رواية ” لأني اشتاق إليك “: السجن الملاذ والسجن العقاب




محمد معتصم *

ثقافات ”

عتبة ضرورية:

“في التعارض الفلسفي التقليدي لسنا أمام تعايش آمن للطرفين المتقابلين بل نحن أمام تراتبية قامعة؛ إذ يهيمن أحد الطرفين على الآخر (قيميا ومنطقيا، إلخ) فيحتل بذلك موقع السيد. ويقتضي تفكيك التعارض-أولا وعند لحظة معينة- قلبا لهذه التراتبية.” جاك دريدا

عرفت كِتَابَةُ السِّجْنِ/”مُتَخَيَّلُ المُعْتَقَلِ” في العقد الأول من الألفية الثالثة اهتماما كبيرا على مستوى الدراسة النقدية وعلى مستوى الإبداع والكتابة، وقد تهيأت لها ظروف سياسية واجتماعية وثقافية مناسبة، في المغرب مثلا، كانت هناك رغبة سياسية في التخلص من تبعات ما يعرف بـ”سنوات الرصاص” التي ذهب ضحيتها عدد كبير من المناضلين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان نتيجة تشبثهم بأفكار كانت تؤول تأويلا “مختلفا” وينظر إليها على أنها أفكار هدامة وتسهم في الاضطراب الاجتماعي وتؤلب الناس على الحاكمين، ونتيجة انتماءاتهم السياسية التي “تنتقد” و”تعارض” سياسة الحكم، نصبت المحاكم وفتِّحت أبواب السجون والمنافي، وعم الاعتقال مختلف الفئات والأعمار والأجناس. لقد مثل “السجن” كمكان أفقين مختلفين باختلاف الأطراف المتصارعة من أجل السلطة أو من أجل الفكرة والمعتقد؛ فهو بالنسبة للحاكم “جزاء” التمرد ومقام الخارجين على القانون والمختلفين مع الرؤية والطريقة التي تُدَبَّرُ بها السياسة في البلاد، وهو بالنسبة للمنتقدين والمعارضين “زنزانة” للتعذيب وقهر الإنسان من أجل الإخضاع والاستسلام، وبالتالي من أجل “محو كل اختلاف” والتخلص من كل “المختلفين” الذين لا يفكرون “بالمثل”.
سارت أغلب الكتابات عن “المعتقل” في هذا الاتجاه فركزت على التعسف والشطط والاستبداد، وعلى انتهاك حقوق الإنسان، وعلى التعذيب النفسي وخاصة الجسدي، وفي المقابل كانت تشدد على فكرة “المقاومة” والتشبث بالموقف والفكرة والمعتقد، ومجانبة “السقوط” وخيانة “الرفاق” و”المبدأ” و”الفكرة” و”المعتقد” الأيديولوجي. لقد ركزت أغلب الكتابات السردية [الروايات والسير الذاتية والمذكرات واليوميات والرسائل والمتخيل الذاتي] على روح مقاومة السقوط وتغنت به واعتمدته خيطا رفيعا ناظما لروح البطولة، فالمعتقلُ (السَّجِينُ) الذي لم يسقط ولم يستسلم ولم يخن رفاقه يمنح وسام “الشرف” و”علامة الصمود” أمام الآلة الجهنمية وأشكالِها المتنوعة والمختلفة في التعذيب، سواء بالقول الفصيح الصريح أو بالسخرية والتهكم كما وردت في رواية بنسالم حميش “معذبتي”.

في روايتها “لأني أشتاق إليكَ” تتحدث الروائية الفلسطينية “سناء أبو شرار” عن السجن “العام” خلافا للروايات السالفة التي تتحدث عن الاعتقال “السياسي” [عن معتقلي الرأي]، لذلك فهي رواية مختلفة، وتنقل تجربة مغايرة، يكابدها أناس عاديون يعانون من اختلالات اجتماعية، أناس منسيون في خضم الحياة يصارعونها من أجل البقاء ومن أجل الاعتراف ضد أناسٍ مثلهم منسيين وعاديين. وممن تعرض لمثل هذا النوع من الاعتقال الكاتب الأردني “غالب هلسا” في روايته “ثلاثة وجوه لبغداد”، وهي رواية نموذجية في دراسة “متخيل المعتقل” لأنها نقلت بشاعة الفضاء المظلم والكئيب والمهين للإنسان البسيط، خاصة انتهاك حرمة الضعيف منهم واغتصاب ليس حقوقهم فحسب بل اغتصاب رجولتهم نتيجة الحرمان والكبت الجنسي والميل إلى العنف ومحاولة السيطرة على الفضاء وقيادته من أجل البقاء وفرض الاعتراف.

رغم ذلك تبقى رواية الكاتبة “سناء أبو شرار” مختلفة لأنها لن تتعرض لمثل هذه الانتهاكات بصورة فاضحة وصادمة، بل دخلت “سجن النساء” لتنقل إلينا تجربة غير متوقعة، لقد قررت سجينتان هما “جميلة” و”نجوى” رفض مغادرة السجن، وطلبن من إدارة السجن البقاء بالسجن احتماء من السقوط في الجريمة مجددا لأن الإنسان في الخارج أشد قسوة وإيلاما من السجناء خلف الأسوار العالية للمعتقل، تقول جميلة لمديرة السجن:” نحن…نحن لا نرغب حقا بالخروج..”، فهل يُعْقَلُ أن يرفض السجين مغادرة السجن إلى الفضاء الحر والممتد خارج الأسوار العالية والعالم المظلم؟ قد يبدو ذلك مختلفا ومجانبا للعادة والمتعارف عليه، لأن السجن حبس للحركة الحرة والاعتقال تقييد لحرية الشخص وحرمان له من لقاء معارفه وأصدقائه وأقاربه، والسجن حاجز بين الطموح وتحققه، من هنا تبدأ الرؤية المختلفة في التَكَوُّنِ والنشوء داخل فضاء رواية “لأني أشتاق إليك”. تسأل السجينةُ جميلةُ السجينةَ نجوى، التي وافق يوم خروجها من السجن يوم انتهاء مدة اعتقال زميلتها:”- نجوى…هل أنت سعيدة لأنك ستخرجين من السجن؟” [… وتجيب “جميلة” على السؤال ذاته من نجوى بعد فترة صمت فاصلة] “لا لستُ سعيدة…بل خائفة… لأن هناك من ينتظر خروجي لقتلي.. على الأقل أنت لا يوجد من يريد قتلك حين تخرجين”، وتوضح نجوى:” أجل.. ولكن من مثلي تقتلها أشياء كثيرة غير سكين أو طلقة مسدس، وقد أقتل في اليوم عدة مرات، لدرجة أنني كنت أرغب بأن يكون لدي قبعة الاختفاء التي كنا نقرأ قصتها حين كنا أطفالا، فأسير وأحيا ولا يراني أحد ور يسألني أحد مَنْ أنا ومِنْ أين أتيت وأين أهلي…”. \

تقترح الكاتبة هنا مصطلحين أو اسمين جديدين متناقضين مرتبطين بعالم السجن، وهما: “السجين” و”المقيم”. إن السجينتين “جميلة” و”نجوى” أصبحتا بعد انتهاء مدتهما في السجن إلى “مقيمتين” داخل السجن تحتميان فيه من جحيم الخارج وذئابه، وللاحتماء كذلك من ردود أفعالهما تجاه الواقع الرديء والبائس الخالي من كل تعاطف إنساني، ويظهر ذلك في المبرر الذي قدمته كل واحدة منهما لمديرة السجن؛ فجميلة ينتظرها أهل زوجها للانتقام رغم عقوبة الحبس لسنوات طويلة [مجتمع معاصر لم يتغلب على ظاهرة متوارثة من زمن ما قبل الدولة، أي مجتمع القبائل والعشائر والمجموعات البشرية]، ونجوى اللقيطة تعاني من نظرة الاحتقار في عيون الناس رغم أنها لم تكن سببا بل كانت نتيجة (ضحية) لظلم المجتمع أو لسلطة الرجل على المرأة في مجتمع أبوي (ذكوري).
“الإقامة الإرادية” في السجن كان وراءها حوافز مِنْ أهمها إدانة “المجتمع”، وبنياته القائمة على كثير من الفَوَارِقِ الطبقية والأخلاقية [القِيَمِيَّةِ] والتصنيفات المهينة للإنسان [المُوِاطِنِ] لأنها لا تقيِّم الفرد على أساس اندماجه وإسهامه في بناء وتنمية مجتمعه بل تقيِّمه على أساس “العِرْقِ” و”المعتقد الديني” و”الطائفي” و”لون البشرة” و”الجنس” و”القوة والضعف” و”الجمال والقبح”.
نتيجة ذلك تطرح الكاتبة قضيتين مهمتين هما: أزمة الهوية ومعضلة الزمان. إن السجين “العادي” [الحق العام] يعاني من مشكلة التعايش مع هويته المجروحة (يرفض قبولها والتأقلم معها) والعيش بهوية مجروحة (مدى الحياة)، تعاني من الاضطهاد النفسي والجسدي والمجتمعي، تعاني من الشعور بالفقدان وبالحرمان وبالتَّنْحِيَةِ والإقصاء والشعور بالنبذ. إنه شعور قاهرٌ يُحَوِّلُ تدريجيا الفرد الذي يسكنه إلى كائن عنيف يتوقع أن كل فرد في المجتمع عدوٌ محتمل، فوجبت مبادأته بالهجوم. والسجن يمنح السجين الشعور بالاطمئنان لخلو السجن عامة [بحسب رأي السارد] من حدة الفروق الموجودة في المجتمع ظاهرا أو ضمنا. يقول السارد:” هنا [أي السجن] يتساوى الشباب والشيخوخة والمرض والصحة والحزن والسعادة لأن السجن يُزِيلُ كل الفوارق، ويتحول كل من يدخله إلى رقم وملف، لا جدوى من مراقبة التجاعيد التي تزداد عمقا في كل عام، لا جدوى من الشكوى من وهن الشيخوخة، ولا فرق بين فرح غامر وحزن دامٍ لأن كل هذه المعاني لا قيمة لها إلا هناك [خارج الأسوار: المجتمع] على الطرف الآخر حيث تحيا حرية الروح والجسد…”.
تظهر أزمة الهوية في التعبير غير المعلن بوضوح وبحدة في آن عن لحظة امِّحَاءِ ملامح الشخصية المحددة والمميزة واختزالها في مجرد “رقم” و”ملف”، لكن المتوالية السردية المجتزأة تؤكد على السبب الخارجي كجرح هوية [فعل لا إرادي: وقع المجتمع على الفرد] أو كهوية جَرِيحَةٍ [فعل إرادي: شعور الفرد بالاضطهاد ذاتيا]، إن الفرقَ واسعٌ جدا بين الـ”هنا” والـ”هناك”؛ الهنا/ داخل السجن حيث يتموضع “المتكلم” الذي يتلفظ بهذه الأحكام والأوصاف، زيادة في إقناع المتلقي بحقيقة اختلاف الحياة داخل السجن إيجابا عن الهناك/ خارج السجن حيث القتل والإهانة والصراع غير الأخلاقي وغير العادل من أجل السيطرة وامتلاك واغتصاب حقوق الكائنات الأضعف والجماعات ذات الأقلية العددية.
أما معضلة الزمان فتتمثل في مقاومة السجين لرتابة الزمان وبحثه عن طريقة لتصريف دقائقه وثوانيه وأيامه وشهوره وأعوامه، وإذا كانت أزمة الهوية في رواية “لأني أشتاق إليكَ” مختلفة عنها في الروايات (روايات السجن والاعتقال) والنصوص السردية (الرسائل والمذكرات وشهادات الاعتراف) التي تناولت موضوعة “الاعتقال” السياسي وسجناء الرأي، فهي مختلفة عنها كذلك في طريقة تصريف الزمان، لَقَدِ اتخذت السجينتان كتابة مذكراتهما، لا لتدوين الأفكار وسرد صنوف التعذيب وأشكال مقاومة الجلادين كما نجد في رواية بنسالم حميش “معذبتي” أو رواية عبد العزيز جدير “غرب المتوسط” [التي استوحى الكاتب عنوانها من رواية عبد الرحمان منيف “شرق المتوسط” مع الإشارة إلى المغرب] أو رواية “العريس” للشاعر صلاح الوديع، بل للاحتفاء بالوطن “الأردن” الذي يمثل المُخَاطَبَ الذي يعود عليه ضمير كاف الخطاب في العنوان “لأني أشتاق إليكَ” ويؤكده العنوان الأساسي والصريح، دون تقطيع كالآتي:”إلى الأردن الذي أحب … لأني أشتاق إليكَ”.
ماذا نتج عن مغالبة معضلة الزمان عند السجينتين جميلة ونجوى؟ وكيف قاومتا بطء الزمان ورتابته؟ لقد أصبح لـ”الحضور” ولـ”الغياب” معنى وثقلا ولم تبقيا فقط مجرد لفظتين بلا معنى حقيقي أو حقيقة وجود، فداخل السجن يصبح حضور الآخر مُلِحًّا كما هو غيابه، وفي إحالة إلى نفسية السجين يقول السارد:”…وما هو أصعب من الموت هو النسيان من قِبَل من أحببنا ونحب وسوف نحب للأبد مهما كانت موانع ذلك الحب أو حتى استحالته…وهنا حبس الجسد يمنح كل الذرائع للنسيان وأن تتحول كل سجينة إلى ذكرى تتباعد في كل يوم إلى أن تتلاشى عن الأنظار تماما مثل جسم ذلك الراحل نحو الأفق، وما يخيف السجين ليس السجن ولا الوحدة ولكن تلاشيه من ذاكرة أولئك الذين هناك على الطرف الآخر من السجن حيث تنبض الحياة وحيث تتدفق دماء الحب والشوق حتى لو كانت ممتزجة بالخوف.”
