عباس العقاد وسلمان رشدي

عباس العقاد وسلمان رشدي

د. رشيد العناني

لعباس العقاد كتاب قرأته قديما. للكتاب عنوان متفرد لا يُنسى هو “التفكير فريضة إسلامية”. المعروف أن فرائض الإسلام خمس وليس منها “التفكير”. لكن ها هو العقاد المفكّر والمنافح عن الإسلام في إسلامياته التي تشكل جزء كبيرا من تراثه الفكري – ها هو يتجاسر من فرط حماسه ويضيف لفرائض الإسلام المعلومة والمتفق عليها من قديم فريضة سادسة، هي التفكير، وأذكر أنه في الكتاب يعدد دعما لرأيه عددا كبيرا من الآيات القرآنية الداعية للتفكر والتأمل. ولا شك أن “التفكير” هو الذي أدى بالعقاد المفكر إلى اقتراح التفكير فريضة سادسة، مخالفا بذلك المنقول وإن لم يخالف في رأيي المعقول. كلما تذكرت عنوان ذلك الكتاب، وفي أحداث الأمس ما ذكرني بذلك العنوان الفريد لكتاب قديم، كلما تذكرته قفز إلى ذهني (الذي لا يملك إلا أن يفكر) سؤال حيوي: إن كان التفكير فريضة إسلامية، وإن أطاعها المرء كما يجب أن تُطاع الفرائض، ففكر وقاده تفكيره في أتجاه يبعد عن الدين تماما، أو يبعد به عن متعارفات ومنقولات الدين المتوارثة قرنا بعد قرن بدون “تفكير”، فما القول في مثل ذلك المفكر المطيع لفريضة التفكير؟ إن كانت فريضة التفكير يفترض فيها مسبقا أن يقود التفكير إلى معطيات الدين الموروثة، فليس هذا الافتراض الهزلي إلا إهانة للتفكير ولدعوة النص الديني له. التفكير عملية حرة متداعية قد تؤدي إلى هذا أو إلى ذاك أو إلى أمر ثالث أو رابع. وكل دين على الأرض ليس إلا نتيجة للتفكير العميق والتأمل في ظواهر الكون والإنسان. وكل دين على الأرض كان ثورة فكرية على النظم الفكرية والمعاشية السابقة عليه. كل دين ومنها الإسلام هو دعوة ضمنية، إن لم تكن صريحة، لمواصلة التفكير. لا يمكن لدين أن يقول التفكير قد وقف عندي، ولا حاجة لكم به حتى آخر الزمان. أي دين يقول ذلك يصبح على الفور مناقضا لنفسه ومنشأه الذي تولّد من التفكير الحر. مرة أخرى إذا كان التفكير فريضة إسلامية فلابد أن يكون مبنيا في أي عملية تفكير إمكانية التوصل إلى نتائج غير مفترضة مسبقا. وإذا ما واصلنا تأدية فريضة التفكير، فسنجد أنفسنا نقول إن التفكير هو عملية ذهنية داخلية تماما، مغلق عليها داخل ذهن المفكر. إذن الدعوة للتفكير متضمن فيها تلقائيا الدعوة للتعبير الحر عن الفكر. فلا قيمة لأي تفكير إن بقي مغلقا عليه في ذهن المفكر. ولو كان الأمر كذلك ما وُجد دين من الأديان، ناهيك عما عدا ذلك من الأفكار التي استفادت منها الإنسانية. فالأديان كلها نشأت من طريق التعبير الحر عن الفكر المناقض للقائم والمتعارف عليه. يتبع من ذلك أن كل مفكر وكل معبر علنا عن تفكيره، ثابت عليه في وجه محاولات إصماته هو بالضرورة إنسان متدين بالمعنى العريض، متبع لقدوة الأنبياء وقادة الفكر العظماء في تاريخ البشرية. يتبع من ذلك أيضا أن كل قامع أو مضطهد أو قاتل لصاحب الفكر الحر المعبر عنه هو بالضرورة رافض للأسس الدينية، مناهض لفريضة التفكير، ليس فقط في الإسلام ولكن في كل دين. هذا هو الضوء الذي يجب أن نرى فيه محاولة اغتيال سلمان رشدي أمس، كما هو الضوء الذي يجب أن نرى فيه محاولة اغتيال نجيب محفوظ في 1994، والذي يجب أن نرى فيه كل الاغتيالات الحافل بها التاريخ، والتي كان مبعثها شهوة قمع التعبير الحر عن التفكير.

شاهد أيضاً

لا شيءَ يُشبه فكرَتَه

 (ثقافات)  نصّان  مرزوق الحلبي   1. لا شيءَ يُشبه فكرَتَه   لا شيءَ يُشبه فكرتَه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *