ما الذي سيحدث للمجتمع ؟؟


لطفية الدليمي *

 



تلتحم عناصر ومكونات مجتمع ما بواسطة مفردات ( ثقافته ) الأولية وتشكلاتها المستقرة وما تضيفه ثقافته المكتسبة المتجددة التي تستفيد من العناصر الاولية وتوظفها وتطورها ثم تتخطاها في انفتاحها عل العالم وتأثرها بمستجدات الفكر والفلسفة والابداع ، وتبرز انجازات كبرى في مجال الاداء الابداعي لكل مجتمع حين يقترب الأدب من الفيزياء والفن والعمارة والموسيقى ويتمثلها المبدع في تخييله الروائي او الشعري او ادائه الفني الجمالي …
و كلما ضعفت ثقافة مجتمع ما وتكلست وهيمنت عليها معطيات ثقافات ثانوية متحجرة – تمزقت وشائج ذلك المجتمع ونزع نحو القطيعة وتحولت مكوناته الى جزر معزولة – لفقدانه المادة اللاصقة التي تفرزها الثقافة العامة المتجددة والمحايثة للكشوفات العلمية ونتائج البحوث الاجتماعية وبحوث الابداع والفن التشكيلي والعمارة والموسيقى ، ففي مجتمعنا الذي حرمته الصراعات الأيدلوجية والحروب والديكتاتوريات من الاهتمام بالتطور وحددت توجهاته وأحلامه ومساعيه لعقود طويلة في الحصول على الحاجات الأولية حسب من أجل للبقاء على قيد الحياة كمثل الكائنات الأخرى – لتسهل الهيمنة عليه كقطيع مجوع محروم من كرامته الإنسانية وأحلامه وتوقه لتمثل وهضم معطيات الحضارة المعاصرة فحالت بينه وبين الاتصال بالعالم الخارجي المتنعم بالكشوف الحديثة وحجرته في حظيرة الفعل الحياتي البدائي الذي يعرقل الوعي ويحيّد العقل بل ويوظفه في التنافس الوحشي على اللقمة والمادة والفوز بفرص البقاء على حساب حرمان الآخرين وموتهم، ومجتمع كهذا سيكون عاجزا بالضرورة عن الإتيان بمنجز ثقافي مشهود على مستوى العمارة والأدب والفن التشكيلي والموسيقى إلا في حالات فردية محدودة لا يقاس عليها بل ويجري تجاهلها وعدم الاعتراف بها ..
ماذا يحدث لو أقدم عراقيون من تخصصات مختلفة : معماري وكاتبة ومؤلف موسيقى وفيزيائي ورسامة مثلا على التفكير بمشروع معماري وفني حضاري تتضافر لتنفيذه صنوف الابداع المختلفة ؟، ترى هل ستتاح لهؤلاء المبدعين فرصة تحقيق مشروعهم المتكامل؟ وهل ستسندهم مؤسسات بلادهم؟؟ او تستجيب لهم حكومات اوطانهم ؟؟ لا أظن ان شيئا مثل هذا ممكن الحدوث في مجتمع كمجتمعنا العراقي المهشم الذي تتعمد السلطات حرمانه من الكهرباء والبيئة النظيفة والرعاية الصحية والأمان لأجل ان تحوله الى قطيع عاجز عن المبادرة ، فالإبداع العلمي والفكري لا يتحقق إلا في مجتمع مؤمن بالتقدم والتطور ، تعامل فيه الكفاءات الإنسانية باعتبارها ثروات وطنية لا أن يعد أصحابها أعداء للسلطة لأنهم من طائفة او عرق أو فكر سياسي يخالف فكر الحاكم وحزبه.
لقد تصدى مبدعون عراقيون في خارج العراق الى استنباط تطبيقات في الفن مؤسسة على نظريات علمية ومثالنا الفنان والمفكر الراحل محمود صبري في طرحه لنظرية (واقعية الكم) معتمدا فيها على نظرية ( ميكانيكا الكوانتوم ) التي قال بها عالم الفيزياء موريس بلانك وطورها آخرون بعده وطبقها صبري في الرسم وقدم أعمالا فنية كثيرة اثبت عبرها تشابك الفن مع النظرية الفيزيائية وقد اثبتت تجارب العلماء ان الوعي الإنساني يعمل ضمن ( ميكانيكا الكم ) في إطار العمل العقلي وعلاقته بالزمن..
وأنه بوسع للعقول العبقرية المزاوجة بين الإبداع الأدبي والفني والنظريات الفيزيائية المجردة، فالعقل البشري الحر دائم الابتكار لانه لا يتوقف عن التساؤل والتجريب والشك ولا يسلم بوجود حقائق ونظريات ثابتة ونهائية في العالم بينما يذعن العقل الجاهل لما يمليه عليه المتسلطون والمتحكمون بمسارات حياته في نوع بليد من الاتكالية والانصياع المذل وفقدان القدرة على اجتراح المبادرات ..


 


( المدى )

* أديبة من العراق تعيش في عمان




شاهد أيضاً

رِسَالةُ ودٍّ إلى شَاعِرٍ صَديقٍ وَدُود

(ثقافات)   رِسَالةُ ودٍّ إلى شَاعِرٍ صَديقٍ وَدُود د. محمّد محمّد الخطّابي *   أيها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *