د. كاديك: الرّواية العربية –رغم حصولها على نوبل– تبقى غير واعية بنوعها الأجناسي

(ثقافات)

 

الكاتب والناقد والباحث الجزائري الدكتور محمّد كاديك:

الرّواية العربية –رغم حصولها على نوبل– تبقى غير واعية بنوعها الأجناسي

 الدّراسات النّقدية العربية حاليًا لا تقصد إلى الإضافة بقدر ما تقصد إلى تحقيق التّراكم المعرفي

 تحديد المفاهيم نفسه يسمح للأعمال السّردية بأن تتجاوز جهد المحاكاة إلى الإبداع

 

حاوره:محمد زاوي

في هذا الحوار، يتحدث الدكتور محمّد كاديك عن كتابه الأخير “سؤال السّخرية وأدوات الكتابة السّاخرة”، الصادر عن منشورات ميم بالجزائر. وعن بعض مفاصله وتفاصيله التي ضمتها بعض فصوله الموزعة على 179 صفحة. من بين هذه المفاصل سؤال السّخرية والّذي خصّص له مبحثاً لإشكاليات المُصطلح، وركّز فيه على التّفريق بين “السّخرية” و”المفارقة”. موضحاً في هذا السياق أنّ “سؤال السّخرية”، في الحاضنة اللّغوية العربية، بقيَ مُعلّقا، وهو على أهميّته بالنّسبة للنّقد الأدبيّ، لم يبرح تعريفه البلاغيّ البسيط، واكتفى بتسيير “السّخرية العاميّة” أو “السّخرية البدائية”، وهذا يعني –حسب المؤلف دائمًا- أنّ فاعلية السّؤال –في الأعمال الأدبيّة بصفة خاصة- بقيت مُعطّلة، تمامًا مثل الأعمال النّقدية التي اِختلط عليها المفهوم، فصارت تصطنع أوهامًا لا وجود لها في أيّ نظرية من نظريات الأدب. كما تحدث عن الرّواية العربية التي -حسب رأيه- ورغم حصولها على نوبل، تبقى غير واعية بنوعها الأجناسي. كاديك تطرق أيضا في معرض هذا الحوار للحديث عن شؤون أخرى كثيرة ذات صلة بسؤال السّخرية وأدوات الكتابة السّاحرة والرواية والنقد والدراسات النقدية وغيرها.

للإشارة، الدكتور محمّد كاديك، باحث وناقد أكاديمي، وإعلامي، مُتحصل على دكتوراه علوم، تخصص قضايا الأدب والدراسات النقدية والمقارنة، من مواليد 14 جوان 1969 بمدينة المدية الجزائرية، في حوزته أعمالٌ شِعرية منها: “ورد وسكر”، “بالحياة مع وقف التنفيذ”. وأعمالٌ سردية: “طريق إلى الشمس”، “الشمس والغربال”. إضافةً إلى دراسات نقدية من بينها “من الملحمة إلى الرواية: آليات الاِنتقال الأجناسي، قصة الملك سيف التيجان: دراسة أجناسية”. وأعمالٌ نقدية أخرى منشورة بمجلات محكّمة.

لماذا سؤال السّخرية؟ وأين تكمن أهميّة سؤال السّخرية؟

محمّد كاديك: لأنّ “سؤال السّخرية”، في الحاضنة اللّغوية العربية، بقيَ مُعلّقا، وهو على أهميّته بالنّسبة للنّقد الأدبيّ، لم يبرح تعريفه البلاغيّ البسيط، واكتفى بتسيير “السّخرية العاميّة” أو “السّخرية البدائية”، وهذا يعني أنّ فاعلية السّؤال –في الأعمال الأدبيّة بصفة خاصة- بقيت مُعطّلة، تمامًا مثل الأعمال النّقدية التي اِختلط عليها المفهوم، فصارت تصطنع أوهامًا لا وجود لها في أيّ نظرية من نظريات الأدب، وربّما تتّضح أهميّة سؤال السّخرية حين أُخبرك بأنّ صاحب نظريات السّرد الحديثة، والاس مارتان، قال بعبارة صريحة: “إنّ اِنتقال أوروبا من القرون الوسطى إلى القرن العشرين، هو نظير اِنتقالها من الأسطورة إلى السّخرية”؛ وهو هنا يتحدث عن “الاِنتقال” بِمَا هو مجموع التغيرات والتحوّلات والاِنقلابات التي تُوافق السيرورة التّاريخيّة للأدب في أوروبا، أي كلّ ما يتعلّق بتجاوز هيمنة الشِّعري الملحمي، إلى هيمنة الكتابي الرّوائي. وبمَّا أنَّ “الرواية” نوعٌ أدبي ناقد، فإنّ عمود بنيتها الرئيسي هو “السّخرية”، حتّى وإن لم تفصح عمّا هو ساخر في تفاصيلها، وإذا كان مفهوم السخرية غامضًا في حاضنة لغوية مُعينة، فإنّ “الرواية” في هذه الحاضنة، مهما تكن مبدعة ورائعة ومشوّقة، فإنّها لن تتجاوز “المُحاكاة” إلى “الإبداع”، لأنّها تكون في حاجة إلى الوعي بنوعها الأجناسي.

هنا، وضعتنا في منطقة صعبة نوعًا ما، تقول “إنّ الرواية العربية غير واعية بنوعها الأجناسي”، بينما بلغت الرّواية العربيّة مستويات عالمية وهناك روايات عربية عظيمة!

محمّد كاديك: لا أبداً، ليست صعبة. ما دام مفهوم السّخرية -بالحاضنة اللغوية العربية- غامضًا ومختلطًا بمفاهيم مُجاورة له مثل الفُكاهة والهجاء والاِستهزاء، فإنّ الرّواية العربية –رغم حصولها على نوبل– تبقى غير واعية بنوعها الأجناسي، وهي –في المُجمل العام- “محاكاة” بالضّرورة، فإن كان بيننا عدد من الرّوائيين المُتفوّقين، فهذا لا يعني بأنّ الجنس حقّق الوعي بنوعه، وإنّما هي حالات مُتفرّدة لا تُعبّر عن اِنتقال فعلي على مستوى الاِشتغال الذهني أو على المستوى الاِجتماعي، وإذا قلتُ إنّ الرواية عندنا “مُحاكاة”، فهذا لا يعني أنّني أصفها بنقص جمالي أو فنيّ، سأضربُ هنا مثلاً ببيت شِعري لبشارة عبد الخوري يقول فيه: (إنّ المواهب لا فضل لصاحبها/كالصوت للطير أو كالنّشر للزهر)، وهذا وصفٌ رائع. نقول: الكنار يغرّد بأجمل الألحان، ولكنّه لا يعرف السُلّم الموسيقي، وعلى هذا، يأتي الكنار بالجميل، ولكنّه لا يبدع، ولا يمكن أن يتجاوز موهبته، وهو لا فضلَ له فيها، ولا يُضيف إليها، ولا أمل في يومٍ يأتي نجد فيه الكنار يتعامل مع النوتات بأسلوب علميّ، بينما يُمكن للروائي أن يكون له فضله في صناعة الفِكر إذا اِشتغل على موهبته، وأضاف إليها، وهذا يُشترطُ له اِستيعاب المفاهيم النّقدية المؤسّسة، فإذا لم يشتغل الرّوائي على المفاهيم، فإنّه سيظل جميلاً مثل الكنار، ولن يتجاوز الموهبة. هذا كلّ ما في الأمر.

في الفصل الأوّل من “سؤال السّخرية”، خصّصت مبحثاً لإشكاليات المُصطلح، وركّزت على التّفريق بين “السّخرية” و”المفارقة”. ما الّذي اِستدعى مفهوم “المفارقة” في كِتاب يُعالج “السّخرية”؟

محمّد كاديك: أحسنت، هذا مُهمّ جدّا.. كان ينبغي أن يُحدّد الفصل الأوّل الجهاز الاِصطلاحي، وكنتُ أفترض أنّ السّؤال سيتوقف عند حدود التّفريق بين “الفُكاهة” و”السّخرية”، والبحث عمّا يُميّز الأنواع السّاخرة فيما بينها، وفق تراتبيّتها طبعًا، غير أنّ الأمر لم يكن بهذه السّهولة، فقد وقفتُ –في أثناء البحث– على خلط بين “المُفارقة” و”السّخرية” تسبّبت فيه التّرجمة الخاطئة لمصطلح Ironie، وهذا خطأ أنتجَ مُتتالية من الأخطاء خلطت المفاهيم بشكلٍ كان له تأثيره على مصطلحاتٍ أخرى، وحرم الأعمال النّقديّة مِمّا ينبغي لها من دقّة، ولقد تمكّنتُ –بحمد الله– من تقديم البراهين على خطأ التّرجمة التي اِجترحتها نبيلة إبراهيم في مقال (المفارقة) المنشور بمجلة فصول عام 1988، وقدّمتُ الأدلّة على تشرذم المعنى في ترجمة عبد الواحد لؤلؤة لكتابي دوغلاس ميويك في “موسوعة المصطلح النقدي”، فكان الخلاص من الإشكالية بجهدٍ جهيد، ويبقى أنّ كثيراً من الأعمال النّقدية، ما تزال “تبحث” عن “المُفارقة” في الروايات، بينما تقصد إلى “السّخرية”، ولقد حدثَ أنّ أطروحة دكتوراه اِعتمدت مصطلح “سخرية” من البداية، بحكم أنّ صاحبها مُتمكّن من الترجمة، ولكن لم يلبث أن بلغ به المنهج إلى مرحلة المُقارنة بين السخرية والمفارقة، فاِتخذ من ترجمة لؤلؤة مرجعًا، ولم ينتبه إلى أنّ اِستدلالاته كانت تصف مفهومًا واحد، وليس مفهومين كما أوحت له الترجمة، وبِمَا أنّه لم يُكلف نفسه الاِطلاع على كِتاب ميويك الأصلي، فقد وقع في مأزق ما يزال صامتًا إلى يومنا هذا، ويُمرر مغالطاته إلى القُرّاء في صور حقائق علميّة، وهذه مشكلة غاية في التعقيد.

لاحظَ عددٌ من النّقاد أنّك حين اِشتغلت على التّهكم السقراطي، لم تعد إلى أعمال سقراط، وكان ينبغي أن تستخرج المفهوم مِمَّا أنتج سقراط نفسه. ألا توافقني إن قلتُ إنّ هذه ثغرة يمكن أن تكون قد أثرت على طبيعة المفهوم كما تصوّرته؟

محمّد كاديك: سأوافقك على أنّ كلّ ثغرة لها تأثيرها المُباشر على نتائج البحث، وأُضيف أنه ليس من عمل يسلم من الثّغرات، ولكن، لن أوافقك، ولن أوافق النّقاد فيما ذهبوا إليه من حديث عن ثغرة مفترضة تسبّب فيها عدم العودة إلى مقولات سقراط، ذلك أنّ “السّخرية”، وإن كانت موجودة في زمن سقراط، بل كانت موجودة قبل زمن سقراط، وكانت مُتداولة في أشكال مختلفة، إلاّ أنّ الفِكر لم يكن قد عبّر عن المفهوم بمقولة تضع له حدوده، ذلك أنّ اِسم “Eironeia” الّذي اُطلق على سقراط، وانتهى إلى “Ironie” المُتعارف عليها اليوم، كان يدلّ على الإنسان الّذي يتظاهر بالعجز كي لا يقوم بمسؤولياته، وقد أُلصق الوصف بسقراط، سخريّةً منه، لأنّه كان يُقابل كلّ سؤال بسؤالٍ مُضادّ، وفق منهج يصل به إلى وضع محاوره في حالة صدمة حين يجعله يكتشف، بالتّدريج، تناقض أفكاره، غير أنّ مفهوم “السخرية” في ذاته، بقيَ عالقًا على مستوى “الحضور” دون تعريف، إلى أن تعرّض إليه أرسطو أوّل مرّة في كِتاب “الأخلاق”، فمنحه معنىً دونيًّا، ثمّ راجع تعريفه في كِتاب “الميتافيزيقا”، واتّخذ مُوقفًا مُعتدلاً من منهج سقراط في المحاورات، لتكون أوّل فرصة لمفهوم “السّخرية” كي ينتقل من “الحضور” إلى “الواقع” ويقتحم مجال البلاغة، لا يبرحه إلى أن يتولاه الرومانسيّون بالعناية، ويمنحونه مكانته في الفلسفة والأدب معًا.

هل يمكن أن تُوضح ماذا تقصد بـ”الحضور”؟

محمّد كاديك: لنقلها كما قالها “لالاند”، هو الشيء المُتكشّف بالإدراك، فـ”الشيء” كما يُراه مالك بن نبي لا يعدّ موجوداً بالنّسبة لشعورنا إلاّ عندما يلد فكرة تصبح برهانًا على وجوده في عقلنا، هنالك يصبح وجوده حقيقيّا، وتتكشّف شخصيّته، ويُوضع له اِسم يُطلق عليه. إذن، بن نبي يصف عمليّة التعريف، أو عملية وضع الحدود، بأنّها تبدأ من وضع الاِسم، وتنمو كلّما أخذ هذا الاِسم معنى مُركّبًا، أي أنّ الشّيء يُصبح اِسمًا، يتحوّل إلى فكرة ثمّ يُصبح مفهومًا. هذه خُلاصة معنى “الحضور” كما حَدّده مالك بن نبي. إذن، ظاهرة السّخرية –وفق دوغلاس ميويك- كانت موجودة قبل أن يتم تعيينها باِسمها، وهو ما يعني أنّها كانت موجودة قبل أن تُصبح “مفهومًا”، و”اللّفظة” –بدورها- كانت موجودة قبل أن تنطبق على الظّاهرة، ومن ذلك أنّنا يمكن أن نجد الأنواع الساخرة في الأعمال الشّعرية القديمة دون أن تكون هذه الأنواع واعية بجنسها، أو مُدركة لجنسها، مثلاً، هوميروس اِستعمل “سخرية الموقف”، ولكن هذا النوع السّاخر، لم يكتسب اِسمه إلاّ في القرن الثّامن عشر. عوداً على بدء الآن، سأذهب إلى أنّ مُلاحظة النّقاد المُتعلّقة بضرورة العودة إلى أعمال سقراط لتأصيل مفهوم السّخرية، ليست في محلّها، لأنّ المفهوم –كما سبق وقلت– كان على مستوى “الحضور”، ولن تفيد أعمال سقراط إلاّ في اِستخراج بعض النّماذج عنه بحكم أنّ سقراط كان بارعًا في صياغة القوالب الساخرة.

في “سؤال السّخريّة”، قدّمت صورة تاريخية مُجملة عن تطوّر المفهوم، شرحتَ التهكّم السقراطي، السّخريّة الرومانسية، ثمّ ما وصفته بأنّه سخرية سورين كيريكيغور المروّضة، والقناع النّتشوي. ماذا أضاف السّؤال إلى المفهوم؟

محمّد كاديك: مُلاحظة مُمتازة. سأقول إنّه لم يُضف شيئًا على المستوى العالمي، وأضاف أشياء كثيرة على المستوى العربي. لماذا؟!.. لم يضف شيئًا على المستوى العالمي، لأنّ الدراسات الغربيّة لم تترك شاردة ولا واردة متعلقة بالمفهوم إلاّ واعتنت بها، بدايةً من أعمال أرسطو، وانتهاءً إلى أعمال فلاديمير يانكيليفيتش سنة 1930، وأعمال دوغلاس ميويك، وواين كلايسون بوث في السّبعينيات من القرن الماضي، وغير هؤلاء مِمّن تفطنوا إلى أنّ مفهوم “السّخريّة” عمود فقري بالنسبة للأعمال السّردية الرّوائية من أمثال جورج لوكاش وميخائيل باختين، هذا من جهة، من جهة أخرى، أضاف “سؤال السّخرية” أشياء كثيرة على المستوى العربي، لأنّ المفهوم بقي مُعطّلاً لا يتجاوز الحاضنة البلاغيّة التُراثيّة، بل إنّه اِختلط بالمفاهيم التي تُجاوره، فضيّع فاعليته في الأعمال السّرديّة عمومًا، فهذه لم تتجاوز جهد “المُحاكاة” كما قلت لك في السّابق.. وقد يكون واضحًا، أنّ الدّراسات النّقدية العربية حاليًا، لا تقصد إلى الإضافة، بقدر ما تقصد إلى تحقيق التّراكم المعرفي الّذي يكون عاملاً دافعًا للإضافة وميسّرا لها، بل يكون قاعدة الإسهام في الجهد المعرفي الإنساني، ولا ينبغي أن يفوتنا أنّ ما نصفه بأنّه عصر النهضة العربي، إن كان هناك “نهضة” فعلاً، إنّما تحرّكت لحظته في القرن العشرين، بينما تحركت دواليب الغرب مع السكولائيين في حوالي القرن الحادي عشر، فلا مجال إذن للمقارنة بين سيرورتين تاريخيتين، بلغت إحداهما مرحلة من التراكم المعرفي لا يُتاح للثانية أن تحلم مجرّد حلم بها، وهو ما يُعبّر عنه محمّد أركون بأسلوب رائع حين يصف التشتّت المعرفي المعيش بالحاضنة اللغوية العربية، بأنّه أنتج قطيعتين اِثنتين، يعاني منهما “العرب” على مستوى الخلق والإبداع، أوّلاهما قياسًا إلى الفترة المُنتجة والتأسيسيّة من تراثهم يعتقدون أنّهم يعرفونها، والثّانية قياسًا إلى العقلانية الغربيّة التي ما تزال تتطلّب معرفة منهجيّة دقيقة. وهذا يفرض على الجميع الاِشتغال على المحورين، التاريخي والمعرفي معًا من أجل تحقيق ما ينبغي من تراكم معرفي يمكّننا من الإسهام في الجهد الإنساني.

تقول إنّ “سؤال السّخرية” أضاف أشياء كثيرة على المستوى العربي. هل من أمثلة؟

محمّد كاديك: لعلّ أهم منجز لـ”سؤال السّخرية” هو اِستخلاص المفهوم للحاضنة اللّغوية العربية أوّلاً، ثمّ تخليصه من المفاهيم المُجاورة التي تتماهى معه، وتخلط على الدّرس السّخرياتي العربي مناهجه وأدواته، ثمّ إنّ تحديد المفاهيم نفسه يسمح للأعمال السّردية بأن تتجاوز جهد المحاكاة إلى الإبداع، إضافةً إلى توضيح صنافات الأنواع السّاخرة وفق المدارس على اِختلافها، واقتراح مصطلحات تستقي من المفاهيم، فلا وجود للمصطلح خارج الفكر، ولعل يكون كافيًا إن ضربت مثلاً بـ”سخرية الوصلة” لـ”Ironie de Mention”، وهو المصطلح الّذي اِقترحناه ليعوّض “سخرية الإشارة” الواردة في موسوعة مصطلحات المُنظّمة العربيّة للتّرجمة، و”الذكر” الّذي اِقترحه مترجم سبيربر وويلسون، هشام إبراهيم عبد الله الخليفة؛ ذلك لأنّ حمولة معنى “الإشارة” أو “الذكر”، لا تنسحب على حمولة معنى Mention في كليّته، وإنّما يغطي كلّ مصطلح منهما جانبًا واحداً فقط، وهناك من مثل هذا عددٌ لا بأس به من المصطلحات، ولقد تعرّض “سؤال السّخرية” إلى “السّخرياتية العربية” وحاول أن يُوضّح أهمّ ما يعترضها على المستويات المعرفية والمنهجيّة.

خلاصة القول، إنّ “سؤال السّخرية” لا يُقدّم نفسه على أنّه منتهى العمل، ولكنّه يُمثّل أرضية صلبة يمكن أن تتوسّع الدراسات السخرياتية العربية، اِنطلاقًا منها، ويكون دافعًا لاِنتقال الأعمال السّردية من المُحاكاة، إلى الوعي بطبيعة الأنواع السّردية.

في عتبات “سؤال السّخرية” الأولى، خصّصت وقفة للدكتور محمّد بن شنب. لماذا؟

محمّد كاديك: صحيح، وكان أحقّ بها وأهلها، رحمه الله وأحسن إليه. تلك الوقفة كانت اِعترافًا بالفضل لأهله، ذلك أنّ محمّد بن شنب، وهو أوّل من تحصل على درجة الدكتوراه من جامعة الجزائر عام 1922، وقد خصّص أطروحته للشّاعر العباسيّ زند بن الجون المعروف بأبي دلامة، وكانت أوّل مرّة في التاريخ يجتمع للشاعر ديوان، بعد أن تفرّقت أشعاره على كُتب الأخبار، كما كانت أوّل مرّة يتخلص فيها “السّاخر” من أبواب الملح والطرائف التي اِختصه بها الإخباريون العرب، وهو ما يعني أنّ أطروحة بن شنب، كانت أوّل عمل أكاديمي يقرأ “السّاخر” وفق رؤية منهجية مختلفة، تحسب له حسابه في الظروف العامة التي أحاطت به، وتعامله وفق رؤى علميّة عميقة. وحتّى إن لم يحرص بن شنب على وضع تعريفات تُحدّد المفهوم العام للسّخريّة، فإنّه في عمله فرّق جيداً بِمَا ما ينتمي إلى التهكم، وما ينتمي إلى “الكلبية”، بما هي نوعٌ ساخر. هذا من ناحية. من ناحية ثانية، فإنّ حصولي على عمل محمّد بن شنب، كان المُحفّز المُباشر للعمل على “سؤال السّخرية”، فقد رافقني هذا السؤال على مدى طويل من الزمن، دون أن أجد منفذا إليه، وكان عمل بن شنب فاتحة خير على السّؤال. ثمّ إنّ عملي على “السّخرية” وافق قرابة مائة سنة من صدور عمل بن شنب، وهذا له رمزيته بالنسبة لواحد من محبي بن شنب مثلي، وهناك أشياء أخرى كثيرة تربطني برائد الدّراسات السّخرياتيّة، لا مجال للتّعرض إليها الآن.

كيف تختم الحوار؟

محمّد كاديك: نختمه بنداء إلى كلّ الأكاديميين العرب المتخصّصين في النقد الأدبي، ندعوهم فيه إلى ضرورة العمل على العودة إلى الخلفيات الفلسفية للمناهج النقدية، من أجل توطين المفاهيم بالحاضنة اللغوية العربية، فهذا الجهد، يكفل للمصطلح القدرة على التعبير بدقّة عمّا ترمي إليه الأعمال النقدية، ويمنحها ما يُحقّق للمنجز الأدبي ثمراته.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *