الأضواء تعود للسينما العراقية بعد سنوات من الظلام


أسيل كامي *
 ضجيج مولدات الكهرباء وأسلاك الكهرباء المتشابكة والمشاجرات عند حواجز التفتيش كلها جزء من صناعة السينما في العراق فضلا عن نقص الاستديوهات وندرة العاملين من ذوي الخبرة.
لكن ممثلين كصادق عباس سعداء لمجرد عودتهم إلى العمل.

قال عباس عند بدء تصوير فيلم في بغداد مؤخرا إن “رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة” مشيرا إلى أن هذه الخطوة الأولى بالنسبة للسينما العراقية.

وأحالت الحرب والعقوبات الدولية معظم البنية التحتية والصناعة في العراق – بما في ذلك صناعة السينما – إلى خرائب.

وكان من شأن التمويل الحكومي أن يوفر نقطة الانطلاق التي تحتاجها صناعة السينما ولكنها لم تكن ضمن أولويات الحكومة وكان آخر فيلم روائي طويل تموله الدولة في عام 1990. وكافح منتجو الأفلام المستقلون.

ربما طرأ تغيير على ذلك الأمر.

وبعد مرور تسعة أشهر على رحيل آخر جندي أمريكي من العراق وصل إنتاج النفط العراقي إلى أعلى مستو له منذ عقود بفضل تعاقدات تقدر بمليارات الدولارات مع شركات أجنبية. وتظهر الحياة اليومية علامات على التعافي وأن الحياة اليومية باتت أكثر استقرارا وتقول الحكومة إنها تستطيع الآن أن تنظر مرة أخرى في تمويل الفنون.

وخصصت وزارة الثقافة ما يصل إلى 4.7 مليون دولار حتى العام القادم وهو ما يكفي لتمويل 21 فيلما تتراوح بين أفلام روائية طويلة وأفلام قصيرة وأخرى وثائقية تتناول موضوعات حساسة مثل الصداقة بين الشيعة والسنة المشحونة بالصراعات الطائفية وقضية شرف العائلة.

قال اسماعيل الجبوري معاون مدير عام دائرة السينما والمسرح بوزارة الثقافة “هذه مغامرة وضعت بها دائرة السينما والمسرح ونحن قبلنا بها. نشعر بحماس بأننا قادرون بالمضي بذلك ان شاء الله لأن عمر السينما والمسرح لم تنتج أربعة أفلام في سنة واحدة.”

ويعود تاريخ السينما العراقية للخمسينات رغم أن الإنتاج لم يتجاوز عددا قليلا من الأفلام في العام آنذاك. وأنشئت إدارة حكومية للسينما في عام 1959 لكنها لم تنتج سوى فيلمين روائيين طويلين في السنوات العشر التالية لإنشائها وعددا قليلا من الأفلام الوثائقية.

وكانت صناعة السينما أساسا أداة دعائية لحزب البعث الذي تزعمه الرئيس الراحل صدام حسين على مدى 24 عاما حكم خلالها منذ عام 1979 والذي تكفل أيضا بالآداب والمسرح والموسيقى.

وركزت الأفلام أساسا على الحرب العراقية الإيرانية في الفترة 1980 – 1988 بتصوير العراق كمنتصر في الحرب التي انتهت إلى طريق مسدود ووقف لإطلاق النار. ويحكي فيلم “الأيام الطويلة” قصة حياة صدام حسين.

وبلغت صناعة السينما ذروتها في السبعينات عندما أسست الحكومة أول مسرح وخصصت مزيدا من الأموال للأفلام الروائية الطويلة وجذبت صناع السينما من العالم العربي لمد يد العون.

وأنتج أول فيلم ملون في هذه الفترة وهو فيلم “الرأس” للمخرج فيصل الياسري الذي كان من أكثر المستفيدين من التمويل الحكومي الأحدث.

وقال الموظف العراقي محمد مهدي (40 عاما) إن والدته تتذكر الذهاب إلى السينما لمشاهدة الأفلام الرومانسية المصرية مع والدهم تاركين الأطفال مع جدتهم.

وقال مهدي “الذهاب إلى السينما كان شيئا حالما بالنسبة لهما” مضيفا وهو يضحك أن والده كان ينام غالبا في منتصف الفيلم.

وأضاف أن ذلك توقف مع اندلاع الحرب لأن والده كان في الجيش.

