-
علي السوداني
المسألة بسيطةٌ . المسألةُ جدُّ بسيطة ومتاحة الآن . أشتهي أن أكتب شيئاً خالصاً لوجه اللغة ، من دون أن يتلوث المشهد بسخام شاشة التلفزيون الوغدة .
سأذهب يا زيد الحلي البديع مذهب التوصيف الكثير ، لكن ليس ما وقع بباب التكرار والإجترار والتدوير وحشو الفوائض بخواصر السطور .
ستقول لي إنَّ مفتتحك يشير إلى معكوس النية التي انتويت ، فأقول لك صبراً يا صاحبي والصبر مفتاح المغاليق حتى لو نام بمفاصلها الصدأ .
دعني أريك الليلة طاولتي الموحشة . هي ليست على تمام الوحشة والوحشة بقلب الشاعر .
سترفع سبابتك بوجهي الذاوي وتقول لي : ها أنت بدأت باستعمال الزائد والمكرور وصارت اللغة عندك مثل عانس ملولة تتثاءب بغير حساب !!
سأوافقك على بعض رأيك وسأستبدل الطاولة بالمائدة والصحن بالماعون وأكتب :
مائدتي ليست لها أرجل وهي واقفة راسخة نابتة على ساق المعنى !!
ستضحك بقوة عشيرة من الأفواه القوية وستحك ظهر رأسك وترشقني بجملة الشك المبين !!
لن أشعر بالحيرة ولا بالبلبلة وسأقدم لك هذا الماعون الساخن :
أثاثها يكاد يصيح . أقصد الطاولة التي سميتها مائدة . نسخة عتيقة من كتاب القرآن الجميل مفتوحة على سورة يوسف ، والنسوة اللاتي قطعنَ أيديهنَّ من فرط الشغف .
مرمدة سجائر مثل مقبرة سجيت ببطنها ستة أعقاب . آلة لتدريم وبرد أظافر اليد والقدم .
تمثال برونزي من مسبيات عماد الظاهر . فنجان قهوة مرة بطعم الأيام .
علبة كبريت مقلوبة على وجهها . كاسة فرفوري بها أوراق ورد يابسة . دفتر صغير يشبه وجه موسى كريدي . ذبابة حرة لا أدري لغز وجودها .
سأوسّع المشهد وأهبط قليلاً تحت الطاولة . نعال أبو إصبع أفكر الآن بالتخلي عنه .
سلة زبل بداخلها قطعة كلينكس وتفاحة معضوضة من سبع جهات . سطر طويل من ديدان غبية . ثمة نواة زيتون واحدة انفلتت خارج المزبلة مثل سجين نجا من بطن الكاتراز الرهيب .
سأترك القطة الميتة تحت الطاولة ، والفيل الضخم الذي بنى بيته بحلق الرازونة ، والأفعى التي خرجت من فمي ، والقمر الذي ارتطم بسلك الكهرباء ، وحبات المطر التي صارت ضفادع . سأنام قليلاً وعندما أصحو سأتمم عليك قصتي الطويلة .
-
عن الزمان