جلال أمين: قصة التنوير في بلادنا محزنة..!

جلال أمين: قصة التنوير في بلادنا محزنة..!

حوار‏-‏ محمود القيعي

 

عندما  طرح د. جلال أمين سؤاله الشهير ” ماذا حدث للمصريين” كان يرجو تشخيص عدد من العلل التي أصابت المجتمع المصري، بقدر ما كان يرجو وضع الترياق لها ، وكان عملا من أهم أعماله.

وإذا كان هذا الكتاب قد اكتسب أهمية كبيرة من ربع قرن، فإن أهميته الآن تكون أضعافا مضاعفة، فالعالم كله وبعد ثورة يناير يتساءل : ماذا حدث للمصريين؟

جلال أمين في هذا الحوار يواصل ما بدأه بدأب محاولا فهم طبيعة التطور الذي حدث في المجتمع المصري في الربع قرن الأخير، معرجا على قضايا فكرية حيوية، منها الفرق بين التنوير الزائف والتنوير الحقيقي، ناعيا على عدد من المفكرين انبهارهم بمنجزات العقل الغربي واحتقارهم لمنجزات العقل العربي.

وأكد في حواره أن مشكلة مصر ليست في الفقر، بقدر ما هي في تلك الازدواجية التي تجعل من المجتمع الواحد مجتمعات متفرقة.

جلال أمين لا يراهن علي شيء الآن مثل رهانه علي الشباب المصري، ولا شيء يخرجه من إحباطه إلا محاورتهم والاستماع إليهم.

تكلمت في كتابك” ماذا حدث للمصريين” عن تطور المجتمع المصري في نصف قرن من 1945 وحتى 1995 برأيك ما الظواهر التي طرأت على المصريين بعد ذلك ؟

هذا سؤال صعب، وسأحاول أن ألتقط معالم الإجابة الأساسية،فالكتاب المشار إليه نشر سنة 98 ولكنه ظهر في البداية كمقالات ابتداء من أوائل التسعينيات، والحقيقة أن الفكرة الأساسية فيه وهي أهمية الحراك الاجتماعي خطرت لي في منتصف الثمانينيات، ثم بدأت أفكر في هذا المنحى (أهمية الحراك الاجتماعي في تفسير ما طرأ على المجتمع المصري) وفي الـ 25سنة الأخيرة حدثت أشياء مهمة جدا قد توحي بأن الفكرة لم تعد صالحة، ومع ذلك ما زلت أعتقد أن الحراك الاجتماعي عامل مهم في تطور المجتمع المصري مثل أي مجتمع،وأن الحراك الاجتماعي الذي مرت به مصر في الخمسين سنة ماضية هو أهم عامل في تشكيل المجتمع المصري وخلق المشكلات التي يعانيها.

ودعني أتساءل:هل توقف الحراك الاجتماعي في السنوات الثلاثين الماضية؟ لا لم يتوقف ، ولكني أستطيع أن أؤكد أن معدله انخفض جدا،ابتداء من منتصف الثمانينيات ، وأسباب ذلك كثيرة منها أن معدل التنمية نفسه انخفض، وكذلك معدل الهجرة إلى الخليج ، وأن معدل ايجاد فرص جديدة للعمل تدهور،وبالتالي انخفض معدل الحراك الاجتماعي- الذي يمكن تلخيصه في القول بأن شرائح من المجتمع كانت في أسفل السلم الاجتماعي فصعدت، وشرائح أخرى كانت في أعلى السلم وهبطت،فنمت بسرعة الطبقة الوسطى ،كل هذه التغيرات تباطأت بشدة منذ منتصف الثمانينيات.

ولكن طموحات الناس( أي الأمل في أن يغير المرء طبقته ويصعد لطبقة أعلى) ما زالت عالية ، وهذا يخلق توترات رهيبة،وقد بدأ هذا يحدث بشدة في السبعينيات مع بداية الانفتاح الاقتصادي والهجرة الى الخليج، واستمر الحراك بعد ذلك بسبب استمرار الانتشار في التعليم ،وانتشار الجامعات في المحافظات، كما أن وسائل الاعلام لم تتوقف عن إثارة تطلعات جديدة، وكذلك زيادةالاتصال بالعالم وسفر الشباب الى الخارج وقدوم سياح، كل ذلك يخلق طموحات جديدة، فإذا اقترن نمو الطموحات السريع بتباطؤ التنمية تصبح لديك مشكلة عويصة جدا .. آمال لا تتحقق، طموحات تخيب، آباء كانوا معلقين الآمال على أبنائهم لينتشلوهم من طبقتهم الدنيا، فضاعت الآمال.