يتحول السجن إلى مقبرة للأحياء المنسيين والذين يحيون خارج سياق الزمان، منفصلين عن تحولاته ومتغيراته وتقلباته، إنه شعور مخيف، لأن الأحياء خارج السجن وبعيدا عن أسواره وظلمته ومجرته يتقلبون معه في تفاعل وتبادل التأثير والتأثر، لكنهم ينسون في غمرة ذلك أولئك الأحياء المنبوذين الذين يقضون في بطء نحبهم، ويكابدون عزلتهم (بالمتعدد) المضاعفة. لكنْ كيف يتحايل السجناء على الزمان وبطئه ورتابته؟ في رواية سناء أبو شرار “لأني أشتاق إليكَ” نجد ثلاثة مظاهر لمقاومة الزمان ورتابته، تتمثل في:
– التذكر (استرجاع اللحظات الجميلة من الماضي)
– الحلم (الأمل وبناء حياة متخيلة ممكنة)
– الكتابة (التدوين وكتابة المذكرات الشخصية)
تفصح رواية سناء أبو شرار عن “فضاء مختلف” ضمن “متخيل المعتقل” وتنير منطقة ظلت منسية خلف الضجة الإعلامية التي لاقتها الكتابات حول الاعتقال السياسي وتجارب معتقلي الرأي، فأبرزت معاناة السجين النفسية وأهم المشاكل التي يعاني منها نفسيا ووجوديا بين الـ”هنا” والـ”هناك”، وقد حددناها في الشعور الحاد بـ”أزمة هويته” ومواجهته لـ”معضلة الزمان” وتصريف بطئه ورتابته.
يقول السارد:” الأنفاس بطيئة [هنا] ولكن الذكريات دافقة، وتتكرر في كل ليلة وفي كل تقلب على الفراش الضيق. هنا الذكرى عالم حي ولابد أن يكون حيا كي ر تغرق الحياة بالموت… وبين كل الأشياء الصامتة والجافة والغريبة تصبح الذكرى هي الصوت والانتماء والخيط الرفيع ما بين الغياب والحضور وبين الزوال والبقاء…”.
تلعب الذاكرة دَوْرَ الخَزَّانِ الذي يركز الحياة الماضية قبل الاعتقال في مكان محميٍّ بعناية حتى يتَمَكَّنَ منَ الرجوع إليه في وقت الحاجة، والسجين بعيدا عن خضم الحياة ومجرياتها يحتاج إلى الاحتماء من الصمت بذاكرته وما تخزنه من ذكريات مفرحة وأخرى محزنة لكنها لحظة استرجاعها تتحول إلى لحظة نادرة وذات سحر خاص، فالسجين يلوذ بأية قشة كالغريق.
والأحلام لا تختلف عن الذكريات في الوظائف السردية لكنها ترتبط بالمستقبل عبر الأمل والأوهام، وبناء عوالم متخيلة تسند الذات في محنتها وفي عزلتها، وإذا كانت الذكريات تقوم على استرجاع أحداث ووقائع الماضي القريب والبعيد وترميم الصدع في السرد المحيط بالشخصية الروائية فإن الأحلام تقوم بعملية توسيع الآفاق وبناء محكيات صغرى موازية أو متضمنة، وهما معا يصبان في مجرى واحد ونحو قيمة كبرى تمثلها الكتابة، تقول “جميلة” معاتبة زميلتها “نجوى”:” أيتها الغبية، اكتبي عن أحلام لن تتحقق وعن حب لن يحصل أبدا وعن أمال كبيرة بصدرك ولكن لن تكون عديمة الوجود في الواقع… عموما أنتِ مترددة وجبانة، وسوف أبدأ من الغد بكتابة كل ما يدور بخلدي حتى لو كان أوهاما وأحلاما ولكنني سأكتب وأكتب إلى أن […] تتحول الكتابة إلى أهل ووطن وحبيب […] اسمعي، لقد فكرت بكل هذا وقررت أنه مهما كانت النتيجة أريد أن أكتب، ربما ببساطة أريد أن أشعر بأنني لا أزال على قيد الحياة.”
هُنَاكَ مديح للكتابة، فهي ليست فقط وسيلة تدوين وتواصل مع الآخرين، وليست تقييدا للوقائع وليست معادلا للذاكرة، إنها أكبر من ذلك، وليست مجرد حلم بل هي أوسع لأنها عالم تتحقق فيه الأماني والطموحات، وفيها يبني الكاتب وطنا له خاصا به، عالما افتراضيا يوازي العالم الواقعي.
تقرر السجينتان/ المقيمتان بداية الكتابة تحايلا على بطء الزمان ورتابته، خاصة أنهما تأكدتا من مكوثهما الأبدي خلف أسوار السجن وتحت أسقف غرفه وردهاته المعتمة، أي تأكدتا من قَطْعِ علاقاتهما مع الـ”هناك” وهو شيء مرعب، الشيء الذي أبكى “نجوى”، تقول:” … ألا تشعرين بما أشعر به؟ هل تعلمين معنى هذا القرار ! لقد فقدنا كل صلة لنا بالعالم الخارجي، بالفعل لم يبق لنا أحد بهذه الحياة، والأسوأ وهو ما يبكيني حقا هو أنني فقدت الأمل أيضا.
ما يبكيني هو أنني أعيش فعلا منذ هذا التاريخ بلا أمل وأنني هنا بإرادتي وليس بموجب قرار محكمة…”.