وتابع قائلا “أمي تتأسى دائما لموت السينما العراقية.”

وبعد أن غزا تحالف تقوده الولايات المتحدة العراق في عام 2003 وأطاح بصدام حسين جرى نهب السجلات ومعدات صناعة الأفلام واستنزف العنف الطائفي الذي اندلع لاحقا القدرات الفنية للعراق.

وتباطأ إنتاج الأفلام بشدة وتدهورت البنية التحتية للصناعة. وأصبحت المعامل والكاميرات في حالة ميئوس منها ودمرت دور السينما.

وحاولت شركات الإنتاج المستقلة جمع الأشلاء وحاولت مع بعض النجاحات الملحوظة مثل فيلم “ابن بابل” وهو فيلم حربي موله القطاع الخاص ونال عددا من الجوائز الدولية واختير لتمثيل العراق في مسابقة جوائز الأكاديمية الأمريكية للسينما في عام 2011 .

ولكن عودة التمويل الحكومي تعني بداية جديدة لكثير من المخرجين المحليين حتى لو كانت المبالغ صغيرة وفقا للمعايير الدولية.

وبموجب البرنامج الحكومي فإن تمويل اي فيلم روائي قد يصل إلى 1.25 مليار دينار (1.07 مليون دولار) بينما يتكلف فيلم قصير مثل فيلم “دموع رجل” الذي لعب الممثل صادق عباس دورا رئيسيا فيه 74 مليون دينار.

وقال قاسم محمد سلمان مدير إدارة السينما في وزارة الثقافة والمنتج المنفذ لأفلام بلغ عددها 21 فيلما إنه لم يخصص سوى 40 مليون دولار لصناعة السينما في الفترة بين 2004 و2012 .

وعبر سعد عبد الله مدير انتاج فيلم “دموع رجل” عن سعادته وقال “نحن فرحانون لأننا حسينا بأن هناك من يريد أن يدعمك ويعطيك حتى تشتغل رغم بساطة المبلغ لكن نحن سوف نعمل سينما راح تنتج.”

ولكن الجميع لا يشعرون بالرضا.

يقول قاسم عبد الذي عاد إلى العراق بعد عام 2003 ويقوم بتدريس الانتاج السينمائي إن مبادرة التمويل لا تتعلق بتشجيع المنتجين المحليين بقدر ما تتعلق بتحقيق مكاسب سياسية.

وقال عبد “هذه مسخريها للدعاية السياسية وليس للثقافة.”

ووافق مفيد الجزائري رئيس جمعية دعم الثقافة العراقية المستقلة على ضرورة أن تكون الجهود الحكومية جزءا من خطة مستدامة يتم تنسيقها بين مختلف الفنون.

وقال إنه عندما يكون القطاع الخاص ضعيفا تكون الحكومة وحدها هي القادرة على الاضطلاع بهذا الدور. وأضاف أن هناك حاجة لدعم جميع مجالات الثقافة وهو أساسي لدفع الانتاجية التي يمكن أن تنمو بمرور الوقت.

ويقول كثير من منتجي الأفلام والفنانيين والموسيقيين والممثلين إنهم أيضا يشعرون بالقيود التي تفرضها النزعة الدينية المحافظة في العراق الجديد حيث تسعى الأحزاب والميليشيات الإسلامية إلى فرض رؤيتها المتشددة للإسلام على الفن.

حتى لو حصلت صناعة السينما على دفعة فإن دور العرض لا تزال قليلة. وبينما تحسن الأمن لا يزال كثير من الناس يخشون التجمعات العامة.

قال سلمان إنه من بين 82 دار سينما كانت مفتوحة في العراق معظمها في بغداد فإن خمسة منها فقط لا تزال مفتوحة.

وتعمل بعض دور العرض الصغيرة الخاصة في بعض النوادي الاجتماعية. ولكن كثيرا من منتجي الافلام يأملون في أن يعود العراقيون في وقت لاحق لدور السينما.

قال رعد مشتت مخرج فيلم “صمت الراعي” وهو فيلم روائي طويل “أمنيتنا أن يخلق شباك تذاكر لأن في كل العالم من يغذي السينما هو المشاهد أن هو الذي يشتري التذاكر.

“عندي أمل حقيقي بأن تعاد السينما العراقية إلى الحياة مرة أخرى.”

( رويترز )

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *