فخري قعوار:سلاما أيها الجـَبـَلُ

(ثقافات)

فخري قعوار:سلاما أيها الجـَبـَلُ

محمد المشايخ

فخري قعوار،اسم كبير في عالم الصحافة والأدب،كان قبل إصابته بـ”الزهايمر”من أهم الأدباء والإعلاميين العرب الذين وصلوا إلى قيادة المشهد الثقافي العربي المعاصر، ومن التنويريين الذين أولوا رابطة الكتاب الأردنيين اهتمامهم، وممن دفعوا حراكها الثقافي خطوات سريعة ومتقدمة إلى الأمام،وممن مهدوا السبيل أمامها لتلتحق بركب الحراك الثقافي العربي والعالمي، إلى جانب عدد من أعلام الحركة الأدبية والإعلامية الأردنية.

حظي قعوار بثقة الهيئة العامة للرابطة وفاز في إحدى عشرة دورة انتخابية،كما فاز برئاسة الرابطة أربع مرات،وكانت حواراته الهادئة مع زملائه في الهيئة الإدارية تدغدغ صمت عصافير الحرية على ياسمين اللويبدة، فـَتـُحـَلق حاملة معها آمالهم وأحلامهم.

وكانت القفزة العظيمة التي قفزها فخري بالرابطة وبالحياة الثقافية في المملكة،حين انتخب أمينا عاما للإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب لدورتين،إحداهما عام 1992،والثانية عام 1995،لمدة 3سنوات في كل مرة، وكانت الحكومة تدعمه ماديا ومعنويا، وكان سيادة الشريف زيد بن شاكر، ومعالي د.خالد الكركي، و أ.محمد داودية يده اليمنى وسنده في كل المراحل، فعند انعقاد المؤتمر التاسع عشرللأدباء والكتاب العرب تحت الرعاية الملكية السامية في عمان عام1992، أوصل أ.داودية(وقد كان مدير دائرة الاعلام والعلاقات العامة في الديوان الملكي الهاشمي) من الديوان العامر للرابطة ستين ألف دينار أنجحت المؤتمر وأنعشت الرابطة لسنوات طويلة، وفي رئاسته الثانية اقترح داودية الحصول على مبنى”خلف صرح الشهيد”ليكون مجمعا للهيئات الثقافية في عمّان،ورغم دعم قعوار للفكرة، إلا أن الهيئات الرياضية حظيت بذلك المبنى.

فخري قعوار، المبدع الشمولي، الذي كتب في كل الأجناس الأدبية والفكر والدراما،كتب أحد عشر ألف مقالة صحفية، ,في الوقت الذي كان الراحل مؤنس الرزاز يؤكد فيه أن الكاتب اليومي بحاجة إلى فترة استراحة من الكتابة،كي يقرأ بنهم،ويعوِّض عما فقده من مخزونه الكتابي، فإن قعوار كان يقول إنه تعود على الكتابة اليومية، وربما لا تأخذ المقالة من وقته أكثر من خمس دقائق.

كان ينتقد بعض البيئات الطاردة للإبداع، ويتساءل بمرارة:تـُرى لو ولد نجيب محفوظ في إحدى القرى الأردنية، فهل كان سيحظى بالشهرة التي حظي بها في مصر؟ ووازى قعوار بين اهتمامه بالحياة الأدبية في عمان، وبينها في المحافظات، وكان أول من نظـّم رحلات ثقافية في الربع الأخير من القرن الماضي وصلت إلى معان والطفيلة والكرك والعقبة، فيما استقبلت عمّان مبدعي تلك المحافظات.

كان فخري جريئا في كشف المستور، فقال إنه ضرب موعدا مع أحد وزراء الثقافة، وحين دخل إلى مكتبه، رحب به ذلك الوزير قائلا له: أهلا بالدكتور ممدوح العبادي،وله قصص وحكايا وطرائف مع زملائه في الصحافة وخاصة:محمد داودية،محمود الكايد،وبدر عبد الحق،وأحمد المصلح.

سعى قعوار إلى إحراز مكتسبات لزملائه في الرابطة، ومعظمها يتعلـّق بالأوضاع المعيشية للكـُتـّاب، ولأن بعضهم تنطبق عليهم وعلى عائلاتهم بالفعل تسمية “البيوت المستورة”،أو “تحسبهم أغنياء من التعفف”،فقد أحضر فخري قعوار،وفعل الأمر نفسه فيما بعد أ.د.أحمد ماضي،ملابس،وفي بعض الأحيان نقودا لتوزيعها على كـُتـّاب تنطبق عليهم تلك الحالة، وكلاهما كان حريصا على عدم معرفة المحتاج لمن قدّم لهم تلك المساعدة.

كانت لجان العضوية، تتشدد في قبول الأعضاء، وكان الذي تـُرفض عضويته، ممنوعا من التقدم ثانية للعضوية ،إلا بعد مرور6 أشهر،وكان قعوار يقول مازحا: العضوية في الرابطة،مثل فحص السواقة،قد لا يحالف المرء الحظ فيها من أول مرة،ولكنه قد يتحقق مرات مقبلة، وكان كلما عجز عن تلبية مطالب بعض الأعضاء التي تتضارب مع مصالح الأعضاء الآخرين يقول لصاحب الطلب: جئت تطلب نارا أم تشعل في البيت نارا.

كان مولعا بالتدخين، وكانت أمنيته أن يتوقف عنه، غير انه كلما جرّب إقصاءه، تظهر التقرحات في فمه، فلا يستطيع الأكل، ولا الكلام، فيتواصل مع أصدقائه عبر الكتابة لهم،وعندما يعود للتدخين تشفى تلك التقرحات التي كواها له شقيقه الطبيب ولم تزل، بينما بالعودة للتدخين زالت..وقال إنه هرب مرة من السجائر إلى الغليون،وسرعان ما اكتشف أن حشوة كل غليون تعادل تدخين ست سجائر معا.

كل الكـُتاب يعانون من كثرة الكتب التي تملأ كل زاوية في بيوتهم، من السدّة إلى بيت الدرج وغرفة النوم، إلا قعوار، كان يقول إن زوجته متخصصة بعلم المكتبات، وتقوم بتصنيف كتبه الكثيرة، وتضعها في خزائن صغيرة متباعدة في القسم العلوي من جدران المنزل، هي تعرف مكان كل كتاب يريده، وبدونها لا يستطيع الوصول إلى أي كتاب.

قعوار كان أول كاتب أردني أقيم لكتابه:” ثلاثون عاماً من الإبداع”،حفل توقيع في المملكة عام 1996.

وقد رتـّب كل من قعوار،وعبد الجبار أبو غربية قبل رحيله،لقاء صحفيا لجريدة الوحدة، بين شاعر أردني،وكاتبة عربية مهمة كانت تزور الأردن، فأثمر عن قصيدة من تأليف الشاعر الولهان، جاء في مطلعها : “عشقت لأجلك أرض الحجاز.. بعد أن أشعلت ِ في قلبي البنزين والكاز.. “

وقال قعوار إنه قدّم قصة لتمثيلها عبر التلفزيون،ولما رآها من خلال الشاشة الصغيرة،فوجئ بأنها تحولت إلى قصة أخرى تخللها الرقص و”الفقش”.

وفي الختام،أدع القراء مع قعوار يتحدث عن نفسه،حيث كتب في جريدة الدستور بتاريخ 23/5/2008: (أما المشاركة مع المقاومة الفلسطينية،فقد كانت تجربة مشوبة بالغنى والخطر والمغامرة معا،حدث مرة أن أوقفت رجلا عند مفرق طرق وهو يقود دراجة هوائية،كان الرجل في الستين من عمره،رث الهيئة منكسرا أمام طغيان الحياة،ويضع على المقود كيسا صغيرا فيه كيلو غرام من البندورة،ويعتزم الذهاب إلى منزله،أوقفته وسألته عن بطاقة هويته،فقال لي بخوف،انه رجل مستور،وفي حاله،ولا يحمل بطاقة،كنت مسلحا وملثما،وكان من المفروض أن أذهب في وجهه مثل القنبلة الموقوتة،لكنني تأثرت لحاله،وتضايقت من نفسي لأنني اعترضت سبيل رجل مسالم،وكدت ابكي).

أتمنى لأبي أنيس الشفاء العاجل، ليستكمل ما فاته من حراك ثقافي وإعلامي ساحتنا بأمس الحاجة إليه.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *