في ليختنشتاين بلد الرفاهيّة

(ثقافات)

في ليختنشتاين بلد الرفاهيّة

علي نوير

أن تشتري أرضٌاً بالغة الجمال وبمساحة 160 كيلومتراً مربّعاً ، تجمع جبالاً شاهقة مُغطّاة بالغابات وسهولاً خضراً وأنهاراً متدفّقة ، وبعيدة عن ضوضاء السياسة ومتقلّباتها لهيَ منقبةٌ تُحسَب لأسرة ( ليختنشتاين ) النبيلة ذات الأصول النمساوية الألمانية ، إذ قامت بشرائها من الامبراطورية الرومانية المقدسة وجعلت منها إمارة هي الأجمل بين بلدان أوربا والعالم ، وأصبحت منذ عام 1719 كياناً سياسياً شبه مستقل ، ثم استقلت نهائياً عن الاتحاد الألماني عام 1866 ، وهي الآن رابع أصغر بلد في أوربا من حيث المساحة ( بعد الفاتيكان وموناكو وسان مارينو ) ، لغة سكانها الألمانية وعملتها الفرنك السويسري ( يساوي 89 .0 دولاراً أمريكياً ) ، تحدّها من الشرق النمسا ومن الغرب والجنوب سويسرا ، عاصمتها بلدة ( فادوز ) التي يبلغ عدد سكانها الخمسة آلاف نسمة ، إلّا أنّ بلدة ( شان ) المجاورة لها أكبر منها قليلاً ( 5500 ) نسمة . يحكم هذه البلاد الأمير هانز آدم الثاني من قلعته المشهورة( قلعة فادوز ) منذ عام 1989 ، أما وليّ العهد فهو الأمير أليوس .
إنحدرنا إليها من جهة الشرق ، من مدينة إيمست النمساوية ، حيث مكان إقامتنا في الأيام الأربعة الماضية بعد أن حللنا ضيوفاً على أحد معارفنا هناك ، متجهين غرباً حيث حدودها المشتركة مع النمسا ، وقبيل إقترابنا من هذه الحدود خطر في بالي أنّ ثمّة عائقاً قد يمنعنا من عبورها كون هذه البلاد ليست عضواً في الإتحاد الأوربي إلّا أنّ دخولنا إليها كان سلساً جداً فهي تقع ضمن منطقة الشنجن الأوربية . توقفنا عند أقرب بلدة فيها ، وعند متجر صغير لشراء بعض المستلزمات الضرورية عرفنا من صاحبته أنّ العاصمة فادوز لا تبعد كثيراً عن هذا المكان ، وبعد عشر دقائق وجدنا أنفسنا في مركزها تقريباً ، هي بلدة صغيرة إلّا أنها تتوفّر على ما في المدن الكبرى من مؤسسات ومعالم سياحية ومباهج ، فهي من الأماكن الساحرة التي تشعر معها بإلفة عجيبة إذ تجذبك أجواؤها من الوهلة الأولى ، وتنسى أنك في الواقع لا تقوى على مجاراة إرتفاع كلفة الأقامة فيها ولو لساعات .
في الشارع الرئيس الذي يتوسّطها والذي لا يمتد أبعد من كيلومتر واحد ترى على جانبيه العديد من المرافق السياحية والفنية والتجارية والمتاحف وعدد من المقاهي ، ينتهي الى ساحة تتوفّر على أماكن للراحة والاستجمام واللهو البريء ، يحيط بهذا كله سياج من الأشجار زاهية الخضرة مع ورود بأشكال مختلفة ، بعضها غريبة إذ لم أر لها مثيلاً في مكان آخر .
هذا البلد الصغير لم يكن قبل سنوات قليلة على قائمة السياحة العالمية ، ولكنني أرى الآن مجاميع كثيرة من السيّاح الأجانب ومن مختلف الجنسيات تتوافد على الشارع الرئيس في العاصمة فادوز ، تأتي بهم الحافلات من مطار زيورخ السويسري إذ لا يوجد مطار هنا ، بالإضافة إلى كونه بلداً داخليّاً مغلقاً لا سواحل يطلّ عليها . واللافت في هذا البلد أنّ إقامة الأجانب فيه تكاد تكون محصورة بمن لديهم تصاريح عمل شرط أن يكونوا قد تخرّجوا في جامعة ليختنشتاين ، وفي فادوز وشان العديد من العمالة الأجنبية ( من ألمانيا والنمسا وسويسرا وإيطاليا ) إلّا أنّهم لا يقيمون على أراضيها ، فهم في آخر كل نهار يتركونها عائدين الى بلدانهم القريبة . والمعروف أنّ هذه البلاد تشتهر بصناعة الأوسمة والنياشين .
أغلب أراضي البلاد جبلية وأعلى قمة فيها يبلغ إرتفاعها 2599 متراً ، وهي من البلدان التي تشتهر برياضة التزحلق على الجليد ، إلّا أنها لا تخلو من مراعٍ خضر أراها تمتد على جانبيّ الطريق لحظة عبورنا حدودها أول مرّة ، مع وجود عدد من الجداول سريعة الجريان فضلاً عن وجود نهر الراين الكبير الذي يفصلها عن سويسرا ، والذي عبرناه بعد ساعات الى مدينة زيورخ وسط سويسرا .
تركنا هذه البلاد الجميلة ونحن نمنّي النفس بزيارة أخرى .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *