خليل النعيمي *
هربنا من القمع والاستزلام. وعشنا عُقوداً خارج بلادنا، لئلاّ نكون مضطرين للخضوع، لا مادياً، ولا معنوياً، لأي سلطة، فردية كانت، أم كلية. والآن، في خضم الثورة السورية العظيمة، لا نريد أن نتورط لا عَفْواً، ولا هَفْواً، في التعامل مع أحد ذي شُبْهَة، أو هيئة ذات شبهة، حتى ولو كان ذلك في مجال الاحتمال، إلى أن يتم نفيه، صراحة.
ساهمنا في إنشاء ‘رابطة الكتاب السوريين الأحرار’ بحماسة. كان اسمها، وحده، يكفي لنساهم باعتزاز. كنا متعطشين لانبثاق هيئة حرة للكُتّاب والمبدعين، بعد أن فرَّغت السلطة الغاشمة الكائنات من جوهرها الإنساني خلال عشرات السنين، وبشكل منهجيّ وعميق.
واليوم، يُثار لَغْط كثير حول نزاهة ‘مصدر’ تمويل الرابطة، وغايته. وبشكل خاص خلال مؤتمرها الأخير الذي انعقد في القاهرة،وكنتُ أحد المشاركين فيه. وليس كل لغْط إثماً. علينا أن ندفع الأمور إلى نهاياتها، إذن، لكي ننتهي من ‘التهمة الخبيثة’ التي يلقون بها على الرابطة ‘الحرَّة’، علّنا نتجنّب الإنفجار. والأنفجار، في حال ثُبوت التهمة، هو أهون الشرور.’لأن أخطر أمر في الوجود هو أن نُبني صَرْحاً لا نستطيع تهديمه من بعد’، كما يقول أحد المعماريين الكبار.
وأسهل السُبُل، في هذه الحال، هو أن نسلك الطريق المعاكسة للطريق التي سلكناها للوصول إلى إنشاء الرابطة: أُعني التخلّص منها بعقول نظيفة، بدلاً من الاستمرار فيها بعقول وسخة ومأجورة. مأجورة، بشكل أو بآخر، لــ’أحد’ لم نكن نتصور أنه سيكون سيدنا الجديد، وقد بدأنا في تحطيم أصنامنا القديمة.
وإذا كان المعنيّ ‘كريماً’، وصار ‘يدّعي’ الثورة مثل أي كائن آخر، ويريد ‘خدمتها’، فإن ذلك من حقه، لكنه لا يبدّل في الأمر شيئاً. الرابطة ليست ممسحة، ولا هي ‘صَكّ غُفْران’. وهي ليست رابطة مهندسين، وتجار، وأثرياء، وإنما رابطة كتاب أحرار. ولا يجوز التغاضي عن بشاعة التاريخ، إذا ما ثبتت.
الآن، نحن بحاجة إلى الصدق ، وعدم الإدعاء، والكف عن النشاط المشهديّ المخجل. الكتاب السوريون الأحرار لهم هدف آخر في الوجود، وتصوّر آخر للحياة. وعلى رأس اهتماماتهم أن يظلوا أحراراً، فعلاً، ولو بإمكانيات ضئيلة. نزعة الحرية العميقة عندهم لا يعوّضها الحراك المشهدي البائس الذي لا بُعْدَ تاريخياً له. وهم على أية حال لا يريدون أن يكونوا أتباعاً لأحد، مهما تفانى في إغداق إمكانياته المادية.
الثورة السورية ليست للبيع. والرابطة السورية ليست ملكاً لأحد. لن نصم آذاننا عن ‘القيل والقال’، إذن. ولن نغمض إعيننا عن الوقائع. لا عطاء بلا أخذ. ولا تهمة بلا سبب. ثمة مَنْ يتهم. ولا بد لأحد أن يجيب.
وفي النهاية، هل علينا أن ننسحب من الرابطة كلما حدثت هَزَّة، والإنسحاب ليس حلاً، كما نعرف؟ أم على مَن تورَّطوا في السوء أن ينسحبوا هم، في حال التأكّد من سوء نيتهم المحتمل؟ أم نغلق الباب، وننهي الحساب، بلا نَكَد؟ أم…
إني أسأل.
* روائي سوري مقيم في فرنسا
( القدس العربي )