نستطيع أن نتصور الناتج التي لابد أن تترتب على هذا، وهذا ما حدث بالفعل، ويفسر الكثير مما نعانيه الآن.

-وهل لهذا الانكسار في طموحات الناس آثار ملحوظة؟

أعتقد أن ما أسميه الهوس الديني كان نتيجة لكل هذا الانكسار، ولا أقول إن هذا هو السبب الوحيد، ولكنه سبب مهم. فعندما تأتي معلمة لتقص شعر طالبة طفلة،فهذا يدل على توتر نفسي، وهذا ليس مجرد تطرف ديني ، والتوتر النفسي لابد من بحث عوامله الاقتصادية والاجتماعية،

أضيف إلى هذه النتائج انتشار الجرائم ،و التحرش الجنسي ،وكذلك انتشار الفساد له علاقة بهذا، لأن من الفاسد المنتمي إلى المستويات الدنيا من المجتمع هو رجل لم يحقق طموحاته بطريقة شرعية، فيلجأ إلى طرق غير مشروعة، وهذا هو الفساد.

وسط كل هذا التردي الذي يسود المجتمع على جميع الأصعدة، ألا تخشى من انتكاسة كبرى لا تبقي ولا تذر؟

الانتكاسة حدثت فعلا،ألا تكفيك الحوادث نفاجأ بها كل يوم ، وأن نصدم كل يوم بخبر سيئ؟ ما هي الانتكاسة إن لم تكن كل هذا ؟

أزمة الحرية عندنا أزمة مجتمع أم أزمة حكم؟

أزمة الحكم هي نتيجة لأزمة المجتمع،إذن أزمة الحرية نتيجة للأمرين معا .

بمناسبة الحديث عن الهوس الديني، هل يمكن أن يحول التدين الحقيقي بيننا وبين التقدم؟

لا يمكن، و سؤالك يتضمن الإجابة. التدين الحقيقي لا يمكن أن يكون مضرا،وإلا لما كان حقيقيا، التدين الحقيقي لابد أن يكون مفيدا،لأن معناه هو الورع والتقوى النابعان من القلب، وليس التظاهر بهما، والورع والتقوى يعطيانك قوة دافعة للتقدم، والقرآن الكريم والأحاديث النبوية مليئان بالدعوة للتقدم ، دون أن يذكرا بالطبع هذا اللفظ ، ومليئان بالدعوة لتحسين أحوال الناس ماديا ومعنويا ودينيا واجتماعيا.

تقول في أحد كتبك” معدل التسارع في عملية التغريب وثيق الصلة بمعدل التغير الاجتماعي والاقتصادي”؟

التغريب كلمة معقدة تشمل أشياء كثيرة ، فهناك تغريب الاستهلاك وتغريب الانتاج، وتغريب السلوك وتغريب الفكر، التغريب الذي حدث في مصر منذ السبعينيات كان للأسف تغريبا استهلاكيا أكثر من أن يكون إنتاجيا،فللأسف أخذنا منتجات الغرب( ماكدونالدز، والسفن أب، والكوكا كولا) ولم ننقل طرق التفكير العلمي، واساليب الانتاج الحديثة، إذن ما الذي يمكن أن كنا ننتظره غير التدهور الحادث الآن في مختلف نواحي الحياة؟

في كتابك المهم” التنوير الزائف” قلت إننا انبهرنا بمنجزات العقل الغربي، واحتقرنا منجزات العقل العربي، كيف ترى أثر ذلك على الهوية ؟

موقفي في هذا لم يتغير ، ولكن لكل مقام مقال، فمثلا في سنة 70 نشرت كتابا في نقد الماركسية، وكان الماركسيون وقتها أي قبل وفاة عبد الناصر،يحتلون مراكز مهمة في توجيه الثقافة المصرية، وعندما جاء السادات أصبح الماركسيون مضطهدين، وعندئذ لم أعد نشر الكتاب، مع أنني لم أغير رأيي في نقد الماركسية.

وعندما كتبت ” التنوير الزائف” كان كثير من فصوله بمثابة احتجاج على الانفتاح الذي دشنه السادات، فالسادات سار في اتجاه التغريب بسرعة وحماقة، ونتجت عن ذلك نتائج رهيبة جدا. ولننظر مثلا إلى التليفزيون، ستجد أنه كان أفضل كثيرا في عهد عبد الناصر منه في عصر السادات ومبارك ، في هذه الفترة كنت منزعجا بشدة من خطر التغريب، الآن الخطر الأساسي ليس في نقل أفكار من الغرب،بقدر ما هو خطر الغيبوبة الفكرية التي نعيشها، أو ما أسميه الهوس، والبعد عن العقلانية .

يتشدد البعض فيما يتعلق بحرية الابداع، في الوقت الذي يسكتون فيه إذا أسيء استخدام الحرية؟

نعم حرية الابداع مطلوبةبرغم أنني لا أحب كلمة إبداع، لأنها تنطوي على غرور، وكأنك ستخلق شيئا من العدم، ولكن الحرية يمكن أيضا أن تستخدم استخداما سيئا، والحرية يجب ألا تترك من دون قيود.

وأذكر أن مجموعة من الشباب في انجلترا نشرت مجلة منذ نحو 40 سنة تضمنت إساءة الى السيد المسيح ، فقامت الحكومة بمصادرتها،فرفع الشباب قضية باسم حرية الرأي، فحكم القاضي بأن هناك حدودا لحرية الرأي، وأيد قرار المصادرة.

وأعطي مثالا آخر من بلادنا، فعندما كتب حلمي سالم تلك القصيدة السخيفة فنيا وفكريا( شرفة ليلى مراد) وقامت إحدى مجلات وزارة الثقافة بنشرها، كتبت ضد نشرها وضد القصيدة، وعاتبني البعض استنادا إلى مبدأ حرية الفكر.

أما الآن ، وبرغم أنني لم أغير رأيي في حدود حرية الفكر،فإنني أعتقد أن الخطر الأساسي الآن هوفرض قيود أكثر من اللازم على الفكر المصري.

نموذج د. محمد الغمراوي الذي كان مثالا للمفكر التنويري و العالم المعتز بتراثه والذي رد ردا مفحما على كتاب د. طه حسين “في الشعر الجاهلى” .. أيمكن أن يتكرر هذا النموذج؟

سؤال لم يسأله أحد لي من قبل، وفي الواقع أنني أحببت د. الغمراوي لسببين: الأول ما كتبه أبي عنه في كتاب ( حياتي) قائلا عنه ” إن أصدقاءنا كانوا يرهبونه في طربوشه أكثر مما يرهبونني في عمتي”

السبب الثاني لحبي للدكتور الغمراوي هو رده العلمي البليغ على طه حسين،برغم حبي الشديد أيضا لطه حسين وتقديري له، الا أنني لا أتعاطف مع كتابه ” في الشعر الجاهلي”

أما عن المناخ الذي أنتج الغمراوي، فلننظر في الفترة التي كان يكتب فيها وهي فترة العشرينيات والثلاثينيات، وهي الفترة التي كانت فيها الطبقة الوسطى المصرية في أحسن أحوالها، والغمراوي كان يكتب لهذه الطبقة ويقرأ لهم .

الطبقة الوسطى في هذه الفترة كانت رائعة: ذكية، منتجة، خالية من العقد، ومثقفة ثقافة عالية، وتقتبس من الغرب دون شعور بالذل، وعندها أمل قوي في المستقبل.

الطبقة الوسطى الآن يكثر فيها الجهل ، والعقد النفسية، و تقتبس من الغرب بمنتهى الحماقة، وليس لديها أمل كبير في المستقبل، إذن يصعب أن ننتج أمثال الغمراوي.

تقول في كتابك “التنوير الزائف” : “قصة التنوير في بلادنا تبدو قصة محزنة للغاية” لماذا؟

هذا صحيح، قصة التنوير في بلادنا قصة محزنة، التنوير في حد ذاته محمود ومطلوب، إذ من ذا الذي يكره النور، و يفضل الظلام؟ لكن منذ رفاعة الطهطاوي مرورا بالشيخ محمد عبد ه،و قاسم أمين، ولطفي السيد، وجيل أحمد أمين،و العقاد،و طه حسين،والحكيم، ومرورا أيضا بزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا ونصر حامد أبو زيد، وأخشى أن أقول إن مسار التنوير في مصر اتسم مع مرور الزمن بثقة أقل بالنفس، وافتتان أكبر بالغرب، وجهل أكبر فأكبر بالتراث، طه حسين مثلا رغم مهاجمته بشدة بعض جوانب التراث ، فإنه كان يعرف التراث أكثر مما يعرفه زكي نجيب محمود أو فؤاد زكريا مثلا.

إذن فقصة التنوير في بلادنا محزنة لأن التنوير أخذ مسارا هابطا.

الشيخ محمد عبده كان تنويريا قطعا، ولكنه كان أيضا أكثر ثقة بالنفس وبالتراث من جيل طه حسين والعقاد وأحمد أمين.

وسبب هذا الضعف الذي أصاب حركة التنويرفي بلادنا في رأيي هو فشل التنمية.

أما التنوير في الغرب فقد استمر برغم عيوبه لأن نموهم الاقتصادي والاجتماعي لم ينقطع.

ولكن نحن الآن نعاني شيئا مختلفا تماما، فقضيتنا الأساسية الآن ليست التنوير الزائف بقدر ما هي الاتجاه نحو الإظلام.

فقصة التنوير الآن هي مأساة التحول من تنوير زائف إلى ظلام.

كيف نميز بين التنوير الزائف والتنوير الحقيقي؟

انظر الفرق بين الشيخ محمد عبده وزكي نجيب محمود مثلا، من الذي كان لديه ثقة بالنفس أكثر؟ من الذي كان لديه ثقة بالتراث أكبر؟ من الذي كان يتعامل مع الغرب باحترام أكبر للنفس؟

المصريون شعب متدين أم متعبد؟

أعتقد أن التدين صفة حقيقية في الشعب المصري، ودعك ممن يدعون التدين، ولكن تكلم مع غالبية الشعب المصري، وقل لأحدهم مثلا : النهارده حر جدا” سيجيبك إجابة جميلة وهي” اللي يجيبه ربنا كويس” هذه الإجابة تنطوي على تدين وعلى حكمة في نفس الوقت.

كتبت عن ” الدولة الرخوة في مصر” ألا تخشى الآن مما يثار من تفكك الدولة وانهيارها؟

نعم هناك خوف من هذا الآن ، وأظن أن هذا من أخطر ما يواجهنا الآن، ولست وحدي في هذه الخشية، ولدى أمل أن يكون مثل هذا الخوف مبالغا فيه،لأن نتائجه لابد أن تكون فظيعة، وإذا حدث مزيد من تفكك الدولة المصرية، فسيكون هذا استمرارا لشيء بدأ منذ أكثر من 40 سنة.

السادات ارتكب أشياء سيئة جدا في هذا الاتجاه، باسم تحقيق الرخاء ، وكذلك باسم الحرية ولم نر أثرا لهذه أو ذاك.وأعتقد أن ضرب الدولة المصرية القوية آنذاك كان هو أحد الأهداف الرئيسية لحرب 67

في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الأمة والتي تستوجب جهدا استثنائيا جماعيا ، يلاحظ حالة من الاستقطاب الحاد والتربص بين الجميع، إلى أي شيء يمكن أن توصلنا هذه الحالة؟ وما المخرج؟

مشكلة مصر ليست هي الفقر بقدر ما هي الازدواجية، نحن لسنا مجتمعا واحدا، وإنما مجتمعات كل يتربص بالآخر، ولا يريد أحدها الخير للآخرين، وهذه الازدواجية أخطر من الفقر، لأن الفقر إن لم يصل إلى حدود متدنية جدا يمكن التعايش معه، ويمكن أن يعم السلام في ظله.

فالفقر سنة 1950 في مصر كان أفضل بكثير من الفقر الآن، برغم أن مستواه المطلق كان أسوأمنه الآن ومتوسط دخل الفقراء سنة 50 كان اقل كثيرا من متوسط دخل الفقراء الآن، لكن التوتر أشد والحقد،والجرائم أكثر، والشعور باليأس الآن أيضا أكثر انتشارا .

الاستقطاب ظاهرة سيئة للغاية ، وقد كتبت مقالا منذ فترة قصيرة أقول فيه: إن التحدي الأساسي أمام الرئيس الجديد، هو مواجهة هذه الازدواجية؟ أنا أدرك أن الامر ليس سهلا، وقطعا الحل لن يكون سريعا، ولكن لابد من بداية تهدئ اعصاب الناس. مجرد شعور الناس بأنك تحاول التخفيف من الازدواجية سوف يبعث بعض الطمأنينة في النفوس .

حادثة القطار الأخير في أسيوط، تنطوي على رمز لهذه الازدواجية، فالقطار السريع كان يحمل من بيت ركابه أفرادا من الطبقة الأعلى ماديا، الذاهبة لقضاء أيام في شمس الأقصر وأسوان، أما من يعبر الطريق فهم ينتسبون إلى الجزء الآخر من المجتمع ، وكأن هؤلاء دهسوا هؤلاء!

هل الإخوان بفكرهم الإصلاحي قادرون على النهوض بمصرأم أن المرحلة في حاجة للفكر الثوري؟

لست ادرى ما هو فكر الإخوان؟ وأنا في حيرة من امري: كل ما نعرفه عنهم أنهم يقولون إنهم يريدون تطبيق شرع الله، ولا أحد يستطيع أن يعارض هذا، ولكن عليهم ان يقولوا لنا: ما تفسيرهم شرع الله، وكيف يترجمونه إلى برامج في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتعليم والإعلام.. إلخ.

هناك من قال إن الإسلام اشتراكي، ومنهم من قال إن الاسلام رأسمالي، البعض يقول: اقطعوا يد السارق في كل الظروف، والآخر يقول : المهم أن توفر للفقير ” لقمة العيش”أولا . فليقل لنا الإخوان ما الأهم من وجهة نظرهم؟.

القوة الناعمة لمصر( الأزهر-و الكتاب – والسينما .. الخ) لماذا تراجع دورها؟

القوة الناعمة لا يمكن أن تغيب، لأنها جزء من صميم المجتمع،المسرح مثلا في مصر موجود دائما ،ولكن إما أن يكون لديك يوسف وهبي ونجيب الريحاني ،وإما يكون لديك مسرح يلبي رغبات السياح العرب.

الموسيقى موجودة دائما، ولكنها إما أن تكون موسيقى زكريا أحمد والسنباطي ، أو أن تكون موسيقى هابطة لا تصلح الا للرقص البدائي جدا.

وكل القوة الناعمة في مصر أصابها تراجع وترد ، والأسباب لا تبعد عما بدأت به وهي التوترات الاجتماعية الناتجة عن سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية.

أصلح الاقتصاد والسياسة ،ينصلح كل شيء : الفكر والعلاقات الاجتماعية والقوة الناعمة.

كيف ترى أثر الضغوط الاجتماعية المعيشية على مستوى وعي المصريين؟

حينما يشتد الفقر يغيب الوعي،وحينما يزيد التوتر الاجتماعي يصيب الناس نوع من الهوس والخبل، لأن المخ وثيق الصلة بالمعدة،والجائع لا يفكر أو يفكر في أشياء شريرة.ولا تستطيع أن تلومه، وهذا لا ينطبق على الجائع فقط، وإنما ينطبق ذلك أيضا على الشباب المحروم من الزواج،مثلا أو من وظيفة تليق بمؤهلاته، كل هذا يؤثر على الوعي.

لو كنت وزيرا للثقافة أو الاقتصاد أو التعليم، ماذا عسى أن يكون أول قراراتك؟

أول شيء أن ” أشيل ناس وأحط ناس”فلو كنت وزيرا للتعليم، لأتيت مثلا بمن يحسن اختيار الكتب المقررة على التلاميذ ،لأنه إذا كان هذا الشخص فاسدا، فسيصبح أقاربه هم المؤلفين، وقل مثل هذا عن الثقافة والاقتصاد، فأول قرار هو تغيير الفاسدين الموجودين في المناصب الأساسية، ولحسن الحظ مصر مليئة بالمخلصين والأكفاء في نفس الوقت،ولكن يجري استبعادهم بانتظام، حتى أصبحت القاعدة هي : لا تضع مسئولا صالحا في مكان مهم.

يرى البعض أن وجود وزارتين للثقافة والإعلام علامة من علامات النظام التسلطي؟

إني أفهم معنى هذا الاعتراض، وأستطيع أن أتعاطف معه،ولكن الغاءهما يجب ألا يكون الآن، لأنه بعد أي ثورة لابد أن تقوم الدولة ببعض المهام الأساسية، لأن الفساد طال عمره، وأنت تحتاج إلى وزارت تصدر القرارات المهمة لإصلاح ما فسد، وبعد ذلك يمكن الغاؤهما.

أخيرا هل تخاف على العقل المصري الآن؟

إني لا أشعر بالسرور ولا يعود إلي الأمل إلا عندما أرى الجيل الحالي من الشباب المصري ، هذا الجيل رائع بعكس ما يتصور الكثيرون،و برغم أنهم تعلموا في جامعات منخفضة المستوى، ويشاهدون تليفزيونا أقل مستوى حتى من هذه الجامعات ،ولديهم مشكلات اقتصادية رهيبة، ولكن عندما تتحاور معهم تجدهم مبهرين بذكائهم، وبثقتهم في المستقبل، وبما حصلوه من معرفة.وهؤلاء هم من سيحكمون البلد بعد 20 سنة،فلا أظن أننا يجب أن نبالغ في الخوف على مصر أو على العقل المصري.

( الأهرام )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *