إبراهيم جابر إبراهيم *
عموماً لا تثيرني معارض الكُتب؛ ولا أجدها المكان المناسب لشراء الكتب!
لكنَّهُ، في معرض الشارقة الأسبوع الماضي، كان ثمة فرصة للقاء أصدقاء جميلين وحميمين، قادمين من عواصم كثيرة، وعلى هامش ذلك لفتت انتباهي ظاهرة تذهب بالقراءة والكتابة الى مساحة أخرى بائسة!
وجدت نفسي في قاعة حفل توقيع لروائية عربية ذائعة الصيت، ولا انكر انني دخلتُ ولديّ موقفي المسبق من الكاتبة؛ لكنني قلت لنفسي سأجعل هذا اللقاء حاسماً إما باتجاه تأكيد موقفي منها او التراجع عنه.
كانت الكاتبة الشهيرة خلف الطاولة تضع أمامها باقة “تيوليب” فاخرة احضرتها –كما قالت بنفسها- من بيروت لتحملها بيدها كلما تصورت مع معجب او معجبة!
ابتلعتُ الامر على مضض وجلست، بدأت الكاتبة التوقيع والتقاط الصور والقاء النكات على مسمع الجمهور والمزاح مع الجالسين، من قبيل القول مثلا بصوت عال للحضور (مو عارفة وين اروح بمحبة هالناس بفكر ارشح حالي للانتخابات بجد!)، او مناداتها على معجب وهو يغادر (ما تنسى تحط الصورة على صفحتي اللي عليها 850 الف معجب!)، وكل ذلك كان يمكن ابتلاعه ايضاً، لكن الذي لا يمكن تخيل ان تقوم به كاتبة، هو أن تخرج الروائية الشهيرة قلم احمر الشفاه من شنطتها وتصبغ شفتيها ثم تطبع قبلة على الورقة الاولى من الكتاب، لقرائها وقارئاتها!
كانت تحمل القلم بيد، واحمر الشفاه بيد، وكلما وقّعت كتابين أو ثلاثة اضطرت لصبغ فمها من جديد!
وقالت في معرض الكلام الكثير الذي كانت تلقيه على الجمهور: إن هذه الظاهرة، تقصد التوقيع بالقبلات، بدأت معها في تونس، واستمرت لاحقاً لأن كل الجمهور صار يطلبها!
الكاتبة التي كانت قد وضعت على باب القاعة نوعين من النسخ “فاخرة” و”عادية”، تتعامل مع الكتابة كسلعة، او نوع من الشوكولاتة، وتتعامل مع نفسها كفتاة اعلانات، وتلقي في الناس كلمة قصيرة قبل حفل التوقيع مليئة بالاخطاء النحوية، فتجعل القراء يتهامسون بصوت مسموع كيف لكاتبة هذه الروايات البليغة أن لا تستطيع إلقاء عشرة أسطر دون أخطاء بشعة، رغم انها مكتوبة مسبقاً على ورقة!
لم اكن متفاجئاً؛ فقد جئت ولدي موقفي الجاهز الذي عززته لقاءات كثيرة قبل ذلك، اكتشفت خلالها ان هذه “الكاتبة” لا تجيد جملتين مفيدتين، ما يعزز الضجة العارمة التي تداولتها صحف عربية شهيرة قبل سنوات حول اذا ما كان شاعر معروف هو الذي كتب لها تلك الروايات؛ وهو الأمر الذي لم ينفه الشاعر وقتها؛ لكنه قال بعبارة مخففة انه فقط ساعدها في تحرير كتبها!
هذا الأمر يمكن لمسه، عند قراءة الروايتين الأخيرتين حيث الفارق كبير جداً، ويشير إلى أن الشاعر المعروف قد ملّ من الأمر ولم يعد يحرر جيداً، أو لم يعد يحرر بالمرّة!
كان حفلا فاخراً.
فيما كان كاتب كبير مثل “بهاء طاهر” يمشي في أروقة المعرض حزيناً ووحيداً ولا يعرفه أحد!
* كاتب من الأردن يقيم في دبي
( الغد الأردنية )