الغرب والاسلام: كمين معرفي؟


عناية جابر*

 
هاجت الاقلام والحناجر في الاعلام الغربي والعربي تحدثنا عن الغرب والاسلام وما بينهما من فجر الاسلام وحتى اليوم . المناسبة فيلم مشكوك بوجوده اصلا. موضوع النقاش مثير حقيقة: الغرب والاسلام. هناك مشكلة في العالم اليوم اسمها الاسلام يحاول الجميع في الغرب والشرق كتابا ومفكرين وصحافيين وسياسيين ان يجدوا لها حلا معقولا.

ظن ‘الغرب’ لوهلة انه وجد الحل بواسطة خطاب اوباما في القاهرة عن الاسلام، تلاه طبعا عقد سياسي بين هذا ‘الغرب’ وبين حركة الاخوان المسلمين في المنطقة، عقد تاريخي يقتنع المسلم بموجبه بالديمقراطية مقابل اقتناع الغرب بهذا المسلم حاكما. لكن الاحداث التي تلت ذلك الاتفاق التاريخي اثارت لدى الغرب شكوكا جوهرية ليس في الطرف المسلم الذي وقع العقد بل تتخطاه الى جوهر الاسلام كدين ودنيا، الى المسلمين كمسلمين . الغرب يتساءل الان جديا اذا ما كان المسلمون جاهزين للدخول في العصر، في الديمقراطية، في حرية التعبير التي يكفلها القانون. الغرب يتساءل عبر اطنان البرامج والمقالات حول قدرة المسلمين على استبطان مفهوم الحق والقانون وما يتفرع عنهما من مفاهيم ‘انسانية’ عليا.

الغرب حائر اليوم،كما يتبدى، حول ما يمكن بعد فعله مع ‘هؤلاء’، الخارجين عن العصر، والرافضين لمبادىء ثبت تفوقها التاريخي والانساني في ايجاد الحلول للاختلاف الديني والاثني والقومي والفكري وتنظيم صراعها في اطار سليم سلمي.

الخطاب الغربي السائد اليوم، والذي غرق الكثيرون من المسلمين والعرب في تعليله او في تبشير اقرانهم في كيفية الخروج منه، يتلخص بأن هناك ‘غربا’ خالصا، جوهر، و’اسلاما’ خالصا جوهر بدوره، وفي انهما في صراع على قاعدة تخلف الاسلام الجوهر عن اللحاق بالانسانية وبمفاهيمها ‘العامة’. اذا نحن المسلمون وهم الغرب، نحن المتخلفون وهم المتطورون، نحن قطاع طرق العصر الحديث وهم المسالمون ال ‘ قانونيون’، نحن مشكلة الكون اليوم وهم الحل.
الخطاب الغربي، والعربي المقتنع به، لديه اليــوم سؤال واحد هو ما السبيل لعقلنة هذا المسلم العصي على الحضارة والتمدين؟

يلاحظ ان الانقسام في الفكر الغربي المسيطر ليس على الاشكالية نفسها فهي بدهية. هناك فقط من يظن ان هذا التخلف هو نتيجة سيطرة قلة على الاسلام والمسلمين بينما يظن الباقون انها في جوهر الاسلام نفسه وانه على الاسلام ان يقوم بثورته ‘البروتستانتية’ اذا ‘احب’ الخروج الى الكون.
طبعا لست هنا لانفي تخلفنا وتخلف مجتمعاتنا ووقوعها تحت السيطرة الاقتصادية والسياسية والثقافية والتكنولوجية لكن لو صدقنا هذه السردية السائدة اليوم لكانت مشكلاتنا في ‘عقلنا’، في ذاتنا، فيكون المطلوب الشغل على ذواتنا لكي نتحرر منها، منا. كأني بهذه السردية تريد ان تقنعنا باننا مجانين ونحتاج الى تحليل علماء النفوس لاخراجنا من هذه الوقعة. لو صدقنا هذه السردية لاصبح الصراع بيننا صراعا بين مجنون وعاقل يحل فيه للعاقل ان يفعل ما يشاء بالمجنون، ان ينهب ثرواته مثلا، ان يحتل ارضه، ان يعين له الحاكم الذي يتوسم فيه خيرا له. الغرب محرج بنا اليوم لكن هل على المجنون حرج ؟

ان يختار الغرب نفسه زاوية النظر هذه لا يصدمني كثيرا بالحقيقة لانها زاوية نظر مريحة، مريحة له. ان يحصر الفكر الغربي الذي يسود في مؤسسات الابحاث ووسائط الاعلام الموضوع باشكالية غرب-اسلام ليس فيه ما يستفز فعلا. فهو بطرحه على هذا النحو يريد ان يقول ان هناك طرفا في هذا المعادلة الثنائية متخلف وان هناك طرفا تقدميا وان المسؤولية في هذه المعادلة المتفاوتة تقع طبعا على الطرف الذي لم يبذل الجهد الكافي لكي ينجح كما نجح زميله فيها . الطرف الغربي، في طرحه هذا، نجح في جعل االاسلام ا في موقع المتهم ونجح في تبرئة نفسه من اي مسؤولية،نفض الغرب يديه من ادم هذا الصديق’.

ما صدمني جديا هو غياب اي فكر نقدي، ولا سيما عند المفكرين العرب، لهذه الاطروحة العجيبة. على العكس ارى حاليا انغماسا في الغوص فيها وسردية تقوم على تبنيها والبحث في ايجاد حلول لها. حصر الفكر العربي همه الرئيس اليوم في اشكالية ‘صورة’ المسلم عند الغرب. صار هم الفكر العربي بشكل اساسي ليس تفكيك ونقد الفكر ايا كان، ولا سيما هذا النوع من الفكر، انما تحسين الصورة، صورة المسلم، انا، صورته، امام ‘الآخر’، الابيض. تحول فجأة دور الفكر العربي من النقد الى التبرير فالتبشير. نجحت الاشكالية، كما هي مطروحة، عند الغرب، في جر فكر العرب الى البحث ليس في صحتها بل في كيفية تثبيت صحتها. تبنى الفكر العربي من تلقاء ذاته سردية خصمه عن الصراع بدون مساءلة. لم يخطر على بال مفكرينا العرب، المستغرقين في مشاكل تخلفنا المزمنة لا شك، موضوع الصراع بين طرفين قال الغرب (اي غرب؟) انهما غرب واسلام. نسي الفكر النقدي ان موضوع الصراع بيننا وبين الغرب ليس على جنس الملائكة ولا على موضوع القانون ،على اهميته، ولا على الديمقراطية،الضرورية لبلادنا، ولا على دور الدين في المجتمع. موضوع الصراع الرئيس نزاع على ثروتنا، على ارضنا، على ما هو تحت ارضنا. عدا ذلك لا نزاع بيننا لان ما تطرحه الاشكالية الغربية لا دخل لها به هي بل هو مشكلة ‘داخلية’ عندي.
وكل كمين والفكر العربي بخير.

* شاعرة من لبنان

القدس العربي

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *