شعرية اللغة الرومانسية لدى فوزية القادري

(ثقافات)

شعرية اللغة الرومانسية لدى فوزية القادري

شذرات ونصوص “الزواج بالقرعة” أنموذجا

امحمد امحور، كاتب، ناقد أدبي

صدر للشاعرة المغربية المقيمة بألمانيا فوزية القادري ديوان شعري عنونته ب”الزواج بالقرعة: شذرات ونصوص”، عن شركة مطابع الأنوار المغربية2011. يتكون من ثلاثة وسبعين عنوانا، وكل عنوان هو بمثابة بؤرة دلالية لشذرة أو نص شعري؛ هذه البؤر الدلالية المكثفة صيغت في صيغ نحوية مختلفة تواترت على مساحات نصية متوازية:

صيغة النكرة: كرامة، حرمان، نسيان، انتظار، إعجاب، إهانة، دمية، أمل، اغتصاب، سؤال، طيف، طيش، صدفة، كلمات، انتظار، ثورة، مهازل.

المعرف بأل: الثمل، البدوية الخجول الكابوس، العاصفة، الحكام، البندقية، الغيث، المعقول، الحدث.

الجملة الفعلية: أطل القمر، جاءت إلي تسألني، افترقنا، صدقني، أحببتها، ظلموني، أسأل، سألته أمه، ارحل،

الجملة الاسمية: سعيدة أنا، البحث عن الطريق، أخي العربي، العمر لحظة، صمم في الآذان، حب دفين، أخي الفلسطيني.

الإضافة: تاريخك، سيدي، بناتها، حفيدي، ضياع الأمل، انتهاء الربيع، ذكرى حب، سجادتي، صرخة طفل، يوم المرأة، فنجان قهوة، شجرة الياسمين، قفة الأمل، دوام النعم، حريتي، صومعة حسان، انتظار حفيد،

هذا التنوع في الصيغ النحوية يصاحبه تنوع في دلالات الحقول الدلالية المشكلة لهذا السجل الشعري الوارف؛ تنوع أسهم إلى حد كبير في إضفاء معالم اللغة الشاعرة الرومانسية التي تأثرت بها الشاعرة فوزية القادري. فقد انبرت لفعل الكتابة في ريعان الشباب، وهي تنتقل من مدينة الناظور إلى تطوان، ومن تطوان إلى مدينة مليلية المغربية المحتلة، هذه الرحلات الطلابية صقلت موهبتها في الكتابة، وقد كانت تعلم علم اليقين أن لغة الشعر تغتني بالسفريات، والقراءة العالمة للمتون الشعرية، والروائية، وأن تعتني بقراءة الأدب الإسباني الرومانسي (literatura espagnole del romanticasma) وتتأثر بمجالاته الفنية، فمن أجل تكسير القوالب التقليدية للشعر، وتجترح لتجربتها الفذة بناء فنيا، ينسجم والتيار الكلاسيكي الجديد، بعد أن اكتسبت اللغة الإسبانية، وتأثرت بالخيال والقوى الغير العقلانية للروح.

إن البناء الفني لهذه الشذرات والنصوص الشعرية استوت في مائة وستة وثلاثين صفحة، ذلك أن قوة المشاعر والعواطف، والخيال، الجامح، ساعدت الذات الشاعرة لتمطط المقول الشعري، وتضفي عليه رونق اللغة الشعرية ذات الوظيفة التأثيرية على المتلقي، والصيغ النحوية والبؤر الدلالية التي أشرت إليها سابقا تشي بشذرات شعرية تؤثث لهذا الرونق المعضد برومانسية الأدب الإسباني باعتباره المصدر الحقيقي والأصيل للتجارب الجمالية. وسجل “الزواج بالقرعة” قد اغتنى بهذا المصدر أيما احتفاء، وما التركيز في انتقاء الحقول الدلالية احتفاء باللغة الشعرية إلا بهدف الإعلاء من العواطف الإنسانية النبيلة، والتخلص من الخوف، والرعب، والهلع، والألم.

“إلي جئت تهدهدني

وتطيب خواطري

حبيبتي اعذريني

كيف أعذرك؟

وأنت خنتني

ناسيا كرامتي

متجاهلا عهودي” (ص9)

تنزع الذات الشاعرة من كينونتها المتمردة ذلك الآخر الذي عبث بعواطفها، لتحاوره بمعجم شعري، انتقت ألفاظه بعناية فائقة بهدف استفزازه، وخلق جو من التوتر على مستوى الإسناد، وإنتاج الدلالة، (تلاعب بعواطفي، تطيب خاطري، فوق الحب، فوق الحياة…)

وعلى هدي شعراء الرومانسية الغربية تدلف الذات الشاعرة عوالم الوحدة، والشوق، واللهفة، واضطرام الصدر بالوحشة، وهيجان البعد، وانفجار الفؤاد، رغبة في الإمساك بخيط الأمل، والتخلص من حقيقة الحرمان، بحثا عن هدوء الروح، في أرجاء الرحمة الإلهية.

“نار الحب

في صدري تضطرم

وقوة الوحشة

في فؤادي تنفجر

وهيجان البعد عن

الحبيب تهزني

الواقع يهاجمني

بحقيقة الحرمان

من لقاء حبيبي

وسكون نفسي

رحمتك يا إلهي

بإعادة الهدوء

إلى روحي”. (ص10).

ويظل الفرار من الواقع الكائن هو المحرك الأساس للشعرية الرومانسية في توزيع مفردات اللغة على مستوى التوزيع الأفقي للبنية السطحية ومن خلال هذا التوزيع تدخل الذات الشاعرة في حوار عميق مع ذلك الآخر الذي تنزعه من كينونتها، لأنه يقابل ذلك المعادل الموضوعي للنفاق، والكذب، والخداع، والمخاتلة؛ هذا المعادل الذي ترفضه لحظة البوح الشعري الجميل، فهو يشبه تماما لحظة إطلالة الخريف، الرياح، والسجن، والعواطف.

“نعم أنساك

مع إطلالة الخريف

مع الرياح والأمطار

والسحب والعواطف

الآن وضعتك في طي النسيان

فإن كنت سابقا أقول: اذكرني

فالذكرى خير سلوى

الآن أصبحت أقول: انسني

فالنسيان خير دواء” (ص11)

والذائقة الجمالية تسعف الذات المنتجة للمعاني المستفزة للذخيرة الفكرية للمتلقي على توليد ما لا حصر له من الحقول الدلالية الرومانسية عبر تقنية الحوار والمونولوج الداخلي، جريا على تقاليد الشعرية الجاهلية في توليد الذائقة الغنائية الممجدة لذات المرأة من حيث القيم الإنسانية الرفيعة، وتخليصها من الأبيسية التي تعششت في الموروث الثقافي بشكل سافر.

“جاءت إلي تسألني

وتقول لي:

هذه وردة سيدي

أهداها لك يا آنستي

هل لك أن تتفضلي

بأخذها من يدي؟

نظرت إليها بدهشة

وهمست لها قائلة:

إني لا أعرفك يا سيدتي

ولا أعرف هذا المعجب

فهل لك أن تقولي

من أنت يا عزيزتي

رمت بالوردة في وجهي

وخرجت تجري وتقول

سيدي”. (ص13)

إنها ذائقة جمالية تعلي من الشعرية الرومانسية التقليدية، لكنها تنتقد وبشدة تجليات الأبيسية العربية كيف لا ؟والشاعرة فوزية القادري قد ارتوت من أدب الفونسو العاشر وأدب العصور الوسطى، وقرأت ترجمات العصر الذهبي الإسباني، متجلية في أدب عصر النهضة، ورواية الفروسية، والشطارية.

“قال لي أحبك

نظرت إليه مبتسمة

ومددت يدي مسلمة

وفي رأسي سؤال

سؤال سرعان ما نطقت به

كيف أحببتني؟

ولم يمر يوم على معرفتي بك!

هل الحب نظرة وابتسامة؟

وتبادل كلمة تحية؟

فهذا ما بيننا

فكيف أحببتني؟

رفع عينيه إلي ناظرا

ومد لي يده مصافحا

قائلا: يا فتاتي

لم ألق مثلك صراحة

فكنت عندما أقول لأمرأة أحبك

ترخي أمامي عنانها

وتتركني أقبل وجنتيها

وألاعب خصلات شعرها

بل أصل إلى مس كرامتها

فكيف لا أجرب معك لعبتي” (ص 25)

لقد نوعت الذات الشاعرة من الحقول الدلالية التي تغترف من التجربة الذاتية في الكتابة الرومانسية، رغبة منها في تجاوز دلالات الواقع الكائن، واستشراف عوالم شعرية رومانسية بهية في الواقع الممكن، لكن القوى الفاعلة المثبتة والمحبطة لهذه الشاعرية، أرخت بسدولها على الذائقة الجمالية، فظلت حبيسة العواصف الهوجاء، وطوفان المشاعر، وحدها الحمامة البيضاء خففت من حدة توتر الذات الشاعرة، ومدتها بالطاقة الإيجابية للملمة جراح الواقع الكائن بزهرة الياسمين، وتشييد الأحزان والأحلام، على صهوة لغة مجازية تسعف على مد الذائقة الشعرية بنسغ الحياة.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *