(ثقافات)
(جدارا) المدهشة
صفاء حطاب
المدينة النائمة التي تراودها أحلام الجغرافيا الوادعة وكوابيس التاريخ العاصف!
مدينة (جدارا) أو (أم قيس ) الشامخة والصامتة صمتا شجيا يثير الرغبة بمعرفة المزيد عن قصة المكان .
ينحدر الاسم «جدر» من الجذر السامي الذي يعني حصناً
أو تحصيناً أو جداراً أو حائطاً، وهذا ما يتناسب مع المنحدرات العلوية من وادي اليرموك التي تحيط بالموقع. وبعد الاحتلال اليوناني للمنطقة تغير هذا الاسم من جدر إلى جدارا أو جادارا؛ ليتناسب مع طريقة اللفظ الإغريقية.
تقع مدينة أم قيس الأثرية Gadara على الحدود الشمالية الغربية الأردنية، شمال مدينة إربد نحو ٢٨كم، وعلى بعد ١١٠ كيلومتر شمال العاصمة الأردنية عمان، وتُعدّ بلدة أم قيس حالياً من أكبر مدن لواء بني كنانة في محافظة إربد.
تنتشر أطلال الموقع على سهل واسع يرتفع عن سطح البحر نحو ٣٧٨ متراً، يحدها من الغرب بحيرة طبرية والغور الأردني، إذ ينحدر سهل أم قيس تدريجياً إلى بداية نهر الأردن عند مخرجه من بحيرة طبرية، ومن الشمال نهر اليرموك ومرتفعات الجولان السورية وجبل الشيخ، ومن الجنوب وادي العرب الممتد من إربد شرقاً حتى شونة نمرين غرباً، ومن الشرق قرى مدينة إربد. وتبعد عن الشاطئ الجنوبي لبحيرة طبرية نحو ١٢ كيلومتراً.
كانت (جادارا) على مر الحضارات نقطة حدود لها وظيفة حربية ذات أهمية كبيرة، وقيمة اقتصادية عالية، وتجارية ارتبطت بجباية الضرائب؛ نظراً لموقعها الاستراتيجي الذي جعل منها موقعاً رئيسياً للطرق التجارية التي تربط المدن في الأردن وفلسطين وسواحلها مع مدن بصرى وحوران وجنوبيّ سورية.
ونظراً للموقع الجغرافي المهم لجدارا (أم قيس)، فإنها كانت من مدن بلاد الشام التي سيطر عليها الاسكندر المقدوني عام ٣٣٣ق.م بعد طرده للفرس، باستثناء المملكة النبطية التي بقيت مستقلة.
وهكذا دخلت المدينة في العصر الهلنستي، مما أدخل لها حضارة ومعتقدات جديدة كباقي مدن المنطقة، وتمازجت حضارات الشرق والغرب في فنون وهندسة فريدة من نوعها.
وأصبحت أم قيس في هذه الفترة مركز إشعاع حضاري كبير للثقافة الهلنستية، وبقي فيها السلوقيون حتى أيام الاحتلال الروماني عام ٦٤ قبل الميلاد. وفي عهد السلوقيين حملت لقبين، هما سلوقيا وأنطاكية.
قام اليونانيون بعد احتلالها بجلب العائلات اليونانية إليها؛ وانتشرت فيها أسس الحضارة اليونانية ومعالمها التاريخية، وأصبحت مركز إشعاع حضاري للفكر اليوناني.
وحافظ الأنباط على علاقة متوازنة مع طرفي النزاع اليوناني (البطالمة والسلوقيين) وأثبتوا حضورا على ساحة الأحداث السياسية وحققوا مكاسب كبيرة على مستوى السيطرة على بعض خطوط التجارة الرئيسية. وبعد أن انتهى حكم السلوقيين في المنطقة عام ٦٤ قبل الميلاد، بمجيء القائد الروماني بومبيوس، وسقطت أم قيس عام ٦٣ قبل