رسمي ابو علي *
قبل يومين وعند منتصف الليل تقريبا كنت أقلبّ التلفزيون بحثاً عن مادة مثيرة للاهتمام عندما برز لي شريط سينمائي عرفت فوراً أنه الجزء الاخير من الفيلم الشهير المتعلق بغرق السفينة تايتانيك.
كنت شاهدت هذا الفيلم لدى عرضه قبل سنوات وربما شاهدته أو أجزاء منه في مناسبات أخرى لاحقة متأثراً مثل غيري بمشاهد وموضوعات عديدة في الفيلم.
أهمها هو الحادث المأساوي المروع الذي حدث لهذه السفينة العملاقة والتي تم التأكيد بأنها السفينة التي لا يمكن أن تغرق ..
تفاصيل الغرق التدريجي المؤثرة وتدفق المياه مجتاحة غرق السفينة وممراتها وردهاتها .. ومنظر الركاب وهم يتدافعون بيأس للظفر بمقعد في زوارق النجاة غير الكافية إلا لعدد محدود.. منظر المرأة التي تحكى قصة لاطفالها ليغيبوا في النوم قبل أن تدهمهم المياه المتدفعة الزاحفة .. قبطان السفينة الذي يرفض استخدام طوق النجاة ليتوجه إلى قمرة القيادة ويغلق الباب منتظراً المياه لتغرقه مواجها الموت بشجاعة ونبل. واخيراً منظر الشاب العاشق الذي سهر على راحة حبيبته وهو واقف في المياه المثلجة لأن اللوح الخشبي المحدود المساحة لم يكن يتسع إلا لحبيبته، ليموت مضحيا بنفسه من أجلها ..
قصص ومشاهد كثيرة مؤثرة فعلاً وكل منها يمكن أن يعتبر ذروة درامية لهذا العمل الملحمي السينمائي الكبير ..
إلا أنني احسست لدى مشاهدتي الجزء الاخير من الفيلم بالصدفة أن هناك مشهداً لم انتبه إلى عمق تأثيره عندما شاهدت الفيلم في مناسبات سابقة وهو مشهد الفرقة الموسيقية للرباعية الوترية وهي تعزف ألحانها الحزينة فيما السفينة تتهيأ للغرق بكاملها في اعماق المحيط.
تكمل الفرقة عزف احدى السوناتات ويتهيأ ثلاثة من العازفين للتحرك إلا أن العازف الرابع يبقى واقفاً ويبدأ بالعزف على كمانه مجدداً، وهنا يعود العازفون الثلاثة ببطء ليتضامنوا مع زميلهم عازف الكمان حتى تنهي السوناته فيقول لهم “لقد كان شرفا عظيماً لي أن أعزف بصحبتكم”.
هؤلاء العازفون الأربعة كانوا الاكثر نبلاً وشجاعة من الجميع .. واصلوا العزف بهدوء واتقان رغم أن أحداً لم يلتفت اليهم حيث كان الجميع مشغولين بكيفية النجاة بأنفسهم.
لقد أثر فيّ هؤلاء الفنانون إلى درجة أن دموعي فاضت وأنا استمع إلى العازف الاكثر نبلا بينهم وهو يشكرهم قبل أن ينسحب ليواجه مصيره المحتوم .. وهنا تأملت في احوال زملائي من الكتاب والفنانين الذين لا يزالون مثل اصدقائنا العازفين في السفينة الآيلة للغرق
* كاتب من فلسطين
( الدستور الثقافي )