التحليل التداولي لخطاب القصة: أبحاث لمجموعة متخصّصين

(ثقافات)

التحليل التداولي لخطاب القصة: أبحاث بين دفتي كتاب

التحليل التداولي لخطاب القصة – دراسات محكّمة، عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن دار ركاز في إربد ـ الأردن، بقلم مجموعة من الباحثين، من إعداد وتنسيق: الدكتور أحمد الوظيفي والدكتور نور الدين اجعيط، ويقع الكتاب في 354 صفحة.

يضم الكتاب أربعة محاور هي: القصة القصيرة وتشكيل النوع، التحليل التداولي للقصة القصيرة، التحليل البلاغي لخطاب القصة القصيرة، القصة القصيرة وبناء المعنى. وأبحاثاً محكّمة شارك بها الباحثون: يوسف البوهالي، غسان عبد المجيد، عبد العزيز شمار، نور الدين اجعيط، علياء الداية، علي بوراس، سيدي حسن أزروال، عبد الوهاب مستغفر، محمد لشهب، محمد أبحير، كريم بلاد، أحمد الوظيفي، السعيد العلالي.

وجاءت الأبحاث وفقاً للعناوين:

المحور الأول، القصة القصيرة وتشكيل النوع: القصة العربية القصيرة الرؤية الفنية والأجناسية ـ يوسف البوهالي، النقد القصصي في سورية من الخمسينيات إلى نهاية الثمانينات ـ غسان عبد المجيد.

المحور الثاني، التحليل التداولي للقصة القصيرة: التكثيف والاختزال في خطاب القصة تداوليات المعنى المجازي ـ نور الدين اجعيط، الاستلزام الحواري في الخطاب القصصي “الجبابرة” للكيلاني نموذجاً ـ عبد العزيز شمار، جماليات القصدية وخطاب الماورائيات في قصص عربية معاصرة ـ علياء الداية، تلفظية الإشاريات في خطاب القصة القصيرة العربية “في معراج الشوق أرتقي” نموذجاً ـ علي بوراس، تداوليات القصة القصيرة جداً في ظل تفشي جائحة كوفيد19 ـ سيدي حسن أزروال.

د. علياء الداية

المحور الثالث، التحليل البلاغي لخطاب القصة القصيرة: بلاغة الصورة السردية الموسعة من خلال نماذج من مجموعة “النظر في الوجه العزيز” لأحمد بوزفور ـ عبد الوهاب مستغفر، البعد الحجاجي التداولي في القصة القصيرة قصص محمد بوعمران نموذجاً ـ محمد لشهب، آليات الحجاج في الكتابة القصصية المغربية المعاصرة المجموعة القصصية “الغريب” للكاتبة ليلى أبوزيد نموذجاً ـ محمد أبحير.

المحور الرابع،  القصة القصيرة وبناء المعنى: مطاردة المعنى في مجموعة “الشجرة العمياء” لمحمد العتروس ـ كريم بلاد، بلاغة المقاومة في القصة القصيرة من خلال قصة “الرجل الذي وجد البرتقالة” لبوزفور ـ أحمد الوظيفي، ثنائية الحذف والصمت في الخطاب السردي ـ السعيد العلالي.

كلمة غلاف الكتاب:

 “هل يمكن للسرد أن يقول العالم؟ كيف؟ وبأي معنى؟ هل الخطاب العلمي كافٍ لقول الواقع وتغييره أم أننا بحاجة إلى التوسل بالتخييل السردي للقيام بذلك؟

يوجد إلى جانب الخطاب الحجاجي، خطاب آخر لا يخلو من فعالية وآثار عملية واعتقادية وهو الخطاب التخييلي، لكن هذه الفكرة وإن تم التخلي عنها في سياق هيمنة الشعريات، والأسلوبيات الحديثة مع البنيوية، والشكلانية لصالح شفافية الأدب وانفلاته من الارتباط بأي مرجع خارجي، فإن مجموعة من الأصوات تنبهت إلى وجود صيغ تعبيرية وأشكال خطابية تسلك طريقها إلى واقع قد يعجز الخطاب العلمي عن الوصول إليه، وهو المسعى الذي تهدف إليه هذه الدراسات حول خطاب القصة القصيرة، متجاوزة الاهتمام بالجوانب الجمالية من خلال دراسة آليات الحوار والسرد والوصف متأثرة بالمناهج البنيوية والسيميائية، لتقارب مقاصد وغايات عملية هدفها الدفع إلى الفعل إقداماً أو إحجاماً، وهو مقصدنا من توجيه الجهد إلى دراسة الأبعاد التداولية والحجاجية لفن القصة”.

د. أحمد الوظيفي

 من مقدمة الكتاب:

 “وإذا كانت القصة القصيرة جنساً أدبياً حديث النشأة في البيئة العربية لأسباب حضارية واجتماعية وإيديولوجية وسياسية في سياق ما سمي بالأدب الواقعي، فإنه ما فتئ أن توجه إلى تبئير الجوانب الفنية، ليعانق التجريب بعد ذلك، لكنه احتفظ بأبعاده التأثيرية من خلال دفاعه عن قضايا اجتماعية ترتبط بالإنسان… لقد توزّعت محتويات هذا الكتاب الجماعي وفق محاور أربعة، ضمّ كل واحد منها دراسات محكّمة، رامت التفكير في الأبعاد التداولية للقصة القصيرة والقصة القصيرة جداً، حيث خصص المحور الأول لإثارة قضايا تجنيس القصة القصيرة، وواقع نقدها في بعض الأقطار العربية، وخصص المحور الثاني لتداوليات القصة، ونذر الثالث لكشف الأبعاد البلاغية: التأثيرية والجمالية لفن القصة، أما المحور الأخير فاختص بالكشف عن سبل بناء المعنى في فن القصة… لا شكّ أن خطاب القصة القصيرة والقصيرة جداً خطاب منفتح على قراءات متعددة، تبعاً للأسئلة التي تطرح عليها وتبعاً لوجهات نظر الباحثين فيها. لقد جاءت أسئلة هذا الكتاب متنوعة تستحضر سياقات الإنتاج ومقصدياته مما أسفر عن تنوع في المقاربات وتعدد في الآليات وفي النتائج المحصلة. أملنا كبير في أن يفتح هذا الكتاب شهية الباحثين على تعميق البحث في البعد المعرفي لفن القصة في العالم العربي.”

1 ـ القصة القصيرة التشكل والقراءة:

تقترح مقالة الباحث يوسف البوهالي الموسومة بالقصة القصيرة وعلاقتها بالجنس الأدبي تتبع الإبدالات التي ميزت وضعية القصة القصيرة في علاقتها بالرواية، وتمثلات هذا التعالق في الوعي النقدي العربي استناداً إلى ما يتيحه مفهوما النص الغائب والتداخل النصي، ويرتبط بهذا الرهان سؤال التصنيف الأجناسي لهذا الفن الأدبي بما يفتح الدراسة على تأمل القضايا المسكوت عنها واستقصائها في خطابنا النقدي.

أما الباحث غسان عبد المجيد في دراسته “النقد القصصي في سورية من الخمسينيات إلى نهاية الثمانينيات” فقد سعى إلى الكشف عن جهود نقاد القصة في سورية من الخمسينيات إلى نهاية الثمانينيات، وإلى الوقوف عند التطور الحاصل في سيرورة النقد القصصي السوري، وبيان مدى استيعاب النقاد لمعطيات النقد الحديثة، وقدرتهم على توظيفها في سبيل إنجاز نقد إجرائي للقصة القصيرة.

د. غسان عبدالمجيد

2 ـ تداوليات القصة القصيرة:

خصص الباحث نور الدين اجعيط دراسته الموسومة بـ”التكثيف والاختزال في خطاب القصة: تداوليات المعنى المجازي” لكشف فعالية الخطاب السردي التداولية والحجاجية، من خلال فحص قصة “أكلة الجن” لمحمد أنقار لتبين الكيفية التي تشتغل بها الاستعارة لتشييد أحداث القصة وكشف عوالمها، ثم تبيُّن أثرها الانفعالي في المتلقي، من خلال العوالم الغامضة والغريبة التي تنسجها أحداث القصة والتي تكشف انفعال الطفل الذي يشكل بؤرة الحكي في هذه القصة. وقد قاد ذلك إلى تبيّن مقاصد القاص من وراء سرد هذه الأحداث، فغرضه الأساس تصوير حالة البؤس والحرمان الذي تعيشه فئات عريضة من سكان المدن، وما استدعاؤه لصور الخوف وحالة الاغتراب التي عاشها الطفل في دروب المدينة الموحشة والمظلمة إلا شواهد على الوضع النفسي المضطرب والقلق الذي عاشه الطفل في المدينة الموحشة، وهو الوضع النفسي الذي سينتقل إلى القارئ فينفعل له منساقاً لأحداث هذه القصة، خاصة لما أضاف لها القاص حالة العم وهو في نزعه الأخير ملقى على قطع الكرتون وهي جزء من ممتلكات كوخه البئيس.

د. نورالدين اجعيط

وتناول الباحث عبد العزيز شمار في دراسته: “الاستلزام الحواري في الخطاب القصصي” أحد أهم المفاهيم التداولية ممثلاً في الاستلزام الحواري لتوظيفه في تتبع الاستلزامات الحوارية الماثلة في قصة الجبابرة لنجيب الكيلاني مسترشداً بالمقاطع الحوارية المشكلة للبنى الصغرى والتي تخدم بدورها بنية النص القصصي الأوسع.

وأما الباحثة علياء الداية فسعت من خلال دراستها لنماذج من القصة القصيرة العربية المعاصرة، في محاور منها: تداول المجهول، التجلّي الجمالي، الحضور الأخلاقي، عند كل من إبراهيم الكوني وطالب عمران ومصطفى الشيمي ووجدي الأهدل، إلى الكشف عن القيم الجمالية للقصة باستلهام نظرية القصديّة وتحليل الخطاب. مبينة أن الناظم المشترك في هذه القصص هو الظواهر الماورائية البارزة التي تؤدي دوراً محورياً في سيرورة الحدث، التي تمتاز بالتنوع من حيث الظواهر وتوزعها المكاني وتأثيرها الانفعالي والشعوري في الشخصيات. إذ تلقي الرؤية الجمالية بظلالها على جزئيات العمل الأدبي، وشخصياته، وأحداثه، فمن خلال خطاب الماورائيات، يمكن رصد جزئيات الظواهر الماورائية، ومكوناتها الفاعلة ودورها في السرد. أما نظرية القصدية فهي المحور المهم الذي تدور حوله أفعال الشخصيات، ليظهر مدى استيعاب الشخصية أهدافها أو ضياعها في غياهب أوهامها الذاتية أو عجزها أمام هول الظاهرة. وتأتي القيم الجمالية لتمثل روح النص القصصي، فهي الهالة التي تعيش الشخصيات في كنفها، والمثل العليا التي تريد الحصول عليها، وفي سبيل ذلك تتحرك وتتفاعل في حركة تداول المعطيات من حولها.

وحاول الباحث علي بوراس في دراسته التي اختار لها عنواناً وسمه بـ”تلفظية الإشاريات في خطاب القصة القصيرة” إبراز خصائص العناصر الإشارية في الخطاب القصصي. منطلقاً من تعريف الإشاريات ومن تحديد خصائصها ووظائفها في الخطاب، ليركز بعد ذلك على الاستراتيجيات التلفظية من أجل الكشف عن أشكال تعلُّق الوحدات الإشارية بالوضعية التلفظية، متخذاً من المجموعة القصصية “في معراج الشوق أرتقي” للكاتبة الدكتورة سعاد الناصر، الصادرة في الطبعة الأولى 2016، متناً للدراسة.

د. علي بوارس

ولما كانت الخطابات الساخرة تستمد موضوعاتها من المواقف والقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، قصد إحداث تأثير في المتلقي، باعتماد التهكم والنقد؛ نقد السياسات الاجتماعية والاقتصادية، أو الشخصيات الرسمية (وغير الرسمية) المؤثرة، أو قضايا الفساد والبيروقراطية وتدني المستويات المعيشية والتهكم عليها، فقد تتبع الباحث سيدي حسن أزروال دراسة بعض الخطابات السردية الساخرة ممثلة في القصة القصيرة جداً التي تم إنتاجها في سياق انتشار جائحة كورونا والمذاعة عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية وشبكة الإنترنت، بهدف تتبع بنيتي التهكم والضحك فيها.

3 ـ التحليل البلاغي لخطاب القصة القصيرة:

سعى الباحث محمد لشهب في دراسته التي وسمها بـ”البعد الحجاجي التداولي في القصة القصيرة: قصص محمد بوعمران نموذجاً” إلى محاولة الكشف عن بعض الخصيصات البلاغية والمميزات الأسلوبية التي انفرد بها المتن السردي المدروس، وهو متن أخلص فيه صاحبه إلى طريقة متفردة في البناء، على مستويي الشكل والمضمون، وهي ميزة تكاد تنسحب على جل كتاباته السردية، التي تمتح من تجارب الواقع وتراهن على ترسيخ القيم الإنسانية بصوغها في قالب فني، يقوم على اللغة البسيطة، القريبة من كل المتلقين، عبر حبك قصصي ينهض على السهل الممتنع في تجسيد البنيات السردية وأبعادها الحجاجية والتداولية.

ويندرج العمل الذي قدمه الباحث محمد أبحير في إطار البحث البلاغي، حيث سعى الباحث إلى الكشف عن آليات الحجاج في الكتابة القصصية المغربية المعاصرة، انطلاقاً من المجموعة القصصية “الغريب” للكاتبة المغربية ليلى أبو زيد، رغبة في التعرف على مميزات الكتابة القصصية في مجموعتها، عن طريق رصد مختلف الآليات الحجاجية الموظفة في المجموعة القصصية، وقد آل هذا البحث إلى كشف العديد من المؤشرات الدالة على انتماء هذه المجموعة القصصية إلى النمط الحجاجي الإقناعي، الذي يرمي إلى إثبات قضية ما أو محاولة إيصال رأي أو تفنيده.

د. محمد أبحير

وحاول الباحث عبد الوهاب مستغفر قراءة نماذج من قصص منتخبة من مجموعة “النظر في الوجه العزيز” لأحمد بوزفور، في ضوء بلاغة السرد كما بلورها محمد أنقار، ومن اقتفى أثره من بعد، راصداً الصور السردية الواردة في القصص موضوع الدراسة، ومتخذاً منها مطية لسبر أغوار النص، ومستكنهاً بعض أبعادها البلاغية والتداولية.

4 ـ بناء المعنى في القصة القصيرة:

تتبع الباحث كريم بلاد في المجموعة القصصية “الشجرة العمياء” للقاص المغربي محمد العتروس آليات تشكل المعنى وانبنائه، وفق التنامي السردي الذي ارتضاه القاص في مجموعته، من خلال إعادة بناء دلالة النصوص المبثوثة في المجموعة، برصد تجليات المعنى وراء شخصية “إدغار موران”، وبحفر في الهوة الفاصلة بين المتعاليات النصية والمتن المسرود في قصة “سهو”، كما أبرز اشتغال البعد الثقافي رمزياً في قصة “حينما يصبح الإسكافي حطاباً”. وانتقل إلى ارتقاء مسارات المعنى على الإيقاع السريع والبطيء في قصة “إيقاع”، لينتهي إلى ملامسة تمظهرات ضجر المثقف وجنونه في قصة “جن”، منفتحاً، في ذلك كله، على نصوص أخرى من المجموعة في تعالقاتها الدلالية والسردية.

د. سيدي حسن أزورال

ويتغيا المقال الموسوم “المقاومة بالسرد” للباحث أحمد الوظيفي تحليل بعض الآليات الخطابية التي وظفها بوزفور في قصة “الرجل الذي وجد البرتقالة” من أجل الدفاع عن إنسان الهامش والظل في مواجهة خطاب السلطة والهيمنة.

***

شاهد أيضاً

رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان

(ثقافات) رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان  صفاء الحطاب تذهب بنا رواية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *