في كتابها الذي يحمل عنوان: “سمراء” تقدّم الكاتبة والروائية الفرنسية نيكول أفريل، سيرة
حياة جديدة لوجه نسائي من أميركا اللاتينية. المقصود هو فلورا تريستان التي ولدت في
مطلع القرن التاسع عشر عام 1802- وتوفيت قبل منتصفه عام 1844-.
تذكّر المؤلفة بداية أن فلورا تريستان كانت قد كتبت هي نفسها سيرتها الذاتية تحت
عنوان: “رحلات منبوذ” وعرضت فيه ما أسمته “قصة حياتها المضطربة”. لم يعجب ما كتبته
فلورا تريستان زوجها وتصرّف بطريقة عنيفة عند صدور الكتاب.
ما تؤكده نيكول أفريل هو أن حياة فلورا تريستان جديرة بالفعل في أن تكون مادة
لـ”رواية”. إنها ابنة أسرة أرستقراطية من “البيرو” في أميركا اللاتينية من جهة
والدها، لكنها “رفضت باستمرار الاعتراف بذلك”. أما من ناحية أمها فهي ابنة سيدة
فرنسية مهاجرة.
بكل الحالات نظرت إلى نفسها باستمرار على أنها امرأة “حرة” وجعلت من الدفاع عن
حقوق المرأة أحد أهدافها في الحياة. وتنقل المؤلفة عن الكاتب الفرنسي، ومؤسس التيار
السريالي الرئيسي، اندريه بروتون قوله عن فلورا تريستان ما مفاده: “ربما أنها
المرأة التي تركت وراءها أثرا سيبقى طويلاً، بالإضافة إلى ما تركته من إشعاع
فكري”.
إن نيكول أفريل ترى في الكتابة عن فلورا تريستان نوعا من التكريم الذي تستحقه
بجدارة. وقد اختارت لعملها عنوانا مختصرا مفيدا هو “سمراء” بحيث تبدو أنها تريد
الإشارة إلى أنها عكس “شقراء” بالمعنى الأنثوي للمرأة. وفي نفس النهج من التفكير
اختارت نيكول أفريل لعملها تعبير “رواية” عندما تحدثت عن فلورا تريستان وليس تعبير
“سيرة حياة”. وقد أرادت أن تشير بذلك على “تعاطفها” معها من موقع الإنسان وليس من
موقع الباحث.
وتشير المؤلفة أنها أرادت أن تتحدث، عبر فلورا تريستان، عن النساء في زمنها، أي
خلال عشرينات القرن التاسع عشر، كما عن النساء في عام 2012. ذلك أنها تمثل بنظرها
“نموذجا- قضية”. وتشير نيكول أفريل إلى أن “فلورا” عانت بالدرجة الأولى من قسوة
الرجل الذي تزوجته. وحيث وصل به الأمر إلى دفعها لممارسة الدعارة مع “دائنيه” من
أجل الوصول إلى “تسويات” مالية مريحة.
ومما كان يردده الزوج على مسامعها قوله إنها “أنت من الساقية وأنها، بدونه،
ستعود إليها سريعا”. لم تكن تستطيع الطلاق فالقوانين النافذة آنذاك في بلادها كانت
تمنعه. من هنا بالتحديد يمكن فهم أنها خاضت طيلة حياتها معركة من أجل السماح
بالطلاق، كما تشير مؤلفة الكتاب. لكن بالمقابل، عرفت فلورا تريستان السعادة
الحقيقية في ممارسة دورها كأم لابنتها “أليس”، التي أنجبت في سنوات لاحقة، ابنا لم
يكن سوى الرسام الكبير بول غوغان وكانت قد أنجبت أيضا طفلين عندما كانت في كنف
زوجها “المستبد”. ولكنها عرفت حياة أكثر هدوءاً عندما عاشت “منعزلة عنه”. ذلك رغم
صعوبة الحياة حيث اضطرت للعمل كبائعة لدى أحد الخياطين.
وتروي المؤلفة كيف أن الأب “القاسي” خطف الابنة عندما كانت في طريقها إلى
المدرسة ثم قامت الأم بـ”تحريرها”. وفي مثل تلك الظروف مارست الكتابة ونشرت تحت اسم
فلورا تريستان وليس فلورا شازال، نسبة إلى اسم زوجها الذي كانت ترغمها القوانين على
حمله. والإشارة أن ذلك الزوج اندريه شازال أطلق رصاصة على فلورا تريستان في أحد
شوارع باريس حيث سقطت على الرصيف وحيث قبض عليه المارة.
لقد وجه رصاصته إلى قلبها لكنه أصاب ظهرها ولم ينجح الجراحون بنزع تلك الرصاصة
من جسد الضحية. لقد عاشت باريس آنذاك عدة ساعات في ظل شائعة تقول إن الضحية كانت
الكاتبة جورج صاند وأن زوجها أطلق عليها رصاصة من مسدسه. حكمت المحكمة آنذاك على
اندريه شازال بالسجن لمدة 20 سنة واسترجعت الضحية حقها في حمل اسمها الأصلي، وكذلك
أطفالها. كانت فلورا تريستان محكومة بالعيش مع “رصاصة في جسدها”. ولم تكن تعرف أنها
سوف تعيش 5 سنوات فقط بعد الحادث.
“لقد كانت امرأة عجيبة” تقول نيكول أفريل عن فلورا تريستان مشيرة إلى أنها ـ
المؤلفةـ قامت بالسفر إلى “البيرو” عام 1982، أي قبل 30 سنة، مدفوعة برغبة “اللقاء”
بها، وعلى خلفية الإحساس أن فلورا لم تكن من شخصيات الماضي، ولكن امرأة تحمل القدرة
على التفكير بالمستقبل. لقد كانت حياتها قصيرة من حيث الزمن الذي عاشته، “قصيرة
وزاخرة بالفوضى”، كما تضيف المؤلفة.
عرفت فلورا تريستان “طفولة سعيدة” في سنوات حياتها الأربع الأولى.
ثم جاء “البؤس” مع وفاة والدها. عاشت ذلك البؤس في فرنسا أولاً ثم في البيرو
التي فوجئت يوم وصولها إليها بوفاة جدتها لأبيها والتي كتبت عنها فيما بعد: “كانت
تلك المرأة العجوز هي الشخص الوحيد في العالم الذي يمكن التعرّف عليه من كلمة أو
ابتسامة أو حركة”.
بتاريخ 14 نوفمبر من عام 1844 توفيت فلورا تريستان. كان عمرها 41 سنة فقط. وهي
صاحبة القول الذي “تتبناه” المؤلفة لحسابها ومفاده: “لم يكن هدفي هو جذب الانتباه
إلى حالتي، ولكن إلى حالة جميع النساء اللواتي يعرفن نفس وضعي”.
جدّة غوغان
عرفت فلورا تريستان آلاما كثيرة في حياتها، كما تشير نيكول أفريل، ذلك أن
عائلتها “رفضتها” وتعرّضت لـ”الضرب” من قبل زوجها الذي وصل به الأمر أن أطلق عليها
النار ذات مرة. ومما لا يعرفه كُثر عن فلورا تريستان هي أنها جدة الرسام الفرنسي ذي
الشهرة العالمية بول غوغان. ولا تتردد مؤلفة الكتاب في القول إنها “سبقت” بنضالها
شخصيات ذات شهرة عالمية مثل سيمون دو بوفوار وفرانسواز جيرو وغيرهما.
المؤلفة في سطور
نيكول أفريل، كاتبة وروائية فرنسية، سبق لها وقدّمت العديد من الأعمال التي لاقت
نجاحا كبيرا لدى القراء من بينها: قصة الوجه، حكايات تدفع للحلم، أحبك منذ زمن
طويل.
الكتاب: سمراء
تأليف: نيكول أفريل
الناشر: بلون
باريس 2012
الصفحات: 274 صفحة
القطع: المتوسط
Brune
Nicole Avril
Plon – Paris- 2012
* عن البيان الاماراتية