حين تنأى القصيدة


عاطف الفراية *

 

(إلى أ.ط) أما بعد:

 

حينَ تكتبُ شعراً..
توضأ قُبَيْلَ القصيدةِ ..ثم اخلعِ النعلَ وادخلْ إليها
بباقة ورد.
ولا تتيمم بجمرك إلا إذا جفف القهر أنهارك الجاريات
على شجر الروح.. أو.. حين تستمطر القلبَ والقلبُ يأبى..
هو الشعر.. كاهنُنا الأبديُّ إذا ما أقمنا الصلاة على
حزننا أو على رغبة في سياق الكلامِ ..
الكلامُ الذي طال مثلَ الزمانِ إلى أن غدا ماءَنا والرغيفَ..
رغيفُ الحكايات من دم هابيل حتى أقاصي البكاءِ..
بكاءُ البعيدين إن ذكروا الغائبين
على وجع النأي حتى يصير الحنين أهازيجَ..
أهزوجةُ الرعد حين تغني السماء لماء تسرب من شقها نحو جمركَ..
جمرُ المسافة بين المريدِ وبين المرادِ إذا اشتدَّ
وجدك في هدأةٍ من خشوع الغواية ليلاً فزارك طيف الحبيبةِ….
طيفُ البداية عند التساؤل عن لحظة الإنخطاف إلى الحب
حين يصير التساؤل نهر غناء يسيل على لحظة الكشفِ..
لحظتُكَ المرمريةُ حين تفتش عن سبب الجذب والطرد
والبعد والقرب، في دفتر القلبِ…
دفترُنا الأزليّ ُ الذي سال حبرا على روحنا كلما لوحت وردة
أو قبيلة ورد بمنديلها العسليِّ..
هو الشعرُ حبل المشيمة ما بيننا والغيومِ إذا ما انهمرنا لنولد – لا مثل ما يولد الناس ـ ننهلُّ من ديمةٍ لا تملُّ..
رفيقُ النجوم إذا فارق العاشقون شبابيكهم في الهزيع الأخير من الأُنسِ..
أُنسُ الذئاب التي ودّعت ‘شنفراها’ المسافرَ في ضلعها بعد ‘أغضى وأغضت وأقعى وأقعت’
سليلُ الصعاليك منذ تأبط شرّا إلى لوركا ثم قلبي..
هو الشعرُ دمع الرجال من القهر إن ذبحوا بسلاح جبانٍ .. على غير ما يشتهون وما يشتهي ملك الموت للطيبين من الموت..
موتَ النساء الحرائر إمّا ذبحن بسوط الخيانة أو بسياط القضاة الذكور..
دموع الصبايا وضحكاتُهن إذا خفق القلب عند اكتشاف فروسية النهر..
نهرُ الدماء الذي فاض حتى استوى قدرا في طريق الربيع..
ربيعُ الدخول إلى الأرض في حالة ليس فيها طغاة.
هو الشعرُ مستودعُ السر والجهر والحب والجرح والفقر والقهر والذنب والتوب والصبينات..
حصانُ المعارك والإنتصارات
والانكسارات والزوبعات
وكل الأكاذيب والعنعنات..
وسادةُ رأس الغريب .. ودنُّ الليالي الكئيبة..
سرج الكتابة، سرج الحكاية سرج البداية سرج النهاية ..
همسُ الحليم صراخُ الجهول سراجُ الضرير ضياءُ البصير مياهُ السراب
هو الشعر
كلُّ الذي فات كل الذي صار كل الذي قيل كل الذي لم يقل في الخيال.
فيا ربة الشعر فكّي لساني أقل ما تشاء الخليقة من حلو أيامها البيض فكي لساني .. لأهمي على الزرع شلال سقيا..
***
لا يقل الكلام عن القائلين وإن أسرفوا في المقالْ.
فمالي؟ إذا ما اقتربت من الشعر مالي إذا ما أردت الكتابة فرت غزالات روحي.. وفرت قواميس كل اللغات.. وما حل رب القصائد عقدة صدري الذي فاض حتى اختنقت به..

ومالي لا حظّ في الشعر لي غير هذا الذي قد أسلت من الدمع والدم في دفتر لم يزل عاصيا ويؤلب صمتي علي وينأى إلى طرقات المحال ؟
هل لأني مددت عيوني طويلا..لعلي أطول الذي لا يطال؟

هل لأني أنا من أراد القصيدة طازجة ..أن أكون أنا ربها ال تنثني بين ضلعين من لوني القرمزي الجلال..
.. هل لأني أنا من يقول الذي لم يقل.. والذي ـ عادة- لا يقال؟

* شاعر من الأردن يعيش في الامارات

( القدس العربي )

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *