أمدوحة للذكور : فصلُ الفيزياء*


زُلَيْخَة أبوريشة *


الألغامُ التي يزرعها الذّكورُ في طريقنا ، و هم يسيرون إلى
الأماني
الذين يحضّرون رائحةَ جلودهم في مختبرات شانيل وعلى صدورهم بضع حدائقَ من تصاميم فيرزاتشي في رسم الشُّعيرات الرَّشيقة التي تبدأ متناثرةً ثم تتجّمعُ في خطٍّ مستقيمٍ لتصلَ إلى السُرَّة ثم تتجاوزَها . بينما على أكتافِهم البيضاء
أو السمراء ترتفعُ هياكلُ الأبّهةِ ..

الذُّكورُ الذين أفخاذُهم قويةٌ للرَّكضِ في حقول المتعةِ … و لهم أذرعٌ منحوتةٌ في الصَّخر لحملِنا عالياً إلى أفلاكٍ بعدها أفلاكٌ ..

الذين شُكِلَتْ شفاهُهم في صفحات وجوههم المضيئةِ كزهرات لوتس . أما العيونُ التي نَعَّسها الجمالُ فتنفتح عن بحيراتٍ نائمةٍ في ظلالِ شجنٍ واهنٍ .

مع تمدّدِ فتنتِهم على الأَسِرّة ، يتقافزُ حولَهم النَّدَى الذي يُطيلُ أمَدَ إقامتِه لإطفاءِ الحريقِ الذي ينشب كلّما احتكَّ الصُّوّانُ بالمرمر . أو كلما استفاقَتْ شهوةٌ غافية و أطلقت سهامَها المشتعلةَ في كلِّ الأنحاء .

أما الملاءاتُ فلكم تطيرُ في هواء العناق
مسترسلةً في مَنْحِ انحناءاتِ الأجساد و استقاماتِها
شكلَها الغامض .. متسلّلةً من الشَّبابيكِ على هيئةِ
جداول عطرٍ و آهاتٍ .. و مصطدمةً بالجدرانِ القَصيّة
كوَلَهٍ يتيمٍ فَقَدَ أمَّه و أباه للتّوِّ؛ وَلَهٍ مُوَلْوِل …

يتقلّبون و يهبّون كما لو في معركةٍ ، كلَّما لذعتهم أجسادُنا
التي تفيضُ بالبراكين . فيطلقون احتجاجاتٍ تتذرّعُ بالجمرِ
أو بالسّياطِ .

بينما نحنُ غائباتٌ في الالتحامِ الشَّديدِ عن السِّوَى في
محوِ الذات .. و عن التوغّلِ بعيداً في أدغالٍ تتشابكُ
فيها أغصانُ اللّذة برياح الألمِ العاتيةِ .

لهم سُرَرٌ يخبئون فيها غاليةَ عطرِهم خوفَ التعرُّضِ
للسّلبِ و النّهب . و أديمٌ مفترسٌ له تحت طبقتِه
الأولى عشرون طبقةً مسعورةً مزوّدةً بأسلاكِ استشعارٍ
لرصدِ ريحِ مرورِنا في الأزقّة الموازية للكلام عنّا، و لِشُكرِ
الحياةِ على وجودِنا المُسكرِ .

عنيفون في الشّغفِ الجسديِّ مثلَ عنفِهم في
السِّياسة مع الخصومِ – ، كأنَّهم يقتصّون
من ألفِ عامٍ من الصَّمتِ و التشّردِ ، بعيداً عن شذَى ضُحكاتِنا .

تسيلُ من ألفاظِهم المتوجّعةِ برِوقٌ من الصُّورِ تفجُّ
في عميقِ استسلامِنا للعَجن و الخبْزِ . معّبرين عن
رغبتهم في الغوصِ في أعماقِ البحارِ من أجلِ الوصولِ إلى أصدافِ
حلاوتِنا ، و رشْفِ أرواحِنا الذَّائبةِ في كؤوسِ
الذَّهب التي أَعدَّتْها لهم أشواقُنا .

و بينما هم يوسّعونَ الغرفَ الضيّقةَ إذ يدفعون جدرانَها بعيداً
بزئير حيوانيّتهم التي كسّرتْ أقفاصَ التحضّر ،
نكونُ نحن قد عبرْنا مفازاتٍ أقلقتْنا في الوحدةِ و التَّرْكِ ،
و أعدْنا صياغةَ حواسِّنا التي تستقبلُ الغضبَ الصوريَّ
للطبيعةِ المتمثّل في ذكورٍ قرَصَتْ أفئدتَهم أفاعي
الغيرة ، و استّلوا رماحَهم للطَّعن كيفما اتّفقَ ، إلى حين
نزولِ سكينةِ الربُّ على أجنحتهم المنهَكةِ .

لكأنَّهم وكذلك هم فرِحون – كائناتٌ صيّادةٌ بالفطرةِ ، اعتادت الغزوَ
كما في شريعتها القديمةِ .. متأهّبةٌ دوماً بأسلحتِها البدائيَّةِ
التي تظنُّها فتاكةً لمداهمةِ المزاج النّاسي لنساءِ الأدب ،
و مضايقةِ الفَراشِ الذي يحومُ حول أفكارهِن النمطيّةِ عن الحبِّ
و العشقِ و اللّوْعاتِ .

إنهم رجالٌ ذاهبون في الشّدْوِ حتى آخِرِ الحناجِرِ .. و في
القبضِ على النجومِ التي نتمشّى عليها أحياناً طلباً لإيقاعٍ
مختلفٍ في قصيدةِ الغدِ .

رجالُ فتنةٍ محسوبون على آلهةِ جمالٍ تحترفُ السّحرَ
و التصرّفَ الأهوجَ بعقولِنا ‘ كمخلوقاتٍ عاطفيّةٍّ ‘ تقدّسُ
الحبَّ و الانصرافَ غالباً إلى الشَّريك الواحدِ .. نحن اللواتي نستحقُّ
حقولَ الشَّوكِ التي نخوضُ فيها عندما نسمع صوتاً يشبه صوتَ
رجالنا ينادينا ، دون التيقُّن من أنه محضُ صدىً في أسماعِنا
المنوّمةِ بالمغناطيس اللئيم ..
أو محضُ زلَلٍ مفاجئٍ .





*من كتاب شعري جديد تحت الطبع بعنوان ‘كتاب الرائحة’.
** شاعرة من الأردن
( القدس العربي )

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *