تفاصيل.. عزلة


السعد المنهالي *

 بعيداً عنهم سأُبقي قالبي نقياً رائقاً حالماً، سأبقى بينهم استخدم حيلتي متجهة إلى نفسي أطرق أبواباً جديدة تسطع من خلالها أضواء براقة، تنتشي بها نفسي، وأفرد بسببها جناحي لأزهو بهما تحت شمس لها ملمس الذهب ورائحة الليمون. سأتحايل كثيرا لأفر بنفسي إلى نفسي بعيداً عن خدوشهم، سأتجول داخل دهاليز روحي عبر ممراتي السرية، بين جنباتها سأتسكع لأكتشف في كل مرة أبواباً أقابلها للمرة الأولى، سأقترب منها وأطرقها لأسمع صدى تلك الروح القابعة هناك.. بعيداً.

كلنا نملك تلك الممرات والدهاليز، جميعنا لديه أبواب لا يعرف أغلبها، وبعضنا لا يعرف أياً منها، وقلة فقط منا تدرك أن لأبوابها فعل السحر، هذه القلة تكتفي بأبوابها لعلاج آلامها، تفتحها وتغتسل بضوء النهار القادم خلالها، فتتطهر وتشفى من دون اللجوء لأبواب خارجية بعيدة لا تعلم تماماً تفاصيل الألم كما يعلمها صاحبها. هذا ما أحاول فعله في عزلتي، ففيها أطمئن لنفسي، أختار حدود وتفاصيل مكاني، حضور الآخرين أنا من أحدد ظلاله، فلا حضور كاملاً في حضرتي، فقط ظلال، فظلال الآخرين لاتلزمنا تجاههم بشيء، وهذا ما أفضله، لا قيود ولا مساءلة ولا عتاب، ولا حتى ثناء، لا مجال لسرقة الذات التي تبقى طليقة تختار متى تقترب.. ومن من؟ ومتى تبتعد.. ومن مَن؟

الأجمل أن تنقل تفاصيل عزلتك إلى قلب العالم، فتباشر حضورك ضمن حدودك وبشروطك لا بشروطه، مهما بلغ قبحه، تظل قابعاً فيه متأملاً له من دون أن يكون هو المؤثر، فأنت الفاعل الوحيد؛ لا مجال للآخر أن يطرد جمالك، مستقلاً عنه بكل عناصر ذاتك بعيداً عن قوانينه وحركته، محققاً لجوهرك، فاعلاً به، زاهياً بتفاصيلك.. شاء هذا العالم أم أبى!

◆◆◆

نسيان: هناك على الرصيف، حيث النسيان يتأرجح وكله شغف لرفيق يشاركه حلم أبى أن ينام، تغدو الذاكرة بلا لون، تغيب فيها كل ملامحهم، حتى أثار خطواتهم القديمة لم يعد لها مكان، كل شيء تم دفنه بإتقان محكم، ومنع الجميع الاقتراب منه حتى نسي التراب ما فيه، فلا مكان لشيء يمكن أن يتسرب، لتبقى الذاكرة حصينة حد النسيان؛ ويبقى النسيان حاضراً حد الذاكرة.حضور: حضورك يشبه المطر حين يهطل، تتغنى به السماء والعشب ويحتفي به الأطفال، فيما يظل العشاق يتطلعون لغيمة تشبه حزنه، خاصة أن الحزن طقس أبدي لا يكتمل العشق إلا به؛ عندما تأتي، سأنتظرك هناك، لأدغدغ أطرافي برذاذ حضورك، وأحتفي بك بطريقة من صنعي، أخلط فيها انتعاش العشب وضحكات الأطفال وأغاني السماء.. وبعضا من دموعي وسأضع خلطتي في قارورة غير مرئية، ألقي بها في محيط بكر مجهول لم يطأه بحار.

* كاتبة من الإمارات

( الاتحاد )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *