يستند «بروميثيوس» (Prometheus)، وهو الفيلم الحادي والعشرون من إخراج المخرج البريطاني المخضرم «ريدلي سكوت»، إلى سيناريو للكاتبين السينمائيين «جون سبيتس» و»دامون لينديلوف».
يجمع الفيلم بين الخيال العلمي والحركة والمغامرات، ويستمد عنوانه من أحد الآلهة في الأساطير الإغريقية القديمة. إذ تُطلق كلمة «بروميثيوس» فيه، على المركبة الفضائية التي يستقلها فريق من العلماء إلى أعماق الفضاء الخارجي بحثاً عن أصول البشرية.
تبدأ أحداث «بروميثيوس» في المستقبل -العام 2089- حين يكتشف عالما الآثار إليزابيث شو (الممثلة نعومي رابيس) وتشارلي هولواي (الممثل لوجان مارشال-جرين) رسوما جدارية قديمة داخل كهف من العصور الغابرة في أسكتلندا تشتمل على خريطة للنجوم، ويستنتجان أن هذا بمثابة دعوة من الزعماء الأوائل للبشرية لاستكشاف أصول البشرية في الفضاء الخارجي.
ويتكفل مدير شركة «ويلاند» الثري بيتر ويلاند (الممثل جاي بيرس) بتمويل بناء المركبة الفضائية العلمية «بروميثيوس» بتكلفة تريليون دولار لتتبع ما ورد في خريطة النجوم الأثرية بحثا عن أصول البشرية واعتقادا أنها ربما كانت قد نشأت في موقع محدد في الفضاء الخارجي بعيدا عن الكرة الأرضية.
يقوم فريق من المستكشفين برحلة على متن «بروميثيوس» عبر الكون وصولا بعد أربع سنوات (أي في العام 2093)، إلى الكوكب البعيد المحدد في الرسوم الجدارية المكتشفة على بعد آلاف السنين الضوئية عن الأرض. وهو كوكب يقارب الكرة الأرضية في حجمه، ويدور حول نجم ضخم.
تهبط «بروميثيوس» في موقع اصطناعي ضخم في ذلك الكوكب، حيث يعكف أعضاء الفريق على استكشافه. وتتحكم في برنامج الرحلة من كوكب الأرض «ميريديث فيكرز» (الممثلة تشارليز ثيرون) التي تأمر فريق العلماء المستكشفين بعدم إجراء أي اتصال مع أي طرف دون الحصول على موافقتها. وبين أعضاء الفريق السبعة عشر، عالما الآثار اللذان اكتشفا الرسوم الجدارية القديمة وقائد الرحلة «جانيك» (الممثل إدريس إيلبا) والإنسان الآلي «ديفيد» (الممثل مايكل فاسبيندر).
يفاجأ الفريق بعدم وجود أي أثر للحياة في هذا الكوكب، حيث لا بيئة صالحة للتنفس ولا حياة نباتية، لكنهم يكتشفون وجود خطوط مستقيمة على سطح الكوكب، ويدركون أن الطبيعة لا تُحدث خطوطا مستقيمة، ولا بد أن يكون وراء ذلك فاعل آخر. ثم تقودهم الخطوط إلى قبة واسعة تشبه الهرم، يجدون داخلها كائنات ذات صفات بشرية آلية.
يشتمل الفيلم بعد ذلك على سلسلة من الأحداث والتطورات المثيرة والغريبة التي يتخللها صراع عنيف بين فريق العلماء المستكشفين والكائنات الغريبة الموجودة تحت القبة والتي تهدد لا المستكشفين فحسب، بل البشرية جمعاء. ويتعين على المستكشفين الذين قُطعت بهم السبل التصدي لتلك الكائنات لإنقاذ أنفسهم ومستقبل الجنس البشري.
يبقى لغز أصل البشرية في قصة فيلم «بروميثيوس» من دون حل. وقد ينبئ ذلك بتقديم جزء ثانٍ أو أكثر من جزء لهذا الفيلم، على نهج تقاليد هوليوود القديمة في تقديم المسلسلات السينمائية المتممة للأفلام الناجحة على شباك التذاكر، خصوصاً أفلام الخيال العلمي والرعب والحركة والمغامرات التي توفر لخيال الكتّاب السينمائيين الفرصة للتحليق في آفاق جديدة من الإبداع والابتكار في البناء على القصص السينمائية الأصلية.
تتركز قوة «بروميثيوس» أساسا في العناصر الفنية، كالجماليات البصرية والمؤثرات الخاصة وبراعة تصميم الإنتاج والديكورات التي تقترن بأفلام المخرج ريدلي سكوت، والتصوير وتقنية الأبعاد الثلاثية المتقدمة التي تتميز بالعمق ودقة التفاصيل. كما يتميز الفيلم بقوة أداء بعض ممثليه، خصوصا الممثل ألماني المولد إيرلندي النشأة «مايكل فاسبيندر» الذي هيمن على المشاهد التي ظهر فيها، وبطلة الفيلم الممثلة السويدية «نعومي رابيس». ويشترك في الفيلم ممثلون متعددو الجنسيات، كما هي الحال في الكثير من الأفلام التي تنتجها هوليوود.
يشتمل «بروميثيوس» على قصة طموحة من حيث الفكرة العامة المتمثلة في البحث عن أصول البشرية، إلا أنها ابتعدت كثيرا عن الواقع من حيث التفاصيل وعدم التطوير الكافي لشخصيات القصة، ما عرّض هذا الجانب من الفيلم لكثير من النقد من جانب النقاد.
فاز المخرج «ريدلي سكوت» عبر مشواره الفني الطويل، بأربع عشرة جائزة سينمائية شملت جائزة مهرجان كان السينمائي لأفضل مخرج عن فيلم «المبارزون» (1977)، كما رُشح لثلاث من جوائز الأوسكار واثنتين من جوائز الكرات الذهبية. ويشتمل الرصيد الفني لهذا المخرج على إخراج عدد كبير من الأفلام السينمائية والتسجيلية والأفلام والمسلسلات التلفزيونية، وله باع طويل في الإنتاج بلغ نحو 70 من الأعمال السينمائية والتلفزيونية، كما أن له إسهامات في التأليف والتمثيل والتصوير وتصميم الإنتاج.
تتميز أعمال «سكوت» السينمائية بالتنوع، بما في ذلك أفلام الخيال العلمي والحركة والمغامرات والأفلام التاريخية والحربية، ومن أبرزها فيلما الخيال العلمي «مخلوق من الفضاء الخارجي» (1975) و»بليد رانر» (1982)، وفيلم «ثيلما ولويز» (1991)، والأفلام التاريخية «المجالد» (2000) و»مملكة الجنة» (2005) و»روبن هود» (2010)، وفيلم «كيان من الأكاذيب» (2008). كما تتميز أفلام «سكوت» ذات العلاقة بتقديم صورة متوازنة للعرب، كما في فيلمي «مملكة الجنة» و»كيان من الأكاذيب».
صعد «بروميثيوس» إلى المركز الثاني في قائمة الأفلام التي تحقق أعلى الإيرادات في دور السينما الأميركية في أسبوعه الافتتاحي، واحتفظ بهذا المركز في أسبوعه الثاني. وبلغت الإيرادات العالمية الإجمالية لهذا الفيلم 300 مليون دولار، فيما بلغت تكاليف إنتاجه 130 مليون دولار.
يقدّم هذا الفيلم مثالا آخر على ما تتطلبه أفلام الخيال العلمي والحركة والمغامرات الضخمة الإنتاج من أعداد كبيرة من الكوادر الفنية. فقد اشترك في إنتاجه 484 من مهندسي وفنيي المؤثرات البصرية، و47 في المؤثرات الخاصة و85 في القسم الفني، و71 في التصوير والمعدات الكهربائية، و42 في تصميم الأزياء، و32 في الماكياج، و26 في قسم الصوت، و18 من البدلاء، و13 في المونتاج، و11 في الموسيقى، بالإضافة إلى ستة من مساعدي المخرج
*ناقد سينمائي من الأردن
( الرأي الثقافي )