عبدالرحمن منيف والمدينة

عبدالرحمن منيف والمدينة

حسن مدن

مرّت أمس ذكرى رحيل الروائي عبدالرحمن منيف، وهو المولود بعمَّان العاصمة الأردنية. والده سعودي وأمه عراقية. ليس هذا فقط ما طبع شخصية منيف، وجعل منه مواطناً عربياً بامتياز، من المستحيل نسبه إلى بلد عربي بعينه، فلقد عاش الرجل في سوريا والأردن والعراق ولبنان، وفي كل بلد عاش فيه غدا جزءاً من نسيجه الثقافي. إنه بهذا المعنى كان سعودياً وأردنياً وسورياً وعراقياً وبالطبع فلسطينياً.

قضى عبدالرحمن منيف الشطر الأكبر من حياته في العالم العربي، لا خارجه، إذا ما استثنينا السنوات القليلة التي قضاها في يوغسلافيا طالباً في الدراسات العليا لنيل شهادة الدكتوراه، ثم إقامته لبضع سنوات في باريس بعد أن غادر العراق في مطلع ثمانينات القرن العشرين، وهذا جعله في قلب الحراك الثقافي العربي، وقريباً دائماً من المشهد اليومي المتحرك.

يغري هذا التنقل الدائم لعبدالرحمن منيف بين مدن عربية عدة لاختبار علاقته بالمدن وفحصها، وهو الذي كان واحداً من قلائل كتبوا سيرة المدينة، على نحو ما فعله في كتابه عن عَمَّان مسقط رأسه، وهو قد كتب هذه السيرة بنَفس الرِّوائي الذي يتتبع مصائر الشخوص التي صنعها، ويراها تنمو أمامه وتتحرك فارضة عليه في أحيان معينة منعطفات أو نهايات غير تلك التي أرادها هو لها أول مرة.

المدينة بهذا المعنى تبدو هي الأخرى شخصية روائية يعتمد الكاتب الحكي أسلوباً لشرح تفاصيل حياتها.

يرى الكاتب أن المدن كالبشر، فلكي تقوم العلاقة مع المدينة، أية مدينة، يجب أن يحس الإنسان بالطمأنينة، بالألفة، بالحب، وهذه تتولد نتيجة المشاركة والحاجة، وأيضاً نتيجة الإحساس أن هذه المدينة تعني له شيئاً خاصاً، ولا يمكن أن تستبدل بأية مدينة أخرى، أما إذا كانت المدن مجرد أمكنة يتعايش فيها البشر، لأنهم مضطرون لذلك، فلا شك أن مدناً من هذا النوع ستكون قاسية، ضيقة، وستبقى العلاقة بينها وبين ناسها هشة.

هذه الفكرة عبّر عنها عبدالرحمن منيف حين عاد إلى عمّان بعد ثلاثين سنة من غيابه عنها، وكانت مناسبة لأن يشرح فيها رؤياه لمدينة عربية أخرى، بديلة، منشودة، أطلق عليها وصف «المدينة الإنسانية» التي يجب أن تكون حضناً حنوناً لأبنائها، مظلة تقيهم من القسوة، مراهناً على أن الحب هو الجسر الحقيقي الذي يقيم العلاقة بين البشر والأشياء والمدن.

* عن الخليج

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *