عقل العويط
لمناسبة التكريم المعنوي المشرِّف، الذي أقامه “مسرح المدينة” ونضال الأشقر، لكلٍّ من إيمان الحمصي، وأسامة العارف، وسعيد سنّو، وبول شاوول، ويعقوب الشدراوي، أهدي إلى هؤلاء، وإلى كثر آخرين ممن يستحقّون، هذه الكلمة المتواضعة.
لا أعرف أن أكرّم شخصاً خلاّقاً، رجلاً أو امرأة، مشهوراً أو مغموراً مجهولاً: شاعراً، روائياً، مسرحياً، ناقداً، رسّاماً، نحّاتاً، موسيقياً، مصوّراً، مغنّياً، راقصاً، أو شاعرَ حياة. صدِّقوني، أنا لا أعرف كيف. خجلي أمامهم، منهم، وعرفاني لهم، أعمق من أن أستطيع. ليس لأني لا أعرف، بل لأني كلما حاولتُ، أو حاول أحدهم، أو بعضهم، أحسستُ كم أن المحاولة قليلة وفقيرة، أمام إغداق المكرَّم وغناه. التكريم، كلّ تكريم، على رمزيته الجليلة الفائقة، يظلّ أقلّ.
نوبل مثلاً، هل تستطيع أن تفي جورج شحادة حقّه مطلقاً؟ لا أعتقد. علماً أن جورج شحادة ذهب بدون نوبل وبدون سواها، مما يستحقّه، وأكثر.
كلما قرأتُهُ، ازددتُ يقيناً أنه غير قابل للتكريم. لأن لا حدود لمكرماته. مَن يستطيع أن يغفل أن نهراً شعرياً، كهذا النهر، يسافر بلا هوادة، ودائماً، إلى المطلق الشعري، وأنه يظلّ؟! لا أعتقد أن أحداً يستطيع. كيف أكرّم بول غيراغوسيان مثلاً؟ أنا، فعلاً، لا أعرف كيف أكرّمه، أكثر من أن أنظر إلى أعماله، وأُغمِض، وأرتجف. كلُّ ما يُكتَب عنه، كلُّ ما يُفعَل لأجله، يظلّ أقلّ.
كيف لي أن أكرّم عشيقةً؟ كيف لي أن أكرّم فيروز؟ جويس منصور؟ بسّام حجّار؟ وديع سعادة؟ محمد العبدالله؟ عاصي ومنصور رحباني؟ ميشال بصبوص؟ يوسف حبشي الأشقر؟ صلاح لبكي؟ يواكيم مبارك؟ ميشال حايك؟ محمد الماغوط؟ بدر شاكر السيّاب؟ الياس أبو شبكة؟ بودلير؟ ريلكه؟ إيلوار…؟
لهؤلاء، لغيرهم، وخصوصاً منهم الذين يعبرون في الغفلة الماحقة، أو في القصد الكاره، الجاهل والمتجنّي، أنحني، لأكون أقرب إلى أعمالهم، ولأستحقّ بعضاً من حياتي. لكن ليس صحيحاً أني وغيري، لا نستطيع. ولا نعرف. بلى نستطيع. بل نعرف. بل يجب أن نستطيع. ويجب أن نعرف.
المؤسسة الأكاديمية والتربوية، الرسمية والخاصة، من المدرسة إلى الجامعة، تستطيع. بل يجب أن تعرف. وتفعل. المؤسسة الخاصة، من المتاحف، إلى المعارض، إلى المرجعيات والجمعيات الثقافية، إلى الجريدة، إلى دار النشر، إلى سواها، تستطيع. بل يجب أن تعرف. وتفعل. الأفراد، من الكتّاب إلى النقّاد والصحافيين، يستطيعون. بل يجب أن يعرفوا. ويفعلوا. أما هؤلاء الذين يعبرون بالموت، أو بالتقصير، أو بالنسيان البريء والخبيث على السواء، فيجب أن نضع لهم الكراسي، ليكون لهم مسكن دائمٌ في عقلنا الجمعي.
– النهار اللبنانية