إن الكتابة كوة ضوء توسع ضيق عتمة السجن، فتستدعي “جميلة” في مذكراتها رحلاتها مع والدها وعبر ذلك تستعرض جمال بلادها الأردن، وتقدم بطائق سياحية تتغنى بطبيعته ومواقعه الأثرية والحضارية، وفي هذه المتواليات تتحول لغة المذكرات من محكي سردي متواتر ووصفي وإخباري إلى مونولوج (داخلي) تتدفق فيه المشاعر الخبيئة التي لم تتمكن “جميلة” من قولها مباشرة لوالدها، كما في المجتزأ الآتي:” والدي، أنتَ تتمنى موتي ولكنك بنفس الوقت دون أن تدري منقذي، فلولا تلك الرحلات التي كنت تصطحبني خلالها معك، لولا ذلك الحب الذي زرعته بعروقي للأرض والصخور والرمال والأشجار لربما كنت ميتة منذ زمن بهذا المكان البارد المنفي عن نبض الحياة”.

تختلف لغة سرد الوقائع عن لغة المونولوج الداخلي، لأن الأولى تستحضر الآخر المتلقي وتتمثله في الذهن (مضمرا) وفي الكتابة، بينما الثانية تنفي الآخر وتستبدله بالأنا، حيث يصبح الخطاب دائريا، ينطلق من الذات ويعود إليها.
أما “نجوى” فبالإضافة إلى التغني بجمال “عَمَّان” فإنها تكشف عن الطباع السيئة للإنسان وميله إلى استعباد الآخر المستضعف وإكراهه على ما لا يحب، وقد سمحت لها وظيفتها (خادمة في البيوت) التعرفَ على أسرار الكثير من البيوت حيث يتظاهر أهلها بالألفة والتمدن وهم في العمق عكس ذلك، بقلوب كالصخر ومظاهر خدَّاعة تتَّشِحُ بالدين والصدقة رياء، تقول:”… [وزوج لديه زوجة باهرة الجمال] ولكنه بالكاد يراها تمر كأنها تمثال بلاستيكي احتفظ به لمدة طويلة في زاوية ما من فيلته الواسعة ثم نسي أمره، فتختار الزوجة الحسناء الغضب الصامت لأجل المال أو الخيانة السرية أيضا لأجل المال لأنها تريد الحب والمال معا…
ونساء يتابعن دروس الدين ويقدمن المال لوجه الله تعالى ويلتزمن بالحجاب ولكن قلوبهن تبدو كصخور مدينتي بل إن صخور مدينتي أقل قسوة وحدة. تلك الروح المتكبرة التي تنظر إلى الآخرين بأنهم أصحاب المعاصي وتنظر إلى نفسها بأنها الروح والجسد الطاهر ولكن القلب يمتلئ حقدا وغرورا وجفاء؛ وربما بسبب بعض تلك النسوة لم أحب أن أتعلم شيئا عن الدين…”
بين تذكر رحلات الاستجمام رفقة الوالد وكشف نفاق الأهالي والتغني بجمال عَمان العاصمة، كانت السجينتان/ المقيمتان ترويان أسباب دخولهما السجن، لقد قتلت “جميلة رقم 745” زوجها “محمد” وقتلت “نجوى رقم 565” زوجها “حسن”. هنا كذلك تتحول لغة السرد من الإخبار إلى “الاعتراف والتضرع” كما في ورد في سياق زيارة شقيقة القتيل “حسن” وانهيار “درع” مقاومة “نجوى” لتتدفق الكلمات مفصحة عن تناقض وتضارب المشاعر بين الحب والكراهية، بين الفعل الإرادي وردة الفعل غير الإرادية، تقول:” لقد قتلته، ولكنني لم أقصد أن أقتله، لقد قتلت نفسي معه، لم أعرف أي معنى للسعادة إلا مع حسن ولا يهم إن كان صادقا أو كاذبا، أرجوك سامحيني، لقد أرسلك الله تعالى هنا كي أستطيع أن أرى جريمتي من جديد، كي أزيل عنها أكوام التراب والنسيان وكي أتوقف عن المفاخرة بأنني انتقمت؛ بمجرد أن قتلته تمنيت أن أموت، مكثت ساعات طويلة بجانبه أبكيه وألمس شعره ووجهه […] فبفقدان حسن لم يتبق لي أي إنسان بهذا الوجود، بل لقد فقدت أيضا أملي الوحيد بأن يكون لدي ابن، لقد فقدت الجنين مباشرة بعد موته بسبب الانفعال النفسي الذي أصابني، لقد كان ولدا… أنتِ فَقَدْتِ أخاك وأنا فَقَدْتُ ابني الذي قد يكون أو ربما هو بالفعل كان أملي الوحيد بأن أكون أُمًّا…”
تَتَضَمَّنُ هذه المتوالية السردية، إضافة إلى كونها تفصح عن مستوى آخر من مستويات لغة المحكي السردي في رواية “لأني أشتاق إليكَ”، طبيعة “السارد” فهو سارد غير مشارك، لكنه “ديمقراطي” لا يتدخل بصورة عنيفة ولا يقحم خطابه بقوة في سياق خطاب الشخصيتين الروائيتين الرئيسيتين، وهو سارد “مؤنث” يدرك حقائق لا يدركها عادة السارد المذكر أو أنه لا يستحضرها لحظة الكتابة، لأنها تتعلق بأمور النساء، وهو سارد “حكيم” يصدر أحكاما ناتجة عن خبرة وتجربة وممارسة، ومن أحكامه تلك ما تعلق بمعنى الجريمة والأطراف المنسية في جزاء الجريمة، وفي ترتيب مراقي التكفير عن الجريمة، ولعل “السارد الحكيم” يتكلم بلسان الكاتبة الموضوعية (الحقيقية) فهي محامية من مواليد غزة بفلسطين وتقيم وتعمل بعَمَّان عاصمة الأردن، يقول السارد الحكيم على لسان مديرة السجن:” في أغلب الجرائم يتم نسيان أهل الضحية ونتذكر دائما الجاني وحقوقه القانونية وننسى أن المجني عليه تم اقتلاعه من أهله وحياته ومن كل الوجود، بل يبدو أحيانا أن أكبر ضحية للجريمة هي أهل المجني عليه لأنهم هم من يعانون فقده إلى الأبد […] إن الندم ليس نتيجة للعقوبة بل هو تطهير للنفس والروح…”
إذن، لقد اتَّخذ الخطابُ الروائيُّ صيغتين خطابيتين، الأولى محكي متواتر يُؤَطِّرُ الصيغة الثانية وهي محكي المذكرات؛ (مذكرات جميلة ونجوى)، وكتب بلغة متنوعة توافق مستوى المحكيات وتختلف بين لغة متواترة إخبارية (تسرد وتصف المكان أكثر)، ولغة متدفقة في صيغة مونولوج داخلي ثم لغة ملتاعة في سياق الاعتراف والتضرع، وكذلك لغة “حكمية” متعالية تنصح وتوجه وتصدر أحكام القيمة.
أما السارد فتنوع بدوره بين “سارد محايد” يقدم الأرضية العامة تمهيدا للحكاية، وبين “سارد حكيم” ينصح ويوجه ويحكم ثم “السارد المشارك” وتمثله الشخصيتان الرئيسيتان “جميلة” و”نجوى”.
ظهور “السارد الحكيم” جاء ليعلن عن انحدار الحكاية نحو النهاية/ الحل، وقد اختارت الكاتبة نهاية “التوبة” والعودة إلى الدين، وإلى الإيمان حتى تسكن الروح وتطمئن، وهنا يقدم السارد الحكيم الخطوات الأساسية التي تقود في تدرج محكم إلى الطمأنينة والتصالح مع الذات وتطهيرها من أدران الواقع:
– الاعتراف بالذنب.
– الندم.
– التوبة.
– المسامحة/ الغفران.
وهي خطواتٌ تشبهُ التَّحْلِيلَ السَّرِيرِيَّ حيث يبدأ علاج “المريض” بعد اعترافه بمرضه وبوحه بمكنوناته. ومن التدخلات الذكية للسارد “الحكيم” في رواية سناء أبو شرار الموسومة بـِ”لأني أشتاق إليكَ” تحديد نمط دقيق كذلك من تراتبية الوجود لتحديد طبيعة وجود السجين داخل الفضاء الضيق للمعتقل، وهي كالآتي:
– موجود (كائن بملامح محددة).
– موجود له قيمة (كائن له جذور وفروع وهوية)
– موجود بلا قيمة (لقيط)
– موجود غير موجود/ بلا أثر، مجرد ظل (Ø)
إن الخطاب الروائي في رواية “لأني أشتاق إليكَ” نموذج آخر من خطابات “متخيل المعتقل” وهو ركن أساسي في بناء مفهوم “المتخيل المختلف” في الرواية العربية المعاصرة، لأنه يضيء عتمة “سجن النساء” ومعاناة سجناء الرأي العام المنسيين، ولأنه خطاب حدد مفهوما للسجن وحلل نفسية السجين، ووقف عند موقف مختلف تمثل في اعتبار السجن ملاذا تحتمي فيه الذات من جحيم الخارج وذئابه الآدمية، لكن هذا لا يمنعنا من التأكيد على أن الرواية جعلت من “المكان” شخصية رئيسية كما هو الحال في الرواية المعاصرة في الأردن، ولا يمنعنا من الحديث عن تراجع الشخصية عن موقفها حيال معنى السجن-الملاذ، لأن السجن يبقى حبسا وحرمانا من حق الحرية وحق التصرف، كما في المجتزأ الآتي:” وبعد كل هذه السنوات أعرف تماما بأنه ليس السجن من يرمم النفوس المشوهة والأرواح العدائية بل إنه يزيد من شراستها وحقدها لأنه يمزج بين العقوبة واحتقار السجين لذاته لأن جزءا من تاريخ حياته تم تسجيله بين جدران هذا السجن فأين سيهرب من تاريخه وكيف سيخبئه وهو محفوظ في سجلات الدولة، يكون سجينا ويتحول لمنبوذ أيضا، وأكثر ما يدفع الإنسان لارتكاب الجريمة هو انعدام قيمته تجاه نفسه أولا ثم تجاه الآخرين…”.
لم يتغير موقف الشخصية من حقيقة السجن فحسب بل تغير حتى من مفهوم الكتابة (كتابة المذكرات)؛ ما جدواها؟ ماذا حققت للذات؟ هل يمكنها أن تحقق السعادة؟؟؟
تسأل نجوى صديقتها جميلة:” هل أنتِ سعيدة لأنكِ كتبت هذه الأوراق؟”، وتجيب جميلة بعد تفكير:” أنا سعيدة لأنني أستطيع تصفح جزء من حياتي كأنني أقرأ عن حياة إنسانة غريبة عني فهذا يجعلني أشعر بأنني خارج السجن، ولكن حين يعود بي التفكير بأن هذه كانت حياتي ينتابني الحزن لأنها كانت حياة جميلة مثل اسمي وأنني أحببتها وأشتاق إليها…”
رغم ذلك يتجلى الوجه الآخر للكتابة، إنها لا تمنح السعادة ولكنها تسمح بتأمل الذات من زاوية أو زوايا مختلفة فيتم كشف كثير من مناطقها المضيئة والمعتمة في آن.
أما نجوى فرأيها مختلف عن صديقتها وزميلتها في السجن جميلة، فبعد رحلة الإيمان تغير وجه حياتها، كما يقول السارد:” بعد أن قرأت أوراقي وبعد أن وجدت سكينة نفسي وراحتها بقراءة القرآن وبالصلاة، أشعر بأنني غريبة عن الحياة التي كتبت عنها لأنني كنت ضائعة ليس لكوني لقيطة، ولأنني كنت تائهة عن الطريق إلى الله، ولم تكن حاجتي لمعرفة الله لمعرفة الحلال والحرام فقد كنت أعرف ذلك منذ صغري ولكن كنت أحتاج لمعرفته لأجد ملجأ وأهلا ومأوى…”
لقد رسمت طريق الشخصية الروائية آثار خطوات دالة تفصح عن بنية سردية وبنية فكرية متحكمة في الاختيارات والحل و”الحدث الختامي” حيث تبرز “القيمة الخلافية” وفيها تتجلى ظاهرة التناقض الذي كشفت عنه بنية السرد بين منطلقها ومنتهاها، فـ”السجن-الملاذ” الذي بدا كـ”قيمة إيجابية” في افتتاح السرد وتدفقه وتناميه تحول مع انحدار السرد نحو “الحل النهائي” إلى “السجن-العقاب” لدى شخصية “جميلة” التي ساعدتها كتابة مذكراتها على اكتشاف الجوانب المضيئة في حياتها خارج أسوار السجن العالية وعتمة غرفه وردهاته كما ساهمت كتابة مذكراتها على إبراز “حقيقة” السجن الصادمة، وهنا تساهم التأويلية في إظهار، وعبر التناقض والقيمة الخلافية، السبب أو الأسباب الخفية وراء “اختيار” الإقامة بالسجن بدل “اختيار” الحرية وبداية حياة جديدة مختلفة وبإرادة وبقوة في التغير والتحول والاستفادة من تجارب الماضي. يكشف الحدث الختامي في محكي “جميلة” عن نتائج مهمة كانت بمثابة الحوافز المضمرة وراء “تنامي” السرد وتشكله، ومنها؛ عدم تعرف الشخصية الروائية على حقيقتها الذاتية، أي أن الشخصية الروائية بدت في المنطلق “مرعوبة” من فعل قامت به دون إرادة ولم تصدق أنها قادرة على إنجازه في حالة “طبيعية” متوازنة. كأنها تسأل نفسها في استغراب وحيرة: هل يمكنني أن أرتكب جريمة قتل؟ هل يمكن أن أكون أنا من قتله (الضحية/الزوج)؟ من أين جاءني كل هذا العنف؟ هذه الأسئلة ترتبط بالذات، ولكن هناك أسئلة أخرى ترتبط بالخارج وبالآخر: كيف سينظر إلي الناس بعدما عرفوا (لأنهم سيعرفون بكل تأكيد) أنني مجرمة ذات سوابق وقاتلة زوجها بدم بارد؟ هل يمكنني الانسجام داخل مجتمع انفصلت عنه فترة من الزمان في منطقة لا تعرف معنى التطور كما هي الحال في الخارج؟
مثل هذه “المخاوف” ترعب الذات وتلقي بها في دوامة القلق النفسي والضياع الوجودي الذي حددناه في البداية كسؤال حاد للهوية، أي أن الشخصية الروائية تعاني من فقدان الهوية، من جرح الهوية التي فقدت أهم مقوماتها بفقدانها ليس للذاكرة الماضية بل لاستمرارية تشكل الذاكرة، لأن الشخص ينتسب لجماعة أو مجتمع بحسب ذكرياته، وذكرياته هي أهم مقومات هويته العِرْقية والدينية والثقافية والفكرية، و”جميلة” فقدت جزءا مهما من ذاكرتها داخل السجن، وقد عمد السجن/ الاعتقال إلى منعها من “التفاعل” مع محيطها، ومنعها من “امتلاك ذكريات” متجددة، فـصبحت تعيش في الماضي، الماضي كسجن افتراضي، بلا أمل وبلا تطور وتفاعل، وتوقف ذاكرتها على التوليد والتطور وانحصارها في الاسترجاع والاجترار سبب من أسباب جرح الهوية.
