الإعلامي الأردني محمد أمين: سيرته الحياتية ومسيرته العملية

(ثقافات)

 * عامر الصمادي

         يعتبر الاعلامي محمد امين سقف الحيط واحدا من ابرز الاعلاميين الاردنيين الذين تركوا بصمات واضحة في العمل الاخباري الاردني والعربي من خلال عمله الذي امتد لما يقرب من ثمانية وثلاثين عاما في وسائل اعلامية متعددة ، كان عمره سبعة عشر عاما عندما بدأ مشواره في الاذاعة الاردنية في عمان عام 1960 ، ليعمل مذيعا ورئيس برامج ومنوعات في كل من اذاعة عمان والتلفزيون السعودي ثم  اذاعة صوت اميركا التي كانت تبث من جزيرة رودس اليونانية [1] حتى عام 1974، لينتقل بعدها الى “ التلفزيون الاردني” محررا ومذيعا ومديرا للاخبار والبرامج، قبل ان يصبح في عام 1990 مديرا للتلفزيون.

ولد “محمد امين ” وهو الاسم الذي عرف به طوال عمله الاعلامي  في نابلس عام 1943 ودرس في مدراسها وحصل اثناء عمله  بالوظيفة الرسمية على بكالوريوس في التاريخ من جامعة بيروت العربية ، وقد عمل في بداية انطلاقة اذاعة عمان ) اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية فيما بعد) مع عدد من الرموز والكفاءات الاعلامية المعروفة التي تركت بصمات واضحة على مسيرة الاعلام الرسمي الاردني[2].

في عمله الاذاعي والتلفزيوني قدم محمد امين عشرات البرامج الوثائقية ، ومنها بعض البرامج والتحقيقات التلفزيونية التي اتسمت بالجرأة والمسؤولية وحفظتها ذاكرة الجمهور في حينه وهي تؤشر على الخلل في الحياة العامة  من اشهرها برنامج (ريبورتاج الاسبوع)، الذي يعتبر حتى يومنا هذا واحدا من أجرأ البرامج التلفزيونية التي قدمت من خلال شاشة التلفزيون الاردني والذي قدمة في ثمانينيات القرن الماضي  بسبب تناوله لقضايا كانت تعتبر حساسة وينتقد من خلالها عمل الوزارات ومؤسسات الدولة ويؤشر إلى مواطن الخلل دون تخوف من أحد ،وكل ذلك في زمن الأحكام العرفية التي لم يكن باستطاعة أي إعلامي توجيه انتقاد لاي مسؤول مهما صغرت مرتبته ،كماعمل قارئا للأخبار والتعليقات السياسية وقاد عمله في الإعلام المرئي والمسموع لنسج علاقة لم تنقطع مع الصحافة المقروءة التي نشرت له سلسلة من المقالات في صحف ومطبوعات اردنية وعربية ، كما انه كتب العديد من الاغاني والأشعار الوطنية والاوبريتات الوطنية ليكتمل ثالوث إختصاصه الإعلامي.

تنقل محمد امين في عدد من المناصب فعين مستشارا لوزير الاعلام ثم مديرا للمطبوعات والنشر لمدة خمس سنوات ليعين بعدها أمينا عاما لوزارة الاعلام حيث توفي وهو على رأس عمله عام 1998[3].

تميزت سيرة محمد امين العملية بمهنية عالية في المجال الصحفي الاخباري، حيث كان يصر على تطبيق  الكثير من المباديء واخلاقيات العمل الصحفي في عمله وعمل مرؤوسيه فيما بعد عندما اصبح مديرا للاخبار ومديرا للتلفزيون ،وكان لا يتوانى عن رفض الكثير من الاخبار في بعض الاحيان اوشطب معظمها احيانا اخرى  لاسباب مهنية بحتة وهو ما كان يثير حفيظة العاملين معه الا انهم كانوا يدركون السبب فيما بعد. يقول الإعلامي الفرد عصفور وهو ممن عملوا بمعيته كمحرر ثم اصبح فيما بعد رئيس تحرير و مديرا للاخبار ،انه كان يصر على اختبار اي شخص يريد العمل في المجال الإخباري بنفسه ،وكان يضع عدداً من الاسئلة باللغتين العربية والانجليزية ،ثم يطلب ترجمة بين اللغتين كي يضمن أن اي محرر سيعمل معه سيكون قادرا على فهم الاخبار بلغتها الواردة بها وإتقان نقلها وتحريرها بالعربية[4].

كما أنه كان يصر على إعتماد مصدرين لأي خبر قبل بثه اذا لم يكن واردا من مصدر رسمي بالإضافة الى تحري الدقة وأهمية الخبر بالنسبة للمشاهد و كان يستدعي المحرر إلى مكتبه ويسال عن مصادر الخبر وفي أي الوكالات ورد، ثم يسال: لماذا تريد أن تبدأ الخبر بهذه الجملة أو تلك؟

 كما يقول  عبدالحليم عربيات  مدير الاخبار الاسبق في التلفزيون الاردني وأحد تلاميذه في العمل الاعلامي[5].

ومن مبادئه بالعمل الإعلامي انه كان لا يسمح للعاطفة ان تتغلب على حس الصحفي او المحرر فتنعكس على خبره فقد كان يؤمن أن الصحفي يجب ان يكون حياديا الى أبعد حد في تعامله مع الأحداث التي يغطيها ، ويروي الفرد عصفور انه واثناء الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982 كان يحرر اخبارا حول ذلك العدوان يعكس بها بعض العواطف الجياشة في دعم المقاومين ونعت الغزاة بأبشع الألقاب والأوصاف تماشيا مع حالة الغليان في الشارع وشعوره الوطني ،لكن اخباره كانت تعود من مكتب محمد امين وقد حذف الكثير منها او حررت بطريقة مختلفة ،فضاق بذلك ذرعا واصبح ينتقد ذلك معتبرا إياه تكميما للأفواه وتدخلا بعمله الصحفي، ووصل الامر الى محمد امين الذي صادفه بقاعة الاخبار ووضع يده على كتفه بطريقة أوحت بانه سيوجه اليه عقوبة او تأنيبا لكنه قال له بكل هدوء ،لا تعتقد للحظة واحدة انك اكثر وطنية من زملائك او منا ، لكن هناك مباديء في العمل الاعلامي لابد ان نتبعها وغدا عندما تصبح مسؤولا ستعرف حقيقة ما افعله الان[6].

تميزت طبيعة شخصية محمد امين بالهدوء خاصة وقت الازمات او المواقف الحرجة وبحكم عمله الإعلامي الطويل وعلى الهواء كان يدرك ان الانفعال لحظة المشكلة لن يحلها بل سيزيدها تعقيدا وقد يؤدي إلى كوارث تظهر للمشاهد على الشاشة وهو ما يعتبر من المحرمات لدى المحطات المحترمة ، وتروي المترجمة رغده عزيزية قصة حدثت معها يوما عندما كان هو مديرا للتلفزيون حيث كلفها بتنفيذ  ترجمة لكلمة  الملك الراحل الحسين بن طلال التي سَماها رسالة سلام الى الشعب الامريكي في أعقاب الغزو الامريكي للعراق عام 1990 وذلك بالتنسيق مع محطة CNN الامريكية وبسبب تأخر عملية الترجمة، فقد تقرر ان يتم تنفيذ الترجمة على الهواء مباشرة حيث سيحضرها الملك الراحل اثناء البث ، وحدث ان المترجمة اغفلت جملة من الجمل فلم تعد قادرة على تنسيق ظهور الترجمة مع النص باللغة الانجليزية فارتبكت وكاد يغمى عليها لعظم الموقف، وخلال ثواني كان محمد امين يقف الى جانبها مهدئا لها ودافعا لها لعدم الارتباك ومواصلة العمل كأن شيئا لم يكن حتى تمكنت من استعادة الموقف وتنسيق ظهور الترجمة مع الكلام الاصلي، ثم اعيد التسجيل مرة اخرى بعد انتهاء البث المباشر ليعاد بث الكلمة مرة اخرى ، وبعد هدوء العاصفة طلب تقريرا مفصلا لمعرفة السبب ومحاسبة  المقصرين .

حصل محمد امين خلال حياته  على عدة أوسمة رفيعة  منها وسام الاستقلال  الاردني من الدرجة الثانية، وفاز برنامج كتبه عن الاعلام في حرب الخليج الاولى بجائزة هيروشيما اليابانية .

كان محمد امين يؤمن ان التحضير الجيد هو سبب التفوق في كل شيء حيث كان يوصي كل الذين سيشاركون بمؤتمرات دولية او احداث عالمية ان يكونوا مستعدين دائما للاجابة عن اي اسئلة تتعلق بالاردن او مواقفه السياسية وذلك من خلال توقع عدد من الاسئلة ووضع الاجابات الشافية لها قبل السفر او المشاركة بحيث يكون الشخص واثقا من نفسه وقدراته على مواجهة اي موقف .

المراجع

  1. الزواوي ، محمود ، خمسون عاما من الاعلام، سيرة ذاتية غير منشورة.

  2. امين، عادل محمد، مقابلة خاصة، عمان 20\11\2018

  3. امين، عادل محمد، مرجع سابق.

  4. عصفور، الفرد، ذكريات اعلامية، نصوص غير منشورة.

  5. عربيات، عبدالحليم، اتصال هاتفي، عمان، 25\11\2018.

  6. عصفور، الفرد، مرجع سابق.

  • إعلامي وكاتب أردني

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *