إبراهيم العجلوني … بحثاً عن أفق

(ثقافات)

إبراهيم العجلوني … بحثاً عن أفق

 

زياد الزعبي

أيا إبراهيم لم نملأ من سلاف دوالينا الكؤوس، كلما امتلأت عبها المحتالون والمنافقون والحمقى والحواة اللصوص، هدنا يا إبراهيم غناؤنا العذب للسواقي ويبسنا عطشا، فهل مصادفة أن تكون أولى ألحانك ” تقاسيم على الجراح” مثقلة بالنشيج، وغارقة في الدمع، وباحثة عن فجر جديد كلما آن له أن يبزغ امتد الليل، وترنح الزمان، والأفق يردد لحن أغنيتك:

” يا مهيرتي يا محجلة وأنت جميلة مدللة”

يا مهيرتي عمري انقضى

والحب قي شرخ الشباب

ظمآن يرويه اليباب

وها أنت يا إبراهيم ما زلت تعزف على ” مزامير الحزن”:

” والليل وأشواق تمتد/ وسراب يملأ باب الغد وأنا أدعو/ أدعو/ ودعائي يهرب منه الرد”.

وحينما نلتقي محدقين فينا نكتشف ” أننا نقف مع اليأس جنبا لجنب” باحثين عن الأمل والحب في زمن الغيلان، فتغمرنا الأمنيات ” يا ليتنا طفلان يلهوان يعبثان بالزمان يعدوان في المدى ويسخران بالردى”، لنكون من نسل “طائر المستحيل” بدائيين بريين، يستعبدنا الحب، ويغرسنا في سهل حوران أو على أطراف مؤتة زهرتي سوسن، شجرتي زيتون، ودحنونتين قانيتين تتجددان كل ربيع.

مر غدنا من ألف عام، لم نلتق بالرؤى الندية، ولم ندخل قصور الحلم، كنا نقاتل من أجل عالم جميل، وأمان بيض، وأرض تخضر تحت مطر حروفنا العاشقة، كنا سهاما مريشة بالحب والأحلام والغضب النبيل، كنا باحثين عنا وعن وطن فينا ترفرف فيه رايات القانون والعدالة والحرية، كان سلاحنا الحب والعقل، لم تكن في أيدينا فضة يهودا ولا خنجر برتوس، وكانت سيوف معاوية أحد من حق علي، وخديعة عمرو أبلغ من صدق الأشعري.

أيا إبراهيم، موقن أنا بأنك غرست في تراب الوطن ترانيمك وأفكارك، ولغاتك، وأنك نسغ حياة يتجدد على مر الزمان.

*********************************

في لقائي الأخير بك كنت تحدثني بروح فيشته ولغته الذي يرى أن الألم هو الذي يمنح الإنسان طاقة الحياة ويفجر قواه، وأن تألم الإنسان هو الذي يمنحه صفته الإنسانية الحقة، وأن معاناة الألم بصبر وتأمل توصل إلى ما يسمى السرور النابع من أعماق الألم. أدرك يا إبراهيم أنك لم تكن تتفلسف، بل كنت تحدق في تجاربك الشخصية، وفي وقائع عمر عشته وتعيشه مؤمنا بالفكر والمعرفة، ومطاردا سراب أمنيات عصية على التحقيق، تجاربك المثقلة بالمكابدات والضنى والحب والشقاء، كنت أسمع وأتامل ويلح علي هاجس أن لعنة المعرفة تجلب كل هذا، وأن التفكير في سياقات أطر تنفيه وتسخر منه وتقصي نماذجه – فعل يؤدي دون ريب إلى غربة روح وتيه عمر يلوب بحثا عن أفق يتسع لأفقه، كما فعل صديقنا أبو حيان الذي أثرى زمنه وأثرانا بفكر ومعرفة لم تعرف الحدود، وأثقله ذاك العصر بالبؤس والحرمان ، وفجر غضبه الحارق ذاك الذي كان يمكن أن يحرمنا لذات المثاقفة بكل ما فيها من الإمتاع والمؤانسة، وحال بيننا وبين مقابساته وبصائره وذخائره .

إنها بنية عصر تداخلت فيه اللغات والثقافات والأعراق، عصر انقلبت موازينه، فشالت كفة الذين يعلمون، ورجحت كفة من لا يعلمون، وتاه فيه المفكرون والشعراء العظماء في دهاليز الكوافير والنواطير، وانتهوا ضحايا على أيدي الفتاك والشطار والعيارين، فغدا أبو حيان التوحيدي غريب اليد والوجه واللسان في عصر استجبلت فيه السفوح، وتنمر السفهاء، وسادت الفهاهة والسفاهة. هذا ما نعانيه يا إبراهيم، ونحلم بأن نتحرك إلى أفقنا المرسوم بقوة الفكر وجموح الخيال الذي يمكننا من التعالي على بؤس الواقع وبشاعته وقسوته وخداعه في سبيل أن ” نكون ذات يوم ما نريد”.

إبراهيم، ها قد تأملت الدنيا الدنية بعين بصيرتك، وعزفت عن طينها بكل إرادتك، واستصغرت شأنها قدر علو همتك، فعلوت حرا في زمن عسر الحرية وتيهها. لك المحبة والتقدير.

 

شاهد أيضاً

سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في أبوظبي للكتاب

(ثقافات) سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في جناح مؤسسة العويس بمعرض أبوظبي للكتاب   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *