محمود شقير
ثقافات- ست قصص قصيرة جدًّا
شعر البنات
طوله متر وتسعون سنتميترًا، وهو ما زال يلعب مع الأطفال الذين لا تزيد أعمارهم عن عشر سنوات. يبتسم دائمًا ولا يغضب إلا في القليل من الحالات. يمدّ يده بعفويّة إلى شعر البنات، يمسّد لهن شعرهن ويمضي مبتعدًا. كان ذلك منذ أن أصبح في الرابعة عشرة.
بعد ذلك، صار كلّما رأى بنتًا من بنات العائلة يسألها: تتزوّجينني؟ تضحك البنت وقد تجيبه بالإيجاب وقد لا تجيب.
حينما عرض عليه أبوه أن يزوّجه البنت التي في الأربعين قال: لا. شيء ما في داخله لم يتبيّنه بعد، كان يقول له قل: نعم، وإيّاك أن تقول: لا.
انسجام
ذات صباح، وهو يفكّر في البنت التي في الأربعين قال لأبيه: نعم، أتزوّجها. وهي بعد أن كانت رافضة للفكرة من حيث الأساس وافقت على الزواج.
وهو ما زال يلعب مع الأولاد رغم فارق السنّ بينه وبينهم، وبين الحين والآخر ينتبه إلى قوّة غامضة في أعماقه تدفعه إلى البحث عن البنت التي في الأربعين.
ذهب إلى جوار بيتها ذات مساء، وقال لها بصوت مسموع: تتزوّجينني؟ قالت له بصوت خافت: أتزوّجك. ثم أخذته من يده وحاولت أن تعلّمه متى عليه أن يلوذ بالصمت، ومتى بوسعه أن يبوح بما في صدره من كلام.
شاي
بعد خمسة أشهر من الزواج، نهض من نومه ذات صباح وهي إلى جواره في الفراش. قال: زهقت. تلمّست شعر رأسه وسألته: هل أغلي لك كأسًا من الشاي؟ لا، سأذهب إلى أمّي، هي التي ستعدّ لي فطورًا وبعد الفطور أشرب الشاي. تحسّست صدره العاري وقالت: الآن لك بيت وزوجة، وبعد أشهر يكون لك طفل.
قال: أين هو الطفل؟ أنا لا أراه.
قبضت على يده وجعلته يتحسّس بطنها: الطفل هنا. لا، لا أنا زهقت، وهذا الطفل لك وليس لي. هذا الطفل لي ولك.
واصل تلمّس بطنها برفق ومن غير إلحاح، وهي واصلت تلمّس شعر رأسه ورقبته وصدره وبطنه، وفي تلك الأثناء احتدمت مشاعره وقال: بعد ساعة نشرب الشاي. قالت: كما تريد، ومع الشاي نأكل ما لدينا من خبز وزيت وزعتر وزيتون. قال وهو يراها تخلع ثيابها: أكيد، أكيد.
بعد ساعة، نهضت من جواره لتغلي له ولها الشاي.
منشار
هو مغرم بتقطيع الخشب. يجلس في الفسحة الممتدّة على سطح الدار. يقطع الخشب بالمنشار، ويحاول أن يبني بيوتًا للدجاج وللحمام. تسمع زوجته صوت المنشار وهو يقطع الخشب. تقول له: لماذا لا تذهب إلى العمل مع أبيك؟ لا أريد، لا أحبّ أن أعمل مع أبي. طيّب، اذهب إلى العمل وحدك. لا، لا أحبّ أن أذهب إلى العمل وحدي.
تقول له بعد نصف ساعة: يكفيك. عرقك ينزّ بغزارة. لا، لا، عرقي لا ينزّ بغزارة، سأواصل نشر الخشب.
تغيب نصف ساعة أخرى وتعود لتقول له: سخّنت لك الماء لكي تستحم.
يتذكّر الماء الساخن، والليفة التي تدعك بها ظهره. نعم، الماء الساخن والحمّام ويداك والليفة ورغوة الصابون. نعم، أنا قادم. وأنا الآن أترك الخشب والمنشار.
كتلة غامضة
حملها أبوه وأمّه في الصباح إلى المستشفى. لم يذهب معهم. قال: لا، لا أريد الذهاب. أخاف من المستشفيات ولا أحبّ روائح الأدوية. لا أحبّ المعاطف البيضاء التي يرتديها الأطبّاء والممرّضات.
ولدت الطفل، وبعد يومين عادت به إلى الدار. قالت له: انظر إلى وجهه ما أحلاه! لا، لا أريد أن أنظر، أنظري أنت. ثم أدرك أنّه ربّما ارتكب خطأ. قال لها: متأسّف. اقترب منها وقبّل خدّها، قبّل خدّ الطفل. خدّه أحمر وعيناه مغمضتان، وهو مجرّد كتلة غامضة من اللحم. بعد لحظة فتح فمه على وسعه وصاح.
في الليل، قال لها: طفلك هذا كثير الإزعاج. قالت: هذا طفلي وطفلك. نعم، طفلي وطفلك لكنّه كثير الإزعاج. علينا أن نحتمل، لأنّه طفلنا. نعم، نعم، طفلنا. وأثناء ذلك وبعد ذلك، لم يجد الطفل وسيلة أخرى يشغل بها وقته غير الصياح.
قنّ الدجاج
قبّل خدّها وخدّ الطفل ثمّ غادر البيت لكي يحضر خشبًا. هو لا يفارق البيت إلا لكي يبحث عن خشب متروك. مشى في السوق، وكانت رائحة زيت الزيتون تملأ أنفه وتجعله منتعش المزاج. اقترب من حاوية كبيرة وانهمك في البحث عن خشب. وجد قطعة صغيرة، قال: أصنع منها بابًا لقنّ الدجاج. وجد قطعة متوسّطة الحجم، قال: أصنع منها سطحًا لقنّ الدجاج. سمع ضجّة وإطلاق رصاص، رأى ثلاثة شبّان يركضون وخلفهم جنود.
أحسّ بلسعة حادّة في خاصرته وبشيء يخترق بدنه مثل شواظ من نار. ارتمى على الأرض وفي يده قطعة الخشب الصغيرة، وعند قدميه استقرّت قطعة الخشب الأخرى بلا حراك.
* أديب من فلسطين