أرمن عراقيون

*إنعام كجه جي

حمل الكتاب الجديد الذي بين يدي عنوان «التاريخ الحديث للعراقيين الأرمن»، أي أنه يقدم صفة العراقيين على الأرمن. 400 صفحة معززة بالصور عن مئات النساء والرجال الذين ساهموا في بناء العراق. وهو جهد كبير قام به الباحث المهندس هامبرسوم أغباشيان. هل علي أن أضيف أن المؤلف أصدر هذا الكتاب من مهجره في الولايات المتحدة؟ من المحزن كثيراً أن في كاليفورنيا اليوم من الأرمن لربما أكثر مما بقي منهم في موطنهم العراق.

ولد المؤلف في بغداد لأبوين ناجيين من مذابح الأرمن. يهدي الكتاب إلى أبيه ميناس الذي أجبره العثمانيون على ترك دياره في قصبة زيتون. كان ابن أحد عشر عاماً. سيق في مسيرة الموت عبر البادية بين سوريا والعراق ووصل إلى الموصل. فقد عائلته في الطريق وأودع داراً للأيتام. يكتب ابنه: «أكل والدي من زاد العراق وشرب من ماء الفراتين وبعد سنين استقر في بغداد وكوّن أسرة وأصبح مواطناً عراقياً له كامل الحقوق».

أتصفح الكتاب وأقرأ عن عشرات الأسماء التي سمعت بها أو قابلتها وأعجبت بمهاراتها. أطباء مشاهير، مهندسون، موسيقيون، مصورون، خياطون، إسكافيون. صاغة. تجار ورجال أعمال. أتوقف عند سيرة السيدة آنه سيتيان. هل هناك امرأة في بغداد، منذ أواسط القرن الماضي، لم تسمع بالدكتورة آنه؟ كانت أول طبيبة في تاريخ وزارة الصحة يتم تعيينها في المستشفى الملكي، عام 1939. ولدت في محلة الكريمات ودرست في مدرسة الأرمن وتابعت تعليمها في كلية الطب بالجامعة الأميركية في بيروت. سافرت إلى بريطانيا، أواسط الأربعينات، لاستكمال تخصصها في أمراض النساء وعملت في مستشفى «همرسميث».

كانت آنه سيتيان أستاذة في الكلية الطبية. نشرت عدة كتب في مجال تخصصها وقدمت بحوثاً في مؤتمرات عالمية. ويعتز عدد من مشاهير الأطباء بأنهم كانوا من طلابها، منهم آمنة صبري مراد، وسالم الحيدري، وخالد ناجي، وإحسان البحراني، وغانم عقراوي، ولبيب حسو. أسماء لها رنين الذهب في ذاكرة العراقيين. عالجت الدكتورة آنه أجيالاً من العراقيات وولد على يديها آلاف الأطفال. ولما تقاعدت انتقلت إلى كاليفورنيا وفيها أسلمت الروح عن 96 عاماً. كان ذلك في مثل هذه الأيام من عشر سنوات.

وفقاً للمؤرخين، يعود الوجود الأرمني في بلاد الرافدين إلى القرن الثامن. وخلال تاريخه استقبل العراق، عدة مرات، مهاجرين من أبناء وديان جبل أرارات التوراتي. وفي بداية القرن السابع عشر قام الشاه عباس الصفوي بنقل الآلاف، قسراً، من أرمينيا إلى إيران لعدة غايات، منها إخلاء بعض المناطق من القوى العاملة لئلا يستفيد خصومه العثمانيون من المؤن والأيدي الماهرة أثناء حملاتهم العسكرية على بلاده. انتقل عدد من أولئك الأرمن إلى البصرة وبغداد واستوطنوا هناك. وحسب الروايات، فإن السلطان العثماني مراد الرابع، الذي احتل بغداد عام 1638، أراد تقديم هدية إلى مساعده قائد المدفعية، أي الطوبجي باشي كيفورك نزاريان، فطلب هذا الأخير أرضاً لتشييد كنيسة لأبناء قومه. وهكذا بنيت كنيسة السيدة العذراء في منطقة الميدان وكانت تسمى، سابقاً، «كوك نزار».

يقتبس المؤلف عبارة وردت في كتاب «على ضفاف دجلة» للراحل ليفون شاهويان، أحد أقدم وجوه المجتمع البغدادي الأرمني، قال فيها: «أسأل الله من أعماق قلبي أن يبارك هذا الشعب الرائع الذي فتح لنا ذراعيه وحافظ علينا مثلما يحافظ على أبنائه. إن أبنائي وأحفادي عليهم أن يتذكروا هذه الأفضال ولا ينسوها أينما كانوا في هذا العالم، كلما جاء ذكر اسم العرب».

* عن الشرق الأوسط

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *