امرأة الصباح: قصّة حفيظة قارة بيبان (بنت البحر)

(ثقافات)

   يقابلني وجه امرأة.

لعلها تشبهني.. وجه مازالت عليه آثار النوم و بعض التعب.رغم قهوة البن المركزة التي  انتصفت في الفنجان الأبيض الخزفي أمامها ، رغم ساعات النوم السبع التي غرقت فيها ، يبدو الإجهاد باديا عليها

     أتأمل الوجه اللوزي المتعب ، كأني أراه لأول مرة، بفضول وبعض خيبة .

تنحني الخطوط حول الشفتين الرقيقتين ، تبين أكثر على طرفي الفم الصغير، تلوح ظلال داكنة تحت العينين  تنحدر   تكاد تحفر غمازتين في الوجنتين، لا تخفي بقية سماحة وجمال مضيا.

 مع ذلك، تظل لمعة تطل من العينين العميقتين الذابلتين  يشع البريق رغم التعب المظلل البياض الذي احمر وغيب دعجا فاتنا كان .

      يتوقف نظري على وجهها، مهملا الورقة البيضاء المنتظرة أمامي.

لم يتأملني مستنكرا؟.. لم يحدق بي في صمت، كأنه اتهام بخيانة غامضة؟..

يطلع السؤال على وجهها، وظلان يرتفعان بين الحاجبين، يرسمان عبوسا يتمكن من الجبين

كأنه الخوف و القلق المقيم.

        يحتد الصمت في الورقة الباردة  البيضاء، المنتظرة القصة القادمة..

يحتد لون التراب وظلاله في وجهها الساكن  في المرآة..

يئز الكرسي المتراجع غاضبا ، إلى الوراء..

تسقط خصلة شعر كستنائي على الجبين، ألمحها وأنا أنهض تاركة الوجه القلق الذي لا أعرفه.

أنهض لأمضي إلي، رافعة فنجاني البارد على صحينه- أوليها ظهري إلى المطبخ.

أعيد قهوتي من جديد إلى الركوة على النار، حتى تغلي وتفور، تنشر بخارها الذكي النافذ، لعل ذاك العنفوان الجامح للحفر في الأعماق المظلمة يعود، فأشعل النيران وأظفر بالجواهر، وأكتب قصة جديدة

بعيدا عن الوجه المحبط لامرأة الصباح.

         أسمع بابا ينفتح، وخطوات في الممر، ترقص، خفيفة طائرة

تعترضني الطفلة الناهضة من النوم، ماضية إلى الحمام

– صباح الخير، ميما

يهمس الصوت  الرقيق الطائر، ووجهها يمر مسرعا مضيئا البيت بابتسامة صباحية ينفتح فيها برعم الورد عن بياض الأسنان الصغيرة اللامعة.

يعود، يهل وجهها القمري الصغير،يرتفع إلي منشرحا، يحفه سواد الشعر المبعثر الناهض من وسادة النوم ،تلتمع زيتونتا العينين السوداوين.. تلامس النعومة الحريرية لبتلات الورد خدي في قبلة سريعة قبل أن تطيرعائدة إلى فراش صباح الأحد، يوم عطلتها الأسبوعي.

      خلفها، يفوح شذى الزهر المرفرف .

ينتشر عبق القهوة في يدي..  أبتسم لوجه الطفلة الحبيب الماضي.

أعود بقهوتي  الساخنة.

أمام مكتبي أجلس . ترف الورقة البيضاء أمامي..تشرق بالضوء والشوق.

قبالتي، في المرآة، أندهش، إذ لا أجد  وجه امرأة الصباح

أرى فقط، وجه راقصة الخطو  الصغيرة، وقد صار وجهي

.. أعود أكتب.

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *