حرب أهلية لأن فكرة الأم فى الوعى المصري هى الأم المتسامحة مهما وصل العنف بين المصريين وأكبر دليل على ذلك على رفض الشعب المصري لهذا العنف ولإراقة الدماء لأننا لسنا جزائر ولا العراق ،وبعد هذا الواقعة لابد أن نعترف أن أسهم الإخوان فى النازل ،فالفترة القادمة سوف تشهد تراجعأ فظيعأ للإخوان ولبعض الرموز السياسية والثورة ستعرى الكل أمام الشعب المصري وهذا سر عظمتها وإستمرارها ،ولابد أن أنبه إلى أن الغباء من الطرفين سواء الإخوان أو القوى المدنية لأنه غاب عنهما النضوج السياسي فى التحرك ومعالجة الأزمة
ـ هيكل فى حواره الأخير مع إحدى القنوات الفضائية قال نحن نعرف على ماذا نعترض ولكننا لا نعرف ماذا نريد …هل تتفق معه على فقدان بوصلة معرفة ماذا نريد ؟
أختلف معه طبعا لأن من عنده هدف واضح يعرف ماذا يريد ومن يملك الموقف يعرف ماذا يريد وكثير من الثوار تعرف ماذا تريد وإلا لما كانت تعترض
ـ هل تتفق مع بعض الإعلاميين الذين أكدوا ان مصر كبيرة قوى على مرسى ؟
لا أحسبها بهذا الشكل مرسى لأننى أحتكم للعبة الديمقراطية فما دام جاء عبر الصناديق فلا داعى لتلك الحسبة وإسقاطه سيدخلنا فى نفق مظلم لأن أى ليبرالى قد يأتى سوف يكون له نفس المصير من قبل الإسلاميين نحن لابد أن ندعو إلى تعديل مسارمرسي لعدم تحصين قراراته حتى يكون هناك دولة قانون ولا يكون هو فوق القانون
ـ ولكن البعض قال أن أمريكا تقف وراء مرسي وهى من منحته القوة للقيام بالإعلان الدستوري كمكافآة على تدخله كشريك فى إحداث الهدنة بين حماس وإسرائيل وأن تأييدها له لتحقيق بعض الهدوء فى منطقة الشرق الأوسط الملتهب؟
عيب أن نردد هذا الكلام الذى يصور أن أمريكا تآمر ثم تطاع فيأتي الإخوان وكأن الشعب المصرى ليست له إدراة .هذا الشعب يعرف مصالحه جيدأ ومصرلا تمللك التخلي أبدأ عن ثورتها مهما حدث ،وما يحدث مقدمات ثورة جديدة لأن الثورة يبدأ تآثيرها الفعلى حيث تكون ثورة ثقافية ولم تتحقق حتى الآن الثورة الثقافية لأن مرسي غافل عن الملف الثقافى ومن ينظر إلى الثورة البرتقالية التى إندعلت فى “أوكرانيا ” منذ عام 2004 ومازالت مقدماتها مستمرة وما نعيشه فى مصر مقدمات ثورة
– أعرف أنك كنت مرشحا لحقيبة وزارة الثقافة في حكومة عصام شرف الثانية من إتحاد شباب الثورة ومن أعضاء في الائتلاف, ورفضت الترشيح؟ لماذا؟
نعم, كان ذلك حين رُشِّحَت مجموعة قيادات جديدة من المنتمين إلى الثورة تاريخًا وممارسة وثقافة, منهم من قبل, ومنهم من رفض ولكل أسبابه, لكنني اعتذرت, فقد كانت لدي ظروف خاصة منعتني من قبول الترشيح, فضلا عن أنني كنت مقتنعا – حينئذ- بأن د.عصام شرف عضو لجنة السياسات الذي أتي بموافقة المجلس العسكري, هو الحصان الأسود الذي راهن عليه – الحزب الوطني بعلمه أو دون ذلك- لكبح عنفوان الثورة, وتحويلها إلى حركة إصلاحية, ذلك دون أن يعي أعداء الثورة أنها في حراكها الحاشد, وملايينها التي نادت بسقوط النظام البائد, قد أفصحت على نحو قاطع لا رجعة فيه عن إصرار شعب مصر على التغيير الشامل.
ـ لو كنت قبلت الترشيح, ما أول قرار كنت ستتخذه كوزير ثقافة؟
كنت سأتخذ حينها ثلاثة قرارات فورية: القرار الأول هو محاسبة وزراء الآثار والثقافة السابقين, وفتح ملفات الفساد, وتحويلها إلى النائب العام, خصوصا ما يتعلق منها بالآثار ودار الكتب والوثائق القومية, هذا بالإضافة إلى تصعيد الشرفاء نظيفي اليد والسلوك, فهناك مسئولية تقصيرية يتيحها القانون لكل هذا الإهمال والفساد على مدار عقود ثلاثة, ولم يزل الوضع على ما هو عليه حتى الآن, فلم يتغير شيء في كل مؤسسات وزارة الثقافة المصرية وهيئاتها ومجالسها, دون استثناء واحد.
أما القرار الثاني فهو إقامة مؤتمر المثقفين المستقلين الذي انتهينا من وضع جميع محاوره من قبل حين كنت منسقا عاما لهذا المؤتمر في العهد البائد, مع لجنة تحضيرية تضم الإتجاهات الوطنية كافة مثل الأصدقاء أبو العلا ماضي, د. عمار علي حسن, أمين اسكندر, رفعت سلام, مهندس أحمد بهاء شعبان, محمود قرني, جمال فهمي…إلخ. وناقشنا فيه ما يزيد على 250 مثقفا من خيرة مثقفي مصر ومفكريها. وقد كنا قبل الثورة بيومين مجتمعين في مكتب مهندس أبو العلا لوضع المسودة النهائية لبيان تأسيس الحركة, ولمؤتمرها, ولما قامت الثورة تأجل هذا السياق قليلا, لإشتراكنا جميعا فيها من يومها الأول, لكننا مصرون على إكمال هذا المؤتمر قريبا إن شاء الله في إطار الجبهة المصرية للثقافة والتغيير. ومهمة هذا المؤتمر هو نقد السياسات السابقة من أجل وضع اقتراحات عملية على الواقع لإعادة هيكلة كل مؤسسات الوزارة في إطار مشروع ثقافي قومي شامل, وهو القرار الثالث الذي سيكون من نتاج هذا المؤتمر. فلا مناص من وضع استراتيجية ثقافية قومية شاملة لها مهمات واضحة تقوم على تنفيذها مؤسسات وزارات الثقافة المختلفة, مع توزيع الأدوار -على المستوى العملي- بين هذه المؤسسات بآلية تقوم على التعاضد لا التقاطع, من أجل طرح ثقافي جاد ومعبر عن قضايا المواطن المصري المعاصر بكل أبعادها, على ألا تقوم الاختيارات الاستراتيجية لهذه المؤسسات على ذوق الأفراد المنوط بهم تنفيذها بل على خطة واضحة بعيدة المدى لها قدر من الثبات والمصداقية دون إغفال الإهتمام بالهامش الثقافي. وهذا يعني اتساع مسئولية الثقافة لتكون مسئولية مجتمعية لا مسئولية وزارة أو وزير.
ـ ماهو رأيك في أداء وزير الثقافة الدكتور صابر عرب؟
أنا لا أتكلم عن أفراد, ولن أخوض كذلك في ملابسات أخذه لجائزة الدولة التقديرية التي لا يستحقها, وكيف تحقق له ذلك, وهي سياقات معروفة للجميع, أستاذ صابر عرب لا يعرف المثقفين, ولا يعرفه المثقفون, أتي ومعاونوه من أروقة نظام مبارك الفاسد, ولا نتوقع لوزارة الثقافة وغيرها من الوزارات التي لم تمسها يد التطهير الإداري الفشل المريع؛ وزير الثقافة كمن سبقوه, بل إن وزارته تفتقد أية رؤية استراتيجية تستهدف وضع الثقافة المصرية في مكانها اللائق عربيًا ودوليًا, بعد أن اهتم القائمون على إداراتها بالشكل والمهرجان والفرد, على حساب المضمون والأثر والجماعة. لا أهمية تُذكر لأي نشاط ثقافي تقوم به وزارة الثقافة, على المستوى الاجتماعي. بل يشهد أداء المؤسسات الثقافية في ظل استمرار السياسات الثقافية والإعلامية والتعليمية السابقة للنظام البائد, أعلى معدلات التخبط والارتباك, وذلك بعد أن فقدت قدرتها على القيادة, ومصداقيتها معًا. ويكفي أن ينظر المواطن إلى وزير الثقافة المصري وهو يفتتح مهرجان السينما بمشاركة 66 دولة! وسأغض الطرف عن فضائح التنظيم, في ظل حراك مجتمعي كان يجب أن تقوم الوزارة فيه بكل مؤسساتها لتعرف الناس بالدستور الذي سيستفتون عليه عبر تنظيم ندوات عنه كي يُفهم سبب من أسباب فشل حكومة هشام قنديل سواء في أدائها السيء, أو اختياراتها الكارثية, التي باتت تثير عند جموع الثوار والحركات السياسية والمثقفين علامات استفهام كثيرة, ويكفي أن ينظر المواطن المصري إلى ثمانية وزراء من فلول نظام سابق, وأزلامه, في حكومة قنديل الذي اتهمه الإعلام من قبل بأنه كان عضوا في الحزب الوطني! أو متعاونا على أقل تقدير, كي يعرف سبب فشل أداء الرئيس مرسي, على مستوى الإدارة الإستراتيجية والأداء الفعلي, أنا أنصح مؤسسة الرئاسة بأن تقرأ ديوان مظالمها لأن ما فيه يمثل نبض الشارع المصري الذي غفل عنه, ولأن ما فيه من الآراء والإقتراحات المخلصة في المجالات كافة, ما هو كفيل بإنقاذ نظام مبارك الفاسد نفسه من السقوط, هذا لو قرأ السيد الرئيس ما يرسل إليه من مفكرين ومبدعين وساسة, بدلا من أن يتركها لموظفين وإداريين لا ينقصهم غياب المعرفة بالأفكار, والجهل بمكانة أصحابها من مثقفين ومفكرين. لم يتغير من الواقع الثقافي شيء حتى الآن– ولا نتوقع له ذلك إذا لم يتم الإلتفاف الجمعي حول مشروع ثقافي قومي- تتبناه على نحو تكاملي وتآزري مجموعات وزارية متكاملة- سواء على مستوى الرؤية أو مستوى الإدارة. هذا التحليل يشير مباشرة إلى اقتضاء القيام بثورة ثقافية, مصر في أشد الحاجة إليها الآن, حتى لو لم تتخذ هذا الاسم, وهذا ما لا يمكن البدء به دون التخلي عن السياسات الثقافية السابقة, وسلوكياتها, وأدواتها التنظيمية, ورموزها, وذلك من أجل البحث عن أفق ثقافي جديد على مستويي الرؤية, والمؤسسة, والقيادة, أفق يلبي الحاجات العاجلة للمجموع الوطني.
– بعد ما يزيد على تسعة عشر مؤلفًا شعريا ونقديا وفكريا وترجمة, ما مشروعك الإبداعي والفكري القادم, وماذا تكتب هذه الأيام؟
ارتحت قليلاً من عبء مقالي نصف الأسبوعي في الأهرام, وهذا أعادني إلى الشعر بعد انقطاع أرهقني على المستوى النفسي, أشعر ببعض السعادة لأنني أكملت ديوانًا جديدًا “في يوميات الثورة”, وأراجع الآن كتابي الفكري عن “العولمة, وصناعات الهوية”, وهناك كتاب نقدي تحت الطبع هو “بلاغة اللاوعي الإبداعي، الشعر نموذجًا”. وأنقح ترجمتي التي ظلت في الأدراج سنوات طويلة لكتاب مستشار الأمن القومي الأمريكي نوم تشومسكي, “مشكلات المعرفة والحرية”.
– ماذا عن مشروعك القومي للثقافة الذي أرسلته إلى الرئيس؟
لم يحن الوقت بعد للحديث عن ذلك, وكشف ملابساته, ربما أنشر مراسلتيّ إليه في الوقت المناسب, وردود فعل المؤسسة الثقافية الصبيانية على ذلك, ولكن يمكنني القول إن الملف الثقافي هو عماد هذه الثورة التي لن يشتد عودُها إلا به. بل إن أي إهمال للملف الثقافي, أو وضع هذا الملف الشائك في أيدي فلول نظام سابق سيؤدي إلى كارثة على أكثر من مستوى. فلم نزل حتى الآن واقعين تحت ظل مناخات ثقافية وإعلامية وتعليمية فاسدة, لم تتغير حتى الآن, ففقدت مصر جزءًا كبيرًا من قوتها الناعمة, علي المستويات المحلية والعربية والدولية, وهذا ما دفع بأصوات ثقافية وإبداعية وفكرية ونقدية مؤثرة ومهمة إلي مقاطعة النشاط الثقافي الرسمي, ومهاجمة الفساد في وزارات الثقافة والآثار والإعلام والتعليم العالي وغيرها, وفي سلوك موظفيها الكبار, وفي أنشطتها ومؤسساتها, وهي أصوات مازالت مستمرة في مقاطعتها بعد الثورة أيضًا, معبرة عن احتياج مجتمعنا الي حركة ثقافية قوية قادرة علي مواجهة الفساد الاجتماعي.
– هل تود في قول كلمة أخيرة لم تتطرق إليها أسئلتي؟
أشير في نهاية الحوار إلى ثلاث نقاط, الأولى هي إن رئاسة د. مرسي هي اختبار تاريخي لقدرة ما يطلق عليه الإسلام السياسي, على القيام بنهضة حقيقية تحترم الاختلاف وتلتزم بالديمقراطية, وتؤمن بالمساواة, وتؤكد في سلوكها السياسي معايير المواطنة, هذه الفترة تمتد –أربع سنوات- وهي في الحقيقة ليست اختبارًا للدكتور مرسي فحسب, لكنها اختبار لطرحه ومنهجه, هي مأزق حقيقي له, ولرؤيته السياسية, وستؤثر السنوات الأربع القادمة على أية تجربة قادمة في حكم مصر تقوم على أساس إسلامي. في هذه الظروف يكون للملف الثقافي أهمية استراتيجية مضاعفة, فلن تحسم ثورة يناير معركتها قبل التفات مؤسسة الرئاسة إلى الملف الثقافي الشائك في مصر, وهو ملف أكبر من وزارة الثقافة ومن قدرة القائمين عليها. وأقول لكل من عملوا في مواقع قيادية في النظام البائد, ولبطانتهم التي باتت تحتل مواقع قيادية الآن, لا مكان لكم, خذوا حقائبكم وارحلوا. وأقول للسيد الرئيس –إن معك الشرعية الآن لبدء ثورة ثقافية تقود المجتمع إلى هويته المتخيلة, بدلا من دفعه إلى احتراب يقوده إلى نفق مظلم- إن تأخر ثورة يناير المجيدة عن تحقيق أهدافها, سيكون بسبب فشل حكومتك في وضع مشروع شامل وحقيقي لاستراتيجية ثقافة قومية, وسيقيمها هذا الشعب لو تأخرتم عن ركبها.
النقطة الثانية هي حاجة المصريين إلى حوار مجتمعي واسع, حوار ثقافي الرئيس غير مؤهل لأن يلتفت إليه –بسبب ضيق نظرته إلى الثقافة ودورها- فكل الاقتراحات التي يوجهها إليه مفكرون مخلصون تذهب إلى موظفين ربما يجهلون ما يقع تحت أيديهم من أفكار, الثقافة هي الأداة الوحيدة القادرة على دعم حوار وطني واسع, لكن هناك قوى سياسية –وأزلام نظام بائد- من مصلحتها استمرار الأزمة في ظل نعرات عقدية تشعلها من حين لآخر.
النقطة الثالثة هي أن الشعب المصري الآن لا يملك ترف التخلي عن ثورته حتى تتحقق جميع أهدافها, وأية محاولة لتحويل الثورة إلى حركة إصلاحية من
أي فصيل سياسي هي خيانة لأهداف الثورة ولدماء شهدائها. ثورة يناير مستمرة حتى يتحقق نصرها, وستجدد الثورة نفسها ثانية عند كل مرحلة فارقة, كما فعلت الآن, هذا هو ما يقود إليه التحليل العميق للمعيش, لقد أثبتت هذه الثورة العظيمة أن لها نوافذ جديدة تتفتح كل يوم, ستبتلع الثورة أعداءها, حتى لو ظنوا احتجابها, لأنها من فوق صفحة النيل ستظل قائمة كالشمس التي إن أشتد نورها احتجبت, فكان نورها حجابًا لنورها!