“بعد الحياة بخطوة” للأديب القيسي سرديات الماوراء وخيارات التساؤل عن الجدوى

(ثقافات)

رواية “بعد الحياة بخطوة” للأديب يحيى القيسي

سرديات الماوراء وخيارات التساؤل عن الجدوى

عقيل هاشم

 

في رواية «بعد الحياة بخطوة » للاديب يحيى القيسي.. سردية من حمولات الكاتب الفكرية للعالم, بل مكابدات مصيرية في الخوض في جدل الوجود والعرفان ورحلة تجريبية في منطقة محظورة اجتماعيا-دينيا .سرديات مشاغبة فهو في هذه الرحلة يستعمل الكاتب كل ما درسه وتعلمه من مفاهيم وقراءات تخص مفهوم الشك والايمان ضمن حدود الاديان المقدسة ,حيث يلجأ لسلسلة من النقاشات الفلسفية فيما يخص الثقافة الصوفية الباطنية ومقارنتها بالمفاهيم الشعبوية. اقول ان الكاتب لعب فنيا بما لديه من وعي حجاجي للتعبير عن حالة التفكر والتامل بعد مسيرة في هذه الحياة التي يشعر بضغوطها اليومية وحكم سلوكاته تضعنا امام, أسئلة مقلقة – من صراع الخير / الشر. يعني أنه يتحدث عن موضوع هو مضطر لأن يقترب منه رغم حساسيته ، ليس بدواعي جلب عاطفة القارئ ولكن لأنه ملتزم أخلاقيا بما يقول. اسئلة وجودية تضع الإنسان في مواجهة مفتوحة مع نفسه، فقط من أجل البحث عن تاريخه، أو عن ضرورات انتخاب اللحظات النوعية من الوعي.

رواية “بعد الحياة بخطوة” للروائي والإعلامي الأردني يحيى القيسي. صدرت عن “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” في بيروت وعمّان . القيسي روائي وباحث وإعلامي من مواليد حرثا – شمال الأردن عام 1963 وسبق أن أصدر ثلاث روايات: باب الحيرة، 2006؛ أبناء السماء، 2010؛ الفردوس المحرم، 2016؛ إضافة إلى مجموعتين قصصيتين هما الولوج في الزمن الماء، 1990؛ رغبات مشروخة، 1996، وكتابين في الحوارات والترجمة. الرواية تندرج ضمن مشروعه الروائي المنشغل بالمسائل الروحانية والماورائيات، والتي تمثّل عتبة اتصال في رواياته السابقة واللاحقة لتتشكل في النهاية رباعية سردية تحتاج إلى الكثير من التأمل والدراسة، كونها تمتلك خصوصيتها وعناصرها المميزة. عنوان الرواية تشير الى أن الحياة تبدأ بعد خطوة ثم تنتهي حيث لا مفر منها ولا هروب.فقد برع المؤلف في تقديم رؤى مغايرة للمتعارف عليه شعبويا من خلال بطل روايته الذى تنتهى حياته بعد محاولة طيبة يعلمنا فيها ان الحياة خطوة لاغير . الرواية تتحدث عن شخص يفارق الحياة مؤقتا بعد دخوله في غيبوبة لنحو شهر من الزمان، إذ يترك جسده المادي على سرير المستشفى فيما يغادر بوعيه الحاد أو جسده الأثيري إلى عوالم جديدة ضمن معراج ذاتي يقوده إلى مقابلة من سبقه في الرحيل أو الانتقال: “الموت”، ويتم عرض حياته السابقة أمامه كاملة ليعرف أين أصاب وأين أخطأ في رحلته الأرضية، كما يصف بالتفصيل الحياة الفردوسية التي

عقيل هاشم

يعيشها من يستحقها هناك من الأرواح الراقية، وكيفية مواصلتهم أعمالهم الأرضية السابقة بصورة أخرى مختلفة عن المقاربة المعهودة في المرويات التراثية أو الدينية الجاهزة، وذلك ضمن خيال جامح يحاول بثّ الأمل في النفوس التي عذبها فقدان أحد المقربين، أو هي مصابة أساسًا بما يسمى فوبيا الموت . البطل الذى لا يغادرنا منذ اللحظة الأولى للأحداث وحتى نهاية السطر الأخير، حيث تبدأ الرواية بمولد مريم (الأخت) بحجرة صغيرة في إحدى قرى الريف الأردني لتأخذ الأحداث مجرياتها، تتشابك الشخصيات وتتقاطع الأزمنة وتتنوع الأمكنة، فمن بين جدران حجرة ضيقة نعبر معه إلى رحابة جنة المأوى في رحلة تعددت فيها أرصفة الانتظار ومحطات الخذلان ووثْبات فلتان السهم من الرمية. فالكاتب يرى ان الموت ليس نهاية بل هو بداية لحياة جديدة موازية للحياة الأرضية السابقة، وحافلة بالعمل من أجل الترقي لما هو أفضل من عوالم أخرى قادمة، بينما تنتظر أولئك الذين فشلوا على الأرض، بسبب من أخلاقهم الدونية وجرائمهم التي تكبلهم يقول تلك حياة قاسية لا تليق حتى بالحيوانات. الشخصيات تنوعت مابين – المهندس المعمارى وطبيبة الأسنان وربة المنزل…الخ ومن الأشياء اللافتة هو طغيان الحوار الفلسفي في خرق التابو الديني من الموروث حيث جدل الموت وعذاب القبر والثواب والعقاب والجنة والنار . لقد كان صوت الكاتب يتكلم من وراء شخصياته، لكل منها صوته داخل ماهية الإنسان المأزوم، فالمنطق هنا يتوزع على أداء مباشر وبالمقابل ساعد النص على أن يكون عن حدود الوعي، وربما هذه هي الفكرة المرجوة من الادب. أن يدعوك لأن تنفصل عما أنت منغمس فيه. وتجهز نفسك للانتقال الى عوالم اخرى لم تطأها قدم القارئ سابقا.. وعن جدوى الادب في الخوض في عالم الماوراء لاسيما ان الرواية هي فعل كتابة ينهض على سياقات، باتت ترى في الرواية مجالاً تعبيرياً أكثر نجاعة وتأثيراً، وربما جاذبية للمتلقي الذي يتجه إلى السرد بوصفه نسقاً حاملاً للكثير من الأفكار والرؤى والتوجهات، وربما الأيديولوجيات، ولعل هذا يأتي استجابة لهيمنة الرواية التي بدأت تتصدر المشهد العربي الثقافي. وإذا كان الروائي يحيى القيسي معنياً بالإشكالية الماورائيات سردا وشعرا، عبر نصوص ذات طابع فلسفي – إنساني جمالي، جعل هذا التمثل السردي حالة جديدة تتصل بالموضوع الماورائي سردياً، فقد جاهد كثيرا عبر روايته التي تتسم بنسق عرفاني مفاهيمي ، يستند إلى تقنية تعدد الرواة ، حيث تضطلع كل شخصية بفعل الحكي لتسرد ما تراه، وتعاينه، بل هي تنهض بفعل الحكاية، ولكن من خلال حساسيتها الخاصة، وهذا مما يشكل نمطاً من التلقي المغاير، جعل ثمة خيط ناظم للرواية لتلتحم وتتصل بسرديات الكاتب السابقة واللاحقة وبهذا الفهم المعرفي العرفاني الواعي.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *