ظبية خميس *
ثقافات :
تحترق ديارنا فى حروب لا نفهمها.
وفى كل حريق دمار للبشر والحجر والكائنات.والدمار يتعدد من الجلد والعظم وحتى الروح والنفس.أراهن ,دائما,على تأنيث العالم فالأنوثة خلق وولادة وحياة.
عرفت الشاعرة الليبية والكاتبة تهانى دربي عبر نصوصها ومدونتها.وكم إجتاحني القلق عليها وعلى من أعرف فى ليبيا,تماما كما أشعر اليوم تجاه معارفى فى سوريا,وأنا أرى الموت والقتل والتفحم على أهبته بإسم الثورة أو النظام.سعدت بعد عودتها للفيس بوك بعد غياب طويل,وبكتابها الشعرى,يعربد بك,وقلت الحمدلله لا زال الشعر ينسج وجودنا حتى فى ظل إحراق الأضرحة وتدمير الفنون ومحاصرة الثقافة فى العهد الجديد لما بعد الثورات العربية.
يعربد بك ,أنوثة تحكى وجودها فى عالم مستباح بالفقد واللهجر والإرتباك الوجودى.
تقول:
مباحة هي
مباحة هي لركلات الفقد.
فى الفقد وجود مواز يأخذنا إلى أمس وكائنات نعايشها رغم غيابها ملغين ما يحيطنا ولحظة الوجود القادمة.
تقول فى قصيدتها فراش الصمت:
كل الكلام
محموما
على فراش الصمت نام.
وهل هناك أقسى فى هذا الوجود من حب يهجرنا أو نهجره؟!
ليل تهاني الدربى مسهد ومعذب بتوق صنع خاتمته ولم يتبقى منه سوى أشباح الكلام والوجدان.
تقول:
-هل يتذاكى عليك الحنين
فيحملك إلى هنا.
شعر أنثى عربية خالصة ,تعلمت الوفاء ,والإنتظار وتمرنت على الفقد والغياب والإفتقاد.
وهى عاشقة وإن لم تعترف فإن كلماتها تشي بها,عاشقة رغم كل أذى وجرح ونسيان.
تقول:
-وأنت هناك؟
هل تقرأ خارطة وجهي كأنك فيه؟
لا بد من إستجلاب الغائب,عبر التأمل والمعايشة الروحية,لكن لا ضمانة تقول أن الغائب يفكر بنا,اويعي عشقنا وعذابنا,أو أنه يعود ولو بالروح إلى عالمنا.
تحاول تهاني الدربي التمرد على نفسها وتوقها وأشباحها ولكن هل تنجح؟
تقول:
إن أفكاري لا
تنام فى حضن من كان الحاكم بأمري.
يتعدد فقد الشاعرة من الحبيب إلى الأرض وبالنسبة لإمرأة حالمة فإن الكوابيس هى أن تفتح عيناها لترى مالم يعد هناك وما جاء مكانه أو بقى جثة خائبة من الأمس.
تقول:
-لم يترك لنا إلا العتم
تغص الآهة فى الدمع.
الهزيمة مرة,هزيمة الأنوثة هى هزيمة الحياة.ولذلك فإن الدربي تغرق فى سطوة ذلك الوجد الحزين بشعور من فارقته الحياة.تستجدى أشباح ذلك الحضور المغادر والناسي وغير المنسي.
تقول:
-أتركى عن قلبك هذا الوغد
فى الختام
أوهمها أننى فعلت.
ينتابنى شعور أن كتاب تهاني الدربي بكاملة رسالة شعرية من عاشقة لم تسل إلى معشوق غادرته المشاعر والذكريات.ألمها خاص ومراوغ وعبر الكلمات يصنع مصيدته الوجودية.
تكتب الشاعرة عن طرابلس وعن النوافير وعن ما يحيطها كمن يحلم وتقول:
-تهربين من غيمة يومك
إلى الأحلام.
الوحدة القاسية,أسيرة الحنين فى شباك الأحلام,تتهاوى النفس فى وجود مواز لا علاقة له بالحاضر :
تقول:
-أغمضت عيني
فطار الجميع من حولي
وبقيت أنا.
أقرأ نص تعربد بك لتهاني الدربي فألحظ العذاب الأنثوي, والأمومي والغفراني.
أجد نصا يسعف صاحبته فى رصد أشباحها ويحاول مد اليد فى ظلام خاص كى تستعيد الذات أسباب وجودها.حياة تعول على الذكرى وعلى سلامة حس ذلك الغائب.هو كتاب حب مضطر,كتاب تذكر ونسيان.
ينقص القصيدة إكتمال النص,وتنوعه.ينقص القصيدة الحضور فالإنخطاف يسود النص والأنوثة المعذبة بحاضرها تلتهم كثيرا من سيادة الشاعرة على نصها.
غير أن الحب فى حد ذاته وكما هو سبب للوجود,هو أيضا,سبب كافى للكتابة والشعر.
* شاعرة من الإمارات تقيم في مصر
( الصورة للشاعرة ظبية خميس )