هانم الشربيني*
أكتب هذا المقال وأنا أجلس أمام التليفزيون لمشاهدة أحداث قصرالإتحادية ، وعلى الهاتف أستمع لضجيج أمي التى تطالبني بعدم النزول للمشاركة فى الأحداث خوفا على حياتي، بينما فى يدي رواية الفيل الأزرق للكاتب أحمد مراد البارع فى التشويق والحاكي الغامض دائما ، وفى الخلفية تقف رأسي لا تستمع لأحد غير صوت الميدان الذى شاركت فى مسيراته الغاضبة أمس ،وسط نساء يرددن بغضب : يسقط يسقط حكم المرشد ، وبصوت مجروح : إرحل إرحل ، يرددن ذلك بقلب أم غاضبة فقدت إبنها أو بمعنى أدق بحرقة قلب يريد أن يرى مستقبل أبناءه المجهول، وسط النساء كان صوتي يقف بشعور الرقم صفر ،يريد أن يكتسب قوة الأرقام العددية الأخرى من البشر التى تقف بجواره ، كنت هاربة هناك من تعليمات خطيب أصدر فرمانه بعدم الذهاب للميدان، لنقف فى إنتظار عرس قريب يجمعنا ، لكن أقول لنفسى أين عرس الوطن ؟
أنا أفضل أن يرتدي الوطن فستان العروسة بدلا مني ،أن يبتهج وهو يتزوج من الديمقراطية ،ويحفظ كرامة مواطنيه ،وأن يحقق العيش العادل للجميع ،وألا تسقط حقوق الشهداءالطاهرة،العيش والحرية والعدالة الإجتماعية هى مبادئ نادت بها الثورة المصرية و لابد أن تتحول لمسار لايحيد عنه الوطن ،الذى دفع ضرائب كثيرة لينال عودة صوته اليه .
أكتب وقد كفرت برموز مصرية كثيرة سياسية ودينية ، والسبب ؟ أنني كنت أعتقد أن حديثهم لوجه الله لا لوجه السلطان ولا من أجل عيون الكراسى التى يجلسون عليها ،إعذروني لو سرقت عنوان كتاب الراحل الدكتور فرج فودة “الحقيقة الغائبة” لأفسر به أسباب هذا الضجر الفكرى الذى أصابني كما أصاب كثير من المصريين فى مقتل، والذى يقول فى مقدمته : النفس تأنس لما تهواه ، وتتعشق ما إستقرت عليه ،ويصعب عليها أن تستوعب غيره ، حتى لو تبينت أنه الحق ،أو توسمت أنه الحقيقة ، هذا الكلام ينطبق تماما مع الأزمة السياسية التى تعيشها مصر حاليا ،بل إنها ربما هى جوهر الأزمة ، وتفسير مجانى للداء الذى يعانى منه الرئيس محمد مرسى الذى فقد شرعيته بيده حينما عصف بالقانون ،واشترك معه فى جرمه حزبه “الإخوان المسلمون”،وجمعيته التأسيسية ،وفلول جماعته ،والمتعاطفين دائما مع الجالس على عرش السلطة ومفتاح صناعة القرار ؟ .
لا جدال أن الشعب المصري يريد ويستحق عملية دستورية تكون مفتوحة وشفافة وعادلة ولا تحابى أو تفضل مجموعة على أخرى، والديمقراطية تعتمد على مؤسسات قوية والحقوق والواجبات الهامة التى توفر المساءلة، والإعلان الدستوري يعصف بكل ذلك ؟والحل: الوضع الحالي فى مصر يشير إلى أن هناك حاجة إلى حوار بين جميع المصريين على وجه السرعة، وأن يكون الحوار ثنائى الاتجاه، ويتضمن إجراء تبادل للآراء يحترم اهتمامات الشعب المصرى حول هذه العملية الدستورية وجوهر دستوره،كلام نظرى جميل ،لكن ما الذى خلق المشكلة وجعل دم المعارضين يسيل دفاعا عن القانون ودولة العدل ؟: الإجابة ببساطة هم هؤلاء المنافقون الذين يقفون بين الشعب وأذن الرئيس المحاطة بهم وحدهم .
ليس هذا فقط فالنخبة المنافقة دائما تلعب دورا على مستوى الرأى العام وتؤثر فيه فمثلا ، عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة،الذى يدافع عن الجماعة أكثر مما يدافع عن نفسه ،فسر الأزمة فى مصر بقوله: إن ما يحدث ليس اشتباكا بين مؤيد ومعارض بل مناوشات بين حماة الشرعية والثورة وبين الثورة المضادة ومحاولاتهم الانقلاب على الشرعية، وأشار إلى أن هناك بلطجة سياسية يريدون اغتصاب السلطة وعزل رئيس منتخب، مطالبا الجميع بمحاصرة هؤلاء البلطجية وكشف الطرف الثالث ومن يضرب الرصاص الحي وعلي الشعب أن يقبض على هؤلاء ويقدمهم للعدالة، فى إشارة صريحة منه على سفك الدماء المصرى – الذي خرجوا من السجون ليحكموا بفضله- ، ولا يختلف الأمر عند الشيخ محمد حسان الذى له تأثير كبير على قطاعات عريضة من المصريين البسطاء والذى يظهر لهم دائم بوجه السماحة والفضيلة ولا يدرون شيئا عن قصره الفاخر وسيارته الفارهة فهو يبدو دائما المتقطع من فرط حرصه على نيل الجمهوردخول الجنة ، ومن الجنة للسياسية سار الشيخ ،والذى خرج علينا كعادته لإظهار تأييده للحاكم “محمد مرسى “وإعلانه المستبد “ودستوره المشوه”,ليقول من فوق منصة مؤيدى الإعلان الدستورى “الشرعية والشريعة”، : ليعلم الجميع أن مصر مسلمة وستبقى مسلمة، ما جئنا إلى هنا إلا لنصرة شريعة ربنا، وليعلم العالم كله أن محمداً لم يمت، ما أتينا إلا لننصر شريعتنا ولنعلم العالم أن محمداً ما مات وما خلف إلا أطهاراً، ولنعلن أن شريعتنا رحمة كلها ولنعلم للجميع أننا نتحاور ونطهر السرايا ولنسمع لبعضنا للبعض، وألا يحاول فصيل صوته عالٍ فى الفضائيات أن يقصى الموحدين، فمصر ليست ملكاً لهم وحدهم بل للجميع، وهذا المشهد يدلل أن فجر الإسلام بدأت تباشيره، والسؤال الإسلام قبل ذلك كان فى أى موقع ، ولماذا الخلط الدائم بين الدين والسياسية ونحن بصدد دستور يحدد حقوق وواجبات كل مواطن ويؤسس لعلاقته بوطنه ؟ ومدام الحق لا يعرف بصاحبه ،فان الصواب والخطأ فريضة واجبة فى الحكم على الأشخاص والأشياء ،ولكن للأسف جماعة الإخوان والسلفيين لايؤمنون بذلك ،ويعملون بمبد أ من ليس معنا فهو ضدنا .
والسؤال متى يكف الشيوخ عن صنع الفتن ،ومتى يخرج السياسيون من أحضان السلطة لأحضان الوطن ؟سؤال صعب ،لكن الواقع السياسي أصعب بكثير، فالرئيس الذى يوصف بالعادل ، جمع كل سلطات الوطن فى يده وحصن نفسه ضد القضاء وجمد المؤسسات القضائية فى مصر وساهم عبر قراراته فى تشكيك وفقدان مصداقية قطاع كبير فى المؤسسات القضائية المصرية ،والنتيجة إنقسام حاد فى الشارع المصري ونزول قطاع كبير ضد الرئيس ومحاصرة للرئيس فى قصره، والرئيس وجماعته وحزبه ومؤيديه يرون أنهم الشعب وهم غالبية المصريين والوحيدون القادرون على الحشد الجماهيرى وأنهم المدافعون عن الإسلام وكل من يعارضهم فلول وفاسد وخائن وعميل؟ والحقيقة كاملة تقول :الرئيس لن ينجح بمفرده والمعارضة قوتها فى تواجدها على قاعدة شعبية صلبة ،ومصر تحتاج لجميع الجهود أن تتوحد لتنمية ونهضة مصر.
نصيحة أخيرة لمحتكرى الجنة والحق من الإخوان والسلفيين ، أرشدكم للذهاب إلى الصيدلية التى تدواى كل أمراض النفوس وتشفى كل علل العقول ، وتبرئ كل أدواء القلوب ،فقط أدعوكم لقراءة كتاب الدكتور مصطفى محمود “علم نفس قرآنى جديد “،واليكم مقدمته لو القراءة ثقيلة الظل على أنفسكم :سيداتى وسادتى هل تعلمون ما معنى أن الله موجود ؟معناه أن العدل موجود والرحمة موجودة والمغفرة موجودة ، معناه أن يطمئن القلب وترتاح النفس ويزول القلق ،معناه لن تذهب الدموع سدى ،ولن يمضى الصبر بلا ثمرة ،ولن يكون الخير بلا مقابل ولن يمر الشر بلا رادع ،ولن تفلت الجريمة بلا قصاص .
* كاتبة من مصر