إن القيمة الخلافية في محكي “جميلة” تفصح عن حقيقة أن السجينة لم تكن تخشى الخارج إنما كانت تعاني من جرح هويتها التي فقدت كل صلة بالواقع وبالتطور والحياة في حركتها ونمائها، إنها تعاني من استسلامها بمتعة اجترار الماضي والنظر إليه كحقيقة وحيدة وأن الحاضر مر ولا مستقبل ينتظرها.
لم تكن “جميلة” وحدها ضحية الانغلاق في ذكريات الماضي، بل “نجوى” ضحية كذلك، لأنها تعاني من ذات الأعراض التي عانت منها زميلتها: الخوف من الخارج، وعدم التعرف على حقيقة الذات، وفقدان الثقة في المستقبل، والاقتناع بأن الآخر جحيم ولا يصدر عنه إلا السوء، ثم التحايل على الأسباب الحقيقية بابتكار صور “مجازية ومستعارة ومكنية” تتعالى عن الواقع وتخالفه في آن. وهنا تكون الشخصية الروائية المحرك لعميلة “تحويل” [كما وظفه التحليل النفسي عند فرويد وأتباعه] ونقل الحقيقة إلى المجاز، نقل الواقع إلى لغة/سرد/نص/متخيل تمثله “المذكرات”. هذه الخلاصة تؤدي بدورها إلى إعادة طرح سؤال الكتابة مجددا؛ هل الكتابة حل للتغلب على ضيق غرف السجن وردهاته المعتمة؟ وهل الكتابة قادرة على تذويب صلابة الواقع المر و”تجميله” في أعين من عاشوا في جحيمه واكتووا بسعير أفعال وألسنة أهله؟
لقد اكتشفت الشخصيتان حقيقة الكتابة، كما اكتشفتا حقيقة السجن، فالكتابة لا تعادل الواقع ولا تغيره لأنها متعالية عليه، ومختلفة عنه، وإنما تنشئ عالما موازيا متخيلا يجمل الماضي ولا يتجاوزه، ولا ينتصر على قيوده فهو مجرد “خطاب فوقي” ذي بنية متعالية لا تقول “الحقيقة”؛ المعنى الوحيد الذي تبحث عنه “التأويلية المثالية” فلم تجده في الواقع فَأَوْجَدَتْ له مقاما رفيعا في عالم “المثل” [الإحالة هنا على مثالية أفلاطون وظاهراتية هسرل، والذات اللا تاريخية عند هيجل والذات المطلقة عند ديكارت]، إنما تقول حقيقتها هي والمختلفة عن الحقيقة الماثلة في الواقع وحياة الناس.
إن “القيمة الخلافية” في نص “لأني أشتاق إليكَ” كانت حاسمة في إبراز البنية المضمرة وفي إبراز الحوافز الكامنة وراء ظاهر “القول”، كما أنها كانت ذات فاعلية قوية في تحديد طبيعة “الحدث الختامي” ووضعه بين سؤالين كبيرين وفلسفيين في عمقهما، ومها: هل “الحدث الختامي”/ “الحل”/ “النهاية” ضرورة أم اختيار؟ هل هي ضرورة موقف؟ هل هي ضرورة سياق؟ هل هي اختيار الكاتب؟ [سأجيب عن الاحتمالات الممكنة في جدول توضيحي في نص مستقل لاحقا].
إن “القيمة الخلافية” في بنية النص السردي أداة إجرائية وتحليلية تسهم في الكشف عن “حقيقة” المعنى/المعاني المتضمنة والتي يعمل “الخطاب” المجازي [لغة السرد] على إخفائها ببلاغته الخاصة وتوجيهات من السارد.
كثيرة هي الموضوعات والقضايا التي تناولها الخطاب الروائي في “لأني أشتاق إليكَ” للكاتبة الفلسطينية سناء أبو شرار، لكن الأهم أنها أضاءت جوانب مهمة في “متخيل المعتقل” كلبنة أساسية في بناء مفهوم “المتخيل المختلف” موضوع الكتاب الحالي، كما أنها كشفت عن إجرائية “القيمة الخلافية” في بناء المعنى القريب من حقيقة النص السردي غير المعلنة.

* ناقد من المغرب

الصور على التوالي : سناء ابو شرار، غلاف الرواية ، الناقد محمد معتصم

      